الرئيس الشرع خلال مؤتمر صحفي مع الرئيس الفرنسي: لا مبرر لبقاء العقوبات بعد إسقاط النظام.. ماكرون: فرنسا ستساعد في رفعها
أكد رئيس الجمهورية السيد أحمد الشرع ضرورة رفع العقوبات المفروضة على سوريا جراء ممارسات النظام البائد، مشيرا إلى أنه لا مبرر لبقائها بعد إسقاطه، لأنها ستكون عقوبات على الشعب، وأمام سوريا مهام كبيرة واستقرارها مرتبط بالاستقرار الاقتصادي وبالحالة الأوروبية وبالعالم.
وقال الرئيس الشرع خلال مؤتمر صحفي اليوم مع نظيره الفرنسي إيمانويل ماكرون في قصر الإليزيه بباريس: أتوجه بالشكر الجزيل للسيد الرئيس وللشعب الفرنسي على استقبال السوريين اللاجئين خلال سنوات الحرب الماضية، وعلى حفاوة الاستقبال والكرم الذي حظوا به، كما أشكر الرئيس ماكرون على الدعوة الكريمة وحفاوة الاستقبال، هذه ليست مجرد زيارة دبلوماسية، بل لحظة اعتراف بقدرة الشعب السوري في حقه بتقرير مصيره وطاقته على إعادة إعمار ما تم تدميره.
وأضاف الرئيس الشرع: لقد ارتبط اسم سوريا خلال عقد من الزمن بظلال الحرب والنزوح والبراميل المتفجرة والأسلحة الكيميائية والجوع والحصار والموت، وعندما نهض الشعب السوري عام 2011 ضد نظام الأسد لم نكن نتوقع أن تمر ثورتنا بمراحل عدة، ولا أن يتعرض شعبنا لأقصى درجات العنف، في عهد من الرعب مارسه النظام السابق، وسط غياب شبه تام للمساءلة من قبل كثيرين في المجتمع الدولي، ما دفع بالسوريين إلى أوضاع لا يتمنى أحد أن يمر بها، لكن سوريا ليست مجرد ماض موجع، إنها شعب رفض أن يمحى، ورفض الخضوع لحكم الاستبداد، وفعل كل ما يلزم للبقاء، رغم الإهمال والتقاعس والأحكام المسبقة من العالم، وفعل ذلك دون أن يتنازل.
وتابع الرئيس الشرع: فرنسا كانت من أوائل الدول الأوروبية التي طردت بعثات النظام الدبلوماسية، إثر المجازر المروعة التي ارتكبها، وأول دولة أوروبية تعترف بالمعارضة السياسية، واستثمرت فرنسا في الجهود الإنسانية والسياسية وفي ملفات المساءلة، في وقت قل فيه من يفعل ذلك، لتضمن أن ألم السوريين لم يمح ولن ينسى، ونحن نثمن لها ذلك، ويكفي أن تمتلك دولة ذات رؤية مثل فرنسا تاريخا من تشكيل ملامح الدولة الحديثة لتدرك وتقدر هذا الحق في دولة أخرى.
وقال الرئيس الشرع: ناقشت اليوم مع الرئيس ماكرون سبل التقدم بين سوريا وفرنسا في القضايا ذات الاهتمام المشترك، وكما أشار الرئيس ماكرون في كلمته، نحن ندرس آفاق التعاون في مجالات الأمن وإعادة الإعمار والتنمية إضافة إلى العدالة والمساءلة، مؤكدا أن أمن سوريا واستقرارها هو استقرار للمنطقة بأكملها بل والعالم، حيث واجهت ولاتزال تهديدات أمنية خطيرة ونعمل بلا كلل على مواجهتها.
وأضاف الرئيس الشرع: إن سلامة المواطنين السوريين هي أولويتنا القصوى، ولقد أكدنا ذلك للرئيس ماكرون اليوم، وكما أنه لا أحد أحرص على فرنسا من الفرنسيين أنفسهم، فإن الأمر ذاته ينطبق على سوريا، ونحن ندرك أن هذه الفترة صعبة كما هي كل فترة ما بعد الثورة وما بعد الحرب، حيث تتلاطم في النفس السورية مشاعر الحزن والغضب والخوف والأمل، ونحن نحاول بشكل جماعي وفردي أن نستوعب انتهاء حكم استبدادي دام 54 عاما، واستخدمت فيه الطائفية والرعب كسلاح ضد المجتمع السوري.
وتابع الرئيس الشرع: لقد شهدنا في الأشهر الأخيرة أحداثا مأساوية افتعلتها عناصر مسلحة من فلول النظام الساقط، تسعى لخلق الفوضى وإشعال الفتن مستغلة هشاشة الوضع، حيث استغل بعض المسلحين هذا الواقع ليبثوا الفوضى، فيما ضاعفت شبكات التضليل الإعلامي من خطورة الموقف بصناعة الروايات المشوهة محملة بالعنف السياسي، فتحركنا بسرعة لمعالجة الوضع، واعتقلنا الخارجين عن القانون وشكلنا لجنتين الأولى للتحقيق في الأحداث، والثانية لاستعادة السلم الأهلي والتواصل مع المجتمعات المتضررة، وأقر مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة بالإجماع بجهودنا، وفتحنا الأبواب أمام لجنة التحقيق الدولية التي أثنت على تعاوننا الكامل معها.
وقال الرئيس الشرع: ناقشنا التعاون في مكافحة التنظيمات الإرهابية على الأراضي السورية، مع تقييم مساهمة فرنسا في هذا الشأن، والنظر في أطر جديدة للدعم الدولي، أما فيما يتعلق بتجارة الكبتاغون غير المشروعة التي فتك فيها النظام السوري بالمنطقة، فقد أظهرنا أننا شريك جاد في مكافحة المخدرات، كما تعاونا مع منظمة حظر الأسلحة الكيميائية التي زارت سوريا مرات عدة، وقدرت شفافية تعاملنا وتيسيرنا لمهامها، في تأكيد على التزامنا الكامل بمعالجة كل أثر لاستخدام السلاح الذي كنا ضحاياه.
وأضاف الرئيس الشرع: ناقشنا كذلك الاتفاق مع قوات سوريا الديمقراطية، مدركين أن فرنسا تتعاون معهم منذ فترة في ملف مكافحة داعش، كما تناولنا قضية المقاتلين الأجانب الفرنسيين في سوريا، والخطوات التالية في هذا الصدد، وتطرقنا إلى أمن حدودنا والتهديدات الإسرائيلية المستمرة، حيث قصفت إسرائيل سوريا أكثر من عشرين مرة خلال الأسبوع الماضي فقط، ما أدى إلى ارتقاء أربعة مدنيين وجرح ستة آخرين تحت ذريعة حماية الأقليات، كما ناقشنا الوضع الحدودي مع لبنان.
وتابع الرئيس الشرع: لقد ورثنا بنية تحتية مدمرة ومنهارة في سوريا، وكثير منكم رأى مقاطع فيديو لسوريين عادوا إلى منازلهم لأول مرة منذ أكثر من عقد ليجدوها أطلالا، هناك بلدات سرقت أسطح بيوتها، ومدن بلا كهرباء، ومخيمات تؤوي مليوني سوري، وسدود وجسور بحاجة إلى إصلاح، لهذا فإن إعادة الإعمار من أولوياتنا القصوى، ونقوم حاليا بتقييم احتياجات كل شبر من البلاد، لضمان حصول كل مواطن على حياة كريمة وخدمات أساسية ومكان آمن ليعود إليه بعد 14 عاما من التهجير، وبحثنا مع الرئيس ماكرون مساهمة فرنسا في جهود إعادة الإعمار.
وقال الرئيس الشرع: ندرك أن التحديات جسيمة وإعادة البناء ليست مجرد مسألة ميزانيات وإسمنت فحسب، إنها إعادة بناء الثقة ومواجهة للآثار النفسية العميقة، وضمان بألا يحكم السوريون مجددا بالخوف أو الصمت، فلا مكان مستقبلا للفتن الطائفية ولا للسماح بانتهاك سيادتنا من أطراف خارجية، ومستقبل سوريا لن يصاغ في الغرف المغلقة أو يفرض من عواصم بعيدة، بل سيبنى في العلن بأيدي المعلمين العائدين إلى صفوفهم، والمزارعين الذين يفلحون الأرض من جديد، والصحفيين والقضاة والشباب الذين يناقشون ويعبرون عن آرائهم بحرية وشفافية.
وأضاف الرئيس الشرع: العقوبات بالنسبة لسوريا مرتبطة ارتباطا وثيقا بالاتحاد الأوروبي، وسوريا ليست على هامش الخريطة اليوم، والاستقرار الأمني مرتبط بالنمو الاقتصادي، وهذه التحديات تعوقها العقوبات، وتحدثت مطولا مع الرئيس ماكرون، وشرحنا تداعيات استمرار العقوبات على سوريا، والتي فرضت على النظام السابق، وبعد زواله يجب أن تزول معه، وليس هناك أي مبرر لبقائها، لأنها ستكون عقوبات على الشعب وليس على النظام الذي قام بالمجازر، وكان الرئيس ماكرون متفهما جيداً لذلك، وأعتقد أن هناك بشائر جيدة بعد هذا الاجتماع، حيث سيبذل الرئيس ماكرون كل جهوده لرفع العقوبات عن الشعب السوري.
ورداً على سؤال بشأن المقاتلين الأجانب، قال الرئيس الشرع: هناك من جاء إلى سوريا لمساعدة السوريين في محاربة النظام المجرم أثناء الثورة المباركة، وظلوا إلى جانبنا حتى وصلنا إلى التحرير، وأكدنا لجميع الدول التزام هؤلاء المقاتلين بالقانون السوري، وبأنهم لن يشكلوا تهديدا لأي دولة، أما فيما يتعلق بحصولهم على الجنسية السورية، فإن من يحدد ذلك هو الدستور بعد صياغته.
وبخصوص أحداث الساحل، أكد الرئيس الشرع أن من قام بها مجموعة من فلول النظام البائد، تسببوا بالمقتلة التي حصلت، وقال: شكلنا لجنتين إحداهما للحفاظ على السلم الأهلي ولإجراء جلسات للمصالحة بين الناس، والثانية لتقصي الحقائق تضم نخبة من الخبراء القانونيين والمحققين، وحددنا لها مدة شهر لإنجاز عملها، لكنها طلبت التمديد لستة أشهر، ووافقنا على ثلاثة أشهر غير قابلة للتمديد، ويجب أن تقدم تقريرها إلى الدولة في الموعد المحدد.
وأضاف الرئيس الشرع: الدولة ملتزمة بمحاسبة ومعاقبة كل من قام بقتل مدني أو الاعتداء على أملاك الناس أو على دمائهم أو على أرواحهم وفق القانون، كائنا من يكون، سواء كان من الجهات المنتسبة للدولة أو من غير المنتسبين للدولة، أو حتى من فلول النظام الساقط، فالدولة تتحمل مسؤوليتها أمام كل ما يجري في سوريا الآن، لكن بعد إجراء التحقيقات المناسبة، وتحديد من المتسبب ومن المسؤول عن هذه الأعمال.
وعن دور سوريا في مكافحة الإرهاب، أكد الرئيس الشرع تضامن سوريا مع كل ضحية سقطت من خلال العبث الإرهابي، وخاصة أنها أكثر من تعرض للإرهاب من خلال ممارسات النظام المجرم، عبر القصف بالبراميل والسلاح الكيميائي ما اضطر الكثير من السوريين إلى ركوب البحر حيث غرقت أعداد كبيرة، في طريقهم إلى أوروبا هربا من هذا الإرهاب.
وقال الرئيس الشرع: ليس لنا أي علاقة ولا نؤيد أي عمل إجرامي في أوروبا أو في غيرها، وهدفنا كان النظام المجرم ومارسنا أعمالنا القتالية لتحرير سوريا بكل شرف وأمانة، وغلبنا حالة العفو والمسامحة، وأصبح الشعب السوري كله آمنا، وأنقذنا المنطقة من إرهاب كان يجثم على صدور السوريين والمنطقة، ووصل إلى أوروبا ومن ضمنها فرنسا.
وفيما يتعلق بما تداوله الإعلام حول مفاوضات مع إسرائيل، قال الرئيس الشرع: هناك مفاوضات غير مباشرة تجري عبر وسطاء لتهدئة الأوضاع ومحاولة امتصاصها، حتى لا تصل الأمور إلى حد يفقد فيه الطرفان السيطرة، فالتدخلات الإسرائيلية عشوائية وتخرق اتفاق عام 1974، والإدارة السورية الجديدة أكدت لكل الجهات المعنية الالتزام بهذا الاتفاق، وأنه على قوات الاندوف العودة إلى الخط الفاصل، حيث زارت قيادة هذه القوات دمشق مرات عدة، ونحن نحاول أن نتواصل مع كل الدول التي لديها اتصال مع الجانب الإسرائيلي للضغط عليه، للتوقف عن التدخل في الشأن السوري، واختراق أجواء سوريا وقصف أراضيها.
من جانبه قال الرئيس الفرنسي: إن 14 عاما من وحشية نظام الأسد دمرت سوريا، وسقوطه لاقى ارتياحا لدى الجميع، وتطرقنا خلال المباحثات إلى الانتقال السلمي، والتأكيد على وحدة الأرض السورية، والمساواة في الحقوق بين جميع مكونات الشعب السوري، مشيرا إلى أن سوريا تمر الآن بمرحلة جديدة، وتشهد أحداثا خاصة في مناطق الأقليات، ما يستوجب على السوريين أن يتحدوا لتحقيق السلام والاستقرار والوصول إلى كل طموحاتهم.
وأوضح ماكرون أن سوريا تواجه صعوبات كبيرة وعلى المجتمع الدولي التعاون معها للتغلب على هذه الصعوبات، وفرنسا مستمرة بدعم الشعب السوري وحماية مصالحها الأمنية والاقتصادية، لافتا إلى أن بلاده ستساعد سوريا من أجل عدم تجديد العقوبات الأوروبية ورفعها تدريجيا، لأن استقرار سوريا ووحدتها مهمان جدا لأمن فرنسا وأوروبا، داعيا الإدارة الأمريكية إلى رفع عقوباتها عن سوريا، لأن ذلك سيسهم بإعادة الإعمار وتسهيل عودة اللاجئين.
وقال ماكرون: نحيي الخطوات التي قام بها الرئيس الشرع للاتفاق مع قوات سوريا الديمقراطية وضمان السلم الأهلي، وأبدينا استعداد فرنسا للتعاون في جميع المجالات ومنها محاربة داعش لما فيه مصلحة البلدين، وأكد الرئيس الشرع إصراره وحرصه على محاربة كل المجموعات الإرهابية التي تهدد سوريا ودول الجوار وهذا مهم جدا، كما تطرقنا إلى جهود سوريا في التخلص من الأسلحة الكيميائية التي خلفها نظام الأسد، ومن تجارة وصناعة الكبتاغون التي مول بها اقتصاده.
وأكد الرئيس الفرنسي أن اعتداءات إسرائيل على الأراضي السورية ممارسة سيئة وانتهاك لسيادة ووحدة سوريا، وقال: أتمنى أن يكون هناك حوار مع إسرائيل فيما يخص الأمن، لأن المنهجية التي تتبعها في هذا الشأن مرفوضة، ويجب اتباع منهجية جديدة قائمة على التعاون المتزايد، ونتحدث هنا عن عملية انفتاح فيما يخص المفاوضات، فسوريا دولة مهمة جدا لاستقرار المنطقة.
وأشار ماكرون إلى أنه بعد حرب دموية في سوريا حان الوقت لإصلاح الأوضاع فيها، وقال: أرى قائدا موجودا في مكانه، قضى على نظام متوحش كافحناه مع السوريين، وهو مستعد للعمل من أجل بناء دولة تكون سيدة قرارها، لا تتبع إيران ولا غيرها ولا تدعم حزب الله اللبناني، والخطوات الأولى أدت إلى نتائج واضحة من خلال العمل على محاربة الحزب على الحدود مع سوريا، ومنع إعادة تسليحه، معربا عن أمله بأن تكون الأعوام القادمة أفضل بكثير من الأعوام السابقة من أجل مستقبل سوريا وفرنسا.