لم أكن أصدق ماسمعت عنه حتى رأيت ذلك بنفسي .. لم يكن يتحدث مع زوجته ولابكلمة ولم يوجه لها أي سؤال منذ أن تزوجا، وإن أراد منها شيئاً خاطبها بلغة الإشارة …
بعد إنجاب الأولاد أصبحوا هم صلة الوصل بين الأبوين ، وحتى الآن لايعلم أحد عن سبب هذا الصمت من جهة والدهم والذي تأقلمت معه أمهم فهي لاتريد أن تخرب بيتها بيدها ، وإن أراد هو فليفعل .
مما لاشك فيه أن الحوار هو أسلوب تواصل مع الآخرين ، ومن خلاله وعبر قناة اللغة يتم تبادل الآراء وتوصيل المشاعر والأحاسيس ونقل الأفكار وتلبية حاجات اجتماعية ونفسية لدى المرء ، ناهيك عن قدرته على إذابة الجليد وكسر الحواجز واختراق القلوب والعقول ، وبالمقابل الصمت عامل سيئ ينخر في أساس العلاقة الزوجية فيخربها وفي أسوأ الأحوال يدمرها .
كثيراً مانسمع عبارات شكوى من النساء حول صمت أزواجهن وإنغلاقهم ضمن قواقعهم الخاصة وانشغالهم الدائم بأمورهم الخاصة والعامة ، والخاسرة الزوجة والأولاد والزوج أيضاً لأن التفاعل ضمن الأسرة بشكل إيجابي يختلف كثيراً عن عدمه .
زوجي نقيضي تماماً
تقول السيدة دلال – ربة منزل : أشعر بالملل ، وأحس بالوحدة فزوجي دائماً صامت وفي معظم الأحيان يكتفي بمبادلتي بعض الكلمات الضرورية .. إنه لايكف -عندما يكون بالمنزل – عن مشاهدة التلفاز وتصفح المواقع الالكترونية …
أشعر بأن الصمت شكل حاجزاً بيننا وأحياناً أحس بأنه غريب عني ، وتضيف : منذ تزوجنا وهو صامت وما يثير استغرابي أنه اجتماعي مع الآخرين ولايكف عن الثرثرة والضحك في جلساته مع العائلة أوالأصدقاء ، وهذا يوحي لي أنه صامت ضيقاً مني وفكرت كثيراً أن أكاشفه بالأمر وأن أطلب الانفصال عنه إذا كان هذا الصمت يخفي وراءه عدم محبته لي فقد تزوجنا زواجاً تقليدياً وشعرت بعدم رضاه الذي أدى إلى هروبه الدائم إما بالخروج من المنزل أو باعتصامه بالصمت .
تعليمي لم يحل مشكلتي
السيدة ميساء -موظفة قالت : بالرغم من أنني خريجة جامعية كزوجي وأستطيع الخوض في غمار العديد من الموضوعات الاجتماعية والثقافية لكنه ينزوي بصمته ويفضل ألايطول النقاش لأن ذلك سيبرز أنني ند له ، وهذا ربما يضايقه كرجل شرقي تعود على أن يكون متميزاً على المرأة حتى لو كانت مثقفة .
المرأة تتحمل الكثير من الأعباء في المنزل وفي علاقتها مع الأولاد ، والمرأة العاملة تعاني من مشاكل العمل لذلك لابد من تبادل الأحاديث حول المشاكل والهموم ، ولكن للأسف زوجي لايجيد الإصغاء ولذلك يسود الصمت .
مابين الخطوبة والزواج
تتحدث السيدة ربا عن فترة الخطوبة فتقول : في تلك الفترة وحتى في بداية زواجنا لم يكن يكف عن الحديث حول المستقبل والبيت والأولاد والأحلام الوردية التي سيحققها لي وبعد مضي سنوات على زواجنا لم يعد يحدثني إلا كلمات قليلة ومكررة تعبر عن إحساسه بالروتين .
وفي الإطار نفسه تقول السيدة مرام : مشكلتي تنحصر في عقدة التفوق والإحساس بالعظمة الموجودة عند زوجي ، وشخصيتي عكس شخصيته فأنا اجتماعية بطبعي وأحب المزاح والضحك ولكن يقابلني دائماً بالإهمال وعدم الاكتراث لمشاعري .
صعوبات الحياة والصمت بين الزوجين
يبدو أن الرجال وجدوا أسباب المشكلة والتي من أهمها المنغصات التي يتعرضون لها خلال حياتهم الزوجية إن كان من الأسرة أو من المحيط الخارجي والذي ترتد انعكاساته داخل الأسرة …
السيد عماد يقول : أعتقد أن للصمت وظيفة وهي إخفاء سلبيات الطرفين في الحياة ، لقد مررت بهذه الحالة من أجل أن أخفي بعض عثراتي وأن أظهر أمام زوجتي وكأنني دون أخطاء ولكن ذلك لم يطل كثيراً بعدما أدركت أن للصمت سلبيات على الأسرة ومصيرها تتجاوز عثراتي البسيطة .
السيد يوسف يحمل رأياً مختلفاً عن سابقه ويوضحه قائلاً : لاشك أن الحياة اليومية تحمل الكثير من المتاعب والهموم للزوج والزوجة مما يؤدي تدريجياً إلى غياب لغة الكلام بينهما وصولاً إلى الصمت ، وأحياناً يكون الصمت وسيلة لتجنب بعض الإشكاليات التي تراكمها الحياة الأسرية .
أما السيد كمال فيرى أن للصمت أسباباً مختلفة فهناك من يشعر بجفاف أصاب علاقته العاطفية مع زوجته بعد عدة سنوات من الزواج بسبب عدم اهتمامها به كما كانت في بداية الزواج بسبب الأطفال ومسؤوليات المنزل وهناك صمت يفكر فيه الزوج ببعض المشاكل والعقبات التي صادفته في عمله أو مع أصدقائه ولايريد أن يشغل زوجته بها فينأى عنها دون أن يحملها عبء سماع مشاكل لاتهمها .
ويتفق مع هذا الرأي السيد إلياس الذي يرى الصمت بين الزوجين من أخطر المشاكل التي تواجه الزوجين والأسرة بكل أفرادها فالأولاد يتأثرون بذلك أيضاً وقد رأى الكثير من الأسر تستخدم أولادها كمرسال بين الزوجين وخاصة في حالة الخصومة وعدم الكلام .
السيد خليل يعزو الصمت بين الزوجين إلى غياب المشاركة في المنزل فيتصرف الزوج دون مراعاة وجود الزوجة وتتصرف هي دون مراعاة وجود الزوج مما يؤدي إلى ظهور الصمت كحاجز بين الطرفين يساهم بشكل آني في فض الاشتباك إلا أنه سرعان مايتتطاول هذا الحاجز وينمو ويوصل الأسرة إلى نهايات غير سعيدة وأحياناً مأساوية .
تكامل الدور يطرد شبح الصمت
ولأصحاب الاختصاص في المجالات الاجتماعية والنفسية رأي ، وقد يضيفون معلومات جديدة تساهم في الإحاطة بهذه الظاهرة.
السيد زهير- ارشاد نفسي قال : بشكل عام يعتبر التلفاز هو المسبب الأول للصمت ففي ظل تكاثر القنوات الفضائية التي لاتمل الحديث ، وفي ظل انشغال الأسر بالمشاهدة لساعات متواصلة فإن لغة الحوار بين أفراد الأسرة ستخبو لصالح «الفرجة » ومتابعة المسلسلات والأخبار ،أما بشكل خاص فإن أكثر مايجعل الصمت مهيمناً بين الزوجين هو عدم التوافق في تفكيرهما لفترتي الخطوبة والزواج فالكثيرون منهم يتعاملون مع الزواج وكأنهم في فترة الخطوبة دون الأخذ بعين الاعتبار المسؤوليات الجديدة الناشئة ، وعند الاستمرار في ذات التعامل فإنهم سيفاجئون بالصعوبات الحقيقية ، وسينكشف الزوجان أمام بعضهما البعض بما يحملانه من سلبيات وايجابيات مما يؤدي في بعض الأحيان إلى تباعدهما بسبب الصدمة التي أحدثها ذلك الانكشاف ، لكن في هذه الحالة يجب على الزوجين فتح حوار فيما بينهما حول الحياة الزوجية ومتطلباتها ودورهما الإيجابي المتكامل في هذه الحياة وهو ما يساهم في طرد شبح الصمت عن الأسرة .
أخطر مافي الصمت عند تراكمه مع مرور الأيام تحوله إلى طلاق غير رسمي أو مايسمى بالطلاق النفسي حيث ينعكس بصورة سلبية على الزوج والزوجة ويؤثر على الأطفال مما يؤدي بمصير الأسرة إلى التفكك ، ويبدو أن أفضل طريق للابتعاد عن كل ذلك هو المصارحة والمشاركة في المسائل الصغيرة والكبيرة وبذلك نحفظ الأسرة من ذاك القناع الذي سيحول صاحبه إلى مجهول بالنسبة للآخر .
منار الناعمة