هذه هي الرواية الثالثة للأديبة خديجة بدور بعد روايتها « عودة السنونو » و « لعنة حلم» ولعلنا نبدأ تعريفنا بالرواية من خلال عنوانها « دماء على قامات من نور » فالعنوان , هذا , يشير الى «الشهداء والشهادة » والتضحيات العظيمة التي قدمها السوريون في تصديهم وصمودهم الأسطوري بوجه المؤامرة الكونية الكبرى التي دعمت ولا تزال تدعم العصابات الإرهابية التي صنعتها وصدرتها أمريكا لأرض سورية الطيبة .
هذه المؤامرة الكونية أسقطها صمود الشعب والجيش والقوى الحليفة. وتأتي مقدمة الأديب الدكتور حسن حميد للرواية قيمة كبيرة مضافة لها , إذ بفضل هذه المقدمة يصبح لدينا تصور عام وشامل عن الرواية وفكرتها وأسلوبها , كقيمة مضافة للرواية السورية. يقول الدكتور حسن حميد « خديجة بدور تتقفى دروب الجدة شهرزاد , فتحكي حكاية المجتمع , وتسأل أسئلة أهله , في زمن الحرب التي طالت بأذياتها كل معنى , ومكان , وقيمة , وتاريخ وأمنية وحلم ولم تقل حكايتها أو بعضاً منها إلا بما يسند الحكاية .
التأثير أو الأذى الذي ألحقته هذه الحرب يبدو واضحاً على البنية الأساسية للمجتمع أي الأسرة فأسرة الراوية « منيرة « المكونة من الزوج ( جبر ) والزوجة (منيرة – الراوية ) وابنين هما « حسن « و « حسين « فلقد أطاحت الحرب بالأمن والأمان الذي يعيشه السوريون , وعملت على خلخلة النسيج الاجتماعي السوري من خلال القتل والخطف والتدمير في المناطق التي دخلها الإرهابيون وأكثرهم جاء من البلدان الأخرى , والهدف الذي أراده مشغلو هؤلاء هو تدمير سورية وتفتيتها الى دويلات تحكمها عصابات ارهابية ترتبط بأمريكا والكيان الصهيوني وبهذا يكسر محور المقاومة ومركزه سورية، غير أن هذا الهدف لم يتحقق بفضل الصمود العظيم للجيش العربي السوري وشعب سورية وحلفائها والدليل واضح في تطهير معظم الأرض السورية من رجس الارهاب وعودة الأمن والأمان إليها .
غير أن الهدف الأخر الخبيث الذي يتماهى مع الهدف الأساس للمؤامرة كان « إلغاء الانتماء « .. انتماء السوري الى أرضه سورية والى وطنه العربي وهذا الهدف لم يتحقق شيء منه .
وما حققته المؤامرة هو هذا الدمار الكبير الذي حل بسورية وهذا الدمار المادي يمكن تعويضه . وكان عدد الشهداء كبيراً جداً وهذه التضحيات – المعجزة هي التي أجهضت المؤامرة .
إن المقومات الفكرية والأخلاقية وقيم الأخوة ساهمت في الصمود وكسر المؤامرة .
لقد تماهت حياة الأسرة السورية ممثلة بأسرة الراوية « منيرة » في حياة الوطن فحتى تلك الأسر التي قدمت شهيداً أو أكثر تفخر بذلك إذ «لولا الشهداء لما بقيت سورية» العبارة التي يرددها الناس بعفوية .
تقول منيرة ص44 « لايسعني سوى أن أنحني لكل شريف في بلدي , ولكل دمعة أم سورية ولكل زوجة أبية سكبت دمعها في يوم استشهاد ابنها وزوجها وأخيها دفاعاً عن هذا التراب المقدس ».
وفي الرواية ثمة أسر ارستقراطية لها حياتها الخاصة , فهي ترفل بالنعيم ولعل ما جاء في فصل « صبحية نسوان « عن اهتمامات هذه الشريحة من الناس تشي بأن اهتماماتها الوطنية يشوبها الضعف , فالبعض ممن يمتلك الثروات والأموال يترك البلد عند أول عاصفة و نسبة هؤلاء ضئيلة جداً .
ثمة فصول تمهد للحدث الأساس في الرواية فالمؤامرة على سورية حلقة من حلقات المؤامرة على البلدان العربية ولو أن أهمية وخطورة العدوان على سورية تفوق غيرها لأسباب كثيرة سياسية واستراتيجية لأن سورية تقود محور المقاومة فقد انهار نظام زين العابدين بن علي في تونس بعد شهر من اندلاع الأحداث وحرق البوعزيزي لنفسه .. وانهار نظام حسني مبارك بعد ثمانية عشر يوماً من المظاهرات ..!! وثمة حقائق مدهشة تتعلق بالتاريخ فكأن التاريخ يعيد نفسه. ففي الحادي عشر من أكتوبر عام 1911 احتل الايطاليون ليبيا وفي الحادي عشر من أكتوبر عام ألفين وأحد عشر نزلت سفن الناتو الى الشواطئ الليبية وقطفوا رأس القذافي , فهل هي المصادفة وحدها أن تتزامن ذكرى الاحتلال الايطالي مع عدوان الناتو ومقتل القذافي ؟!
ولأن للمكان في الراوية حضوراً طاغياً فإن ( حمص ) المدينة التي تجري فيها أحداث الرواية هي صورة الوطن حيث الأهل والناس والأقارب ومسقط رأس الراوية ومنزلها وعملها …
فكل هذه المفردات , في أثناء الحرب, لها حضورها في النفس والأحاسيس والمشاعر ويبدو المكان ( حمص ) منتصراً في نهاية المطاف وكل ما فيه ومن فيه يرفع بيارق الانتصار لأنهم أرادوا حمص وكراً لهم , فدفعت المدينة مثل كل المدن السورية ثمن الانتصار والكرامة وكنست الإرهابيين فهي رمز للنسيج الوطني القوي وللمحبة والتسامح والوطنية .
يصاب حسين ابن الراوية لأنه التحق بفصائل الدفاع الوطني لمقاومة الإرهابيين ويترك حسن دراسته العليا ليلتحق بخدمة العلم الإلزامية … الواجب الأهم من أجل حماية الوطن من العصابات الإرهابية التكفيرية .
وثمة أحزان تتسع أحياناً وتضيق أحياناً أخرى لكنه الحزن المقدس الممزوج بالفخر عند تشييع الشهداء فثمة أسرة جارة للراوية يستشهد الأب وابنه في وقت واحد وتبقى الزوجة وحيدة .. فالإرهاب نشر اليتم والذعروالخوف … وهذا يحتاج الى وقت لبناء النفوس لاسيما نفوس الأطفال الذين فتحوا أعينهم على القتل والدمار . ثمة فكرة تطرحها الكاتبة خديجة بدور وهي أن الجيل الشاب الذي انتصر على الإرهاب بما يمتلك من فكر وقيم وطنية وقومية يعني أن سورية قوية ومنتصرة دائماً. ولعلي قبل أن أختم هذا الحديث عن رواية « دماء .. على قامات من نور» أقول إن ثمة مقاطع في الرواية جاءت بصيغة الخطاب المباشر ما أفقد السرد بعض المتعة والإقناع . فالسرد في النصف الأول من الرواية كان ممتعاً وقوياً .. على العكس منه في النصف الثاني منها .
وأختم بما قاله الأديب الدكتور حسن حميد في المقدمة من أن هذه الرواية ( في مآلها الأخير هي إضافة جادة لمدونة السرد السورية وعلامة من علاماتها , وهي مرآة صادقة لمخاوف الناس وأحلامهم في زمن الحرب .. العبوس , وهي جهر وطني بأن لاخلاص من شرور الحرب إلا بالانتصار عليها وتبديد صورتها ومحوها .
عيسى اسماعيل