وقف إطلاق النار في غزة: نبض أمل في جسد أنهكته الحرب

في قطاع غزة، حيث تحوّلت الحياة إلى كابوس يومي، يمثل أي اتفاق لوقف إطلاق النار بصيص الضوء الذي يتشبث به السكان بعد عامين من المعاناة التي طالت البشر والحجر على حد سواء.

لقد تجاوزت المأساة الإنسانية في القطاع كل وصف، وسط عجز دولي مطبق عن إيقاف آلة الإجرام الإسرائيلية التي لم تُبقِ شيئاً إلا ودمرته، يمثل هذا الاتفاق، إذا ما تحقق، بارقة أمل قد تفتح الطريق نحو إنهاء واحدة من أقسى الفصول الإنسانية في العصر الحديث.

تحت وطأة القصف اليومي، أصبح فقدان الأحبّة هو أصعب ما يواجهه أهالي غزة، حيث تجاوز عدد الشهداء سبعين ألفاً، بينهم أكثر من عشرين ألف طفل، في مشهد تراجيدي يختزل حجم المأساة الإنسانية التي يعيشها القطاع.

لقد تركت الحرب ندوباً عميقة في نفوس الناجين، الذين يحملون ذكريات مؤلمة عن مشاهد الدمار والمعاناة النفسية التي لن يمحوها الزمن بسهولة.

في غزة، تحوّل انتظار المساعدات الإنسانية إلى مصيدة للموت، حيث يستهدف الاحتلال الإسرائيلي المتجمهرين اليائسين بحثاً عن لقمة تسدّ جوع أطفالهم، واستخدم الجوع سلاحاً فتاكاً في هذه الحرب الإجرامية، بينما تحولت المياه النظيفة إلى حلم بعيد المنال، مما عرض الصغار والكبار لأمراض لا حصر لها.

لقد دمّر الاحتلال أكثر من مئتي ألف منزل بالكامل، وتحولت أحياء بأكملها إلى مدن أشباح، وأجبر أكثر من تسعين بالمئة من السكان على النزوح القسري، تاركين وراءهم كل ما يربطهم بحياتهم السابقة، لقد حول الاحتلال غزة إلى جغرافيا غير صالحة للعيش، ورغم كل هذا العذاب، يظل أهالي غزة متمسكين بالحياة بإصرار يبعث على الإعجاب, مؤكدين أن الحياة يجب أن تستمر.

لقد تحمل أبطال غزة مسؤوليات جسام في ظروف بالغة القسوة؛ فالأطقم الطبية تعمل ليل نهار وسط ركام المستشفيات المدمرة، وتحت حصار خانق يحرمهم من أبسط المستلزمات الطبية، وأيضا الصحفيون دفعوا ثمناً باهظاً وهم ينقلون الحقيقة إلى العالم، حيث استشهد المئات منهم أثناء تأدية واجبهم الإنساني.

الأرقام ليست مجرد إحصائيات، بل هي قصص معاناة يومية لشعب يتعرض لإبادة جماعية بطيئة بأدوات متعددة كالقتل، والحصار، والجوع، والمرض، والانهيار النفسي.

آن الأوان لكي يتحمل المجتمع الدولي مسؤولياته ويضع حداً لهذه المأساة الإنسانية التي تهدد جيلاً كاملاً من أطفال غزة.

إن وقف إطلاق النار ليس مجرد اتفاق سياسي، بل هو خطوة حياة أو موت لمئات الآلاف من البشر الذين أنهكهم القصف والتشريد والجوع.

إنه البصيص الأخير من الأمل الذي يجب أن يتطور إلى حل دائم يضمن حقوق الشعب الفلسطيني في العيش بكرامة وأمان، ويُعيد بناء ما دمرته آلة الحرب.

المزيد...
آخر الأخبار