تناول الكاتب محمود نقشو في محاضرته التي أقامتها جمعية العاديات التاريخية بالتعاون مع المركز الثقافي العلاقة بين الأدب والرسم والفنون الأخرى مبينا العلاقة التاريخية، بين التجسيد والتجريد في جدل مستمر حتى مطلع القرن العشرين لاستخلاص نتيجة تقول( إن الظاهر المرئي لا يعكس قوام الواقع بل أعراضه الخاضعة للتبدل والتغير، ليتحطم المظهر الخارجي، للفن بحثا عن الأعماق المتوالدة وبدأت تنهار نظرية (الزمان والمكان) في العمل الواحد ونظرية التشابه الظاهري بين الظاهر المرئي والعمل الفني, ولهذا وانطلاقا من هذه الثورة على المحاكاة التسجيلية ،قام الفنان بثورة فكرية على مستوى المضمون ،مستفيدا من الشكلية الفنية بداية القرن العشرين ليقدم عملا فنيا متطورا في الشكل ،ومعبرا مضمونا عن العصر كشاهد عليه ،ومحرضا على تغييره معا.
وتابع المحاضر : إن السريالية هي فن بين الحلم والواقع أما التكعيبية تعني بناء الواقع وقوامه, أما البناؤون فقد ذهبوا إلى أن الواقع هو الميكانيكي الحركي عبر لوحات آلية وهكذا أخذ كل منهج بناء الواقع كل حسب طريقته ونظرته للفن.
وأشار المحاضر أن الرسم قد تراجع منذ اختراع الكاميرا حيث استطاعت تصوير ورسم وتظليل وإضاءة ،وتغيير الألوان، والإيحاءات في المشهد المصور كما تشاء، مما يعني أن التجريد تجلى في الإقامة خارج المرئي ، عبر تظهير طاقته الإيقاعية والمجازية والفنية، بامتلاك القدرة على ابتكار الواقع والفرار مما يسمى المحاكاة. حيث يتربع التجريد آخر مواليد الفن وآخر مدارسه وخلاصة كل عصور الرسم حيث أثرى و يثري الفن حياة الناس بأشكاله سواء المستعارة من المحيط، أو المستخرجة من الأعماق الدفينة، ليجد المتلقي في التجريد الفني نفسه أمام الشعرية عالية الصقل، متحررة من قيود الشكل ومفتوحة على فضائه الجملي الذي يقدم العالم ضمن نسيج من استعارات متناغمة غايتها تغليب الصورة على معناها ،بمعنى إهمال التفاصيل اليومية والتركيز على جوهر المعنى وليس مضمونه، لأن التجريد هو ذلك الاندماج والهروب المستمر من الدلالة عبر تقديم نسيج بلاغي محبوك بمهارة في لحظة الاختصار القصوى الآنية والأزلية معا.
واستعرض موضوع الصورة أو الشكل في الثقافة العربية الإسلامية وتأثرها بعصر التدوين، و تم إخضاع الإبداع البصري لعلم الكلام لتظهر مقولات متعددة منها مقولة التشبيه وهي واحدة من التخريجات الكلامية المشاركة للمقارنة الميكانيكية بين الواقعي والتجريدي، ، لافتا أن التجريد في الحرف العربي فنا قائما بذاته ،ونحن حين نرى النصوص العربية القديمة ونستقرئ عتباتها وكيفية كتابتها والتغني بزخارفها نكتشف أنهم حولوا النص المكتوب.
عفاف حلاس