الرئيس الشرع: سوريا ستكون في مراتب اقتصادية متوازنة على المستوى الإقليمي والدولي

أكد الرئيس أحمد الشرع أن سوريا ستكون في مراتب اقتصادية متوازنة على المستوى الإقليمي والدولي، وستكون في مصافّ الدول الكبرى اقتصادياً خلال عدة سنوات.

جاء ذلك خلال جلسة حوارية استثنائية ضمن أعمال مؤتمر مبادرة مستقبل الاستثمار 2025 في العاصمة السعودية الرياض، بحضور ولي العهد في المملكة العربية السعودية الأمير محمد بن سلمان آل سعود وعدد من رؤساء الدول والوزراء وممثلي حكومات وشركات كبرى وصناديق استثمارية عالمية.

واستعرض الرئيس الشرع خلال الجلسة رؤية سوريا لمرحلة التعافي الاقتصادي، والفرص الواسعة المتاحة للاستثمار، ولا سيّما في مجال إعادة الإعمار، مؤكداً انفتاح سوريا على الشراكات الدولية ودعوتها المستثمرين العالميين للمساهمة في مسيرة التنمية، في ضوء التعديلات الأخيرة على قانون الاستثمار بما يحقق التوازن بين مصلحة المستثمر والدولة السورية.

وأكد الرئيس الشرع أن سوريا تشهد انطلاقة جديدة نحو الانفتاح والاستثمار بفضل دعم شركائها الإقليميين والدوليين وشراكاتها المتنامية، مشيراً إلى أن رؤية المملكة العربية السعودية 2030 التي يقودها ولي العهد الأمير محمد بن سلمان جعلت من المملكة بوصلة اقتصادية وقبلة للمستثمرين في المنطقة، لما تمثله من نموذج ناجح في الإصلاح والتحديث والتنمية المستدامة.

وقال الرئيس الشرع: إن اللقاء الخارجي الأول كان زيارة المملكة العربية السعودية لأننا ندرك الأهمية المحورية التي تمثلها المملكة في استقرار المنطقة وتنميتها، مؤكداً أن الأمن والاستقرار مرتبطان بالتنمية الاقتصادية، والتنمية الاقتصادية مرتبطة بالأمن والاستقرار، وهذا ما تمثله في هذا الوقت المملكة العربية السعودية كحالة رائدة في المنطقة.

سوريا ركيزة الاستقرار الإقليمي

وأوضح الرئيس الشرع أن سوريا تشكل ركناً أساسياً في استقرار المنطقة، وأن التجربة أثبتت أن غياب الاستقرار في سوريا انعكس سلباً على الأمن الإقليمي والدولي، وقال: إن “فشل سوريا جرّبه العالم على مدى 14 عاماً، كما جرّبها خلال الـ 60 سنة الماضية، أن تكون سوريا بلداً مضطرباً ومصدراً للأزمات والهجرة والكبتاغون، حتى أصبحت أكبر مصدر للكبتاغون في العالم رغم أنها بلد الحضارات والتاريخ”.

وأشار الرئيس الشرع إلى أن ذلك ولّد مخاطر استراتيجية على مستوى المنطقة وأصبحت البلاد موطئ قدم لبعض السياسات الطامحة لإثارة القلاقل، واليوم آن الأوان لتجرب سوريا النجاح، عبر الاستثمار والانفتاح وبناء علاقات إقليمية متوازنة قائمة على المصالح المشتركة.

انطلاقة جديدة وانفتاح متسارع
وبيّن الرئيس الشرع أن سوريا بدأت مرحلة جديدة من الانفتاح والتعاون الدولي، وخلال عشرة أشهر فقط استعادت موقعها الإقليمي والعالمي بفضل جهود دبلوماسية مكثفة ودعم من الدول الشقيقة والصديقة وعلى رأسها المملكة العربية السعودية.

وقال الرئيس الشرع: “العالم اليوم سيستفيد من سوريا كممر تجاري حيوي بين الشرق والغرب، وخاصة في ظل التحديات التي تواجه سلاسل التوريد والطاقة عالمياً، كما يعاني من

إمدادات سلاسل الغاز وبالأخص إلى أوروبا وهذا الأمر ممكن أن يتوفر في سوريا بشكل كبير جداً”.

ولفت الرئيس الشرع إلى أن دمشق تمثل أهمية كبرى كموقع استراتيجي مهم في المنطقة كونها بوابة الشرق عبر التاريخ وهي طريق الحرير المتعارف عليه تاريخياً، وفيها موارد بشرية واقتصاد متنوع، لذلك كانت مطمعاً لكثير من الإمبراطوريات الكبرى في العالم عبر التاريخ.

استثمارات متنامية وقوانين جاذبة
وكشف الرئيس الشرع أن الاستثمارات التي دخلت سوريا خلال الأشهر العشرة الماضية بلغت نحو 28 مليار دولار، مؤكداً أن القوانين الاستثمارية الجديدة جعلت من سوريا وجهة واعدة للمستثمرين.

وأوضح الرئيس السوري أن النظام البائد كان طارداً للاستثمارات الأجنبية ومزاحماً للاستثمارات المحلية، بينما قانون الاستثمار الجديد هو من أفضل عشرة قوانين في العالم بشهادة خبراء اقتصاديين ووزارات متخصصة، منها وزارة الاستثمار في المملكة العربية السعودية، مشيراً إلى أن التحدي القادم هو حسن تطبيق هذه القوانين وتوفير بيئة عمل آمنة ومشجعة.

وأشار الرئيس الشرع إلى أن حماية المستثمر تشكل ركيزة في السياسة الاقتصادية السورية، من خلال قوانين تحمي رأس المال المحلي والأجنبي وتضمن التحكيم الدولي في حال النزاعات، مضيفاً: إن الفرص الاستثمارية الكبيرة في سوريا تقلل من المخاطر وتزيد من سرعة العائد.

سوريا غنية بالفرص الاستثمارية
وشدد الرئيس الشرع على أن سوريا غنية بالفرص الاستثمارية واختارت طريق الاستثمار والإنتاج بدلاً من المعونات، مضيفاً: “اخترنا أن نعيد الإعمار من خلال الاستثمار لأن ذلك يحقق مكاسب متبادلة لجميع الأطراف، ويفتح مجالات واسعة للتعاون الاقتصادي”.

وأشار الرئيس الشرع إلى أن القطاع العقاري في سوريا يشكل فرصة استثمارية كبيرة نظراً لحجم الدمار الذي خلفته الحرب، موضحاً أن “الطلب الكبير على العقار جعل الأسعار تنافس بعض الأسواق العالمية”، كما لفت إلى أن سوريا بلد زراعي وسياحي بامتياز، فيها تنوع جغرافي ومناخي غني، وتملك القدرة على تحقيق فائض غذائي كبير، فضلاً عن موقعها الجغرافي الاستراتيجي وموارد نفطية وغازية واعدة في البر والبحر.

مشاريع سعودية وقطرية كبرى في سوريا
ولفت الرئيس الشرع إلى دخول شركات كبرى من السعودية في مشاريع استثمارية داخل سوريا، بقيمة إجمالية تجاوزت سبعة مليارات دولار حتى الآن، إضافة إلى شركات قطرية كبرى بدأت الاستثمار في مطار دمشق وفي إنتاج الطاقة بخمسة آلاف ميغا، وهناك استثمارات فرعية كثيرة فندقية وطرقية وعقارية ومدن سكانية جديدة، وتطوير البنى التحتية، إضافة إلى أن دولاً إقليمية بدأت في الاستثمار الفعلي، فضلاً عن شراكات مع شركات أمريكية وإقليمية.

وأوضح الرئيس الشرع أن التجربة التنموية السعودية تمثل نموذجاً يحتذى به، مشيراً إلى أن “رؤية 2030” التي يقودها ولي العهد الأمير محمد بن سلمان تتجاوز حدود المملكة لتشكل رؤية للمنطقة بأكملها، وقال: “عندما توجهنا في الرحلة الأولى إلى المملكة العربية السعودية عرفنا المفتاح، فالسعودية بلد ذاهب إلى ازدهار واستقرار وتنمية واسعة وهذه تجربة أصبحت فريدة في المنطقة، ونحن نؤمن أن التكامل بين سوريا والدول العربية الناجحة مثل السعودية وقطر والإمارات وتركيا ومصر والعراق سيؤسس لدورة اقتصادية عربية متكاملة”.

الشعب السوري… رهان المستقبل
ورداً على سؤال حول مقومات النهوض الاقتصادي السوري، قال الرئيس الشرع: “رهاني على الشعب السوري، الذي عانى معاناة مريرة وقُتل آلاف المرات خلال الـ 14 سنة الماضية، وطرقت الحرب باب كل بيت سوري، وبالتالي حري بهذا الشعب الذي صبر وثبت على مبادئه ومواقفه ثم انتصر، واستطاع أن ينتصر من اللاشيء، أن يعيد بناء سوريا أيضاً من اللاشيء”.

وتابع الرئيس الشرع: إنه في إدلب تلك المنطقة الصغيرة المحاصرة تمكنا من بناء بيئة اقتصادية متواضعة رغم انعدام الموارد لأن العزيمة والإرادة أقوى من الظروف”، مشيراً إلى أن “المعونات تخلق الكسل، أما العمل والاستثمار فيصنعان ثقافة البناء”.

وأكد الرئيس الشرع أن رأس المال الحقيقي لأي بلد هو موارده البشرية، وقال: “لو امتلكت ثروة بلا عقول منتجة ستُهدر، أما إن امتلكت عقولاً قادرة على الإنتاج فستصنع الثروة”، مضيفاً: إن”سوريا تمتلك قاعدة بشرية مؤهلة ومدربة وموارد طبيعية متنوعة، ما يجعلها قادرة على بناء اقتصاد تنموي مستدام دون الحاجة إلى المعونات، لذلك نعتمد على مساعدة بعضنا من خلال الاستثمار وأن يخرج الكل منتصراً، كما لا أريد لسوريا أن تكون عبئاً على أحد بل أريد أن تبني نفسها بنفسها”.

ثقة بالمستقبل وإرادة لا تنكسر
واختتم الرئيس حديثه بالقول: “قضيت نصف عمري وسخرت حياتي وروحي وكل من معي لإنقاذ الشعب السوري من الظلم الذي وقع عليه، وأعتقد أنني مستعد أيضاً لتقديم ما تبقى من عمري حتى أرى سوريا ناهضة قوية”.

وأوضح الرئيس الشرع أن سوريا اليوم تبني نفسها بنفسها، وستعود إلى موقعها الطبيعي كقوة اقتصادية إقليمية، وقال: “علينا أن نعيد أبناءنا في الخارج ليشاركوا في بناء الوطن، فالمستقبل واعد، وسوريا قادرة على تحقيق نهضتها بأقصر وقت، وستكون في مراتب اقتصادية متوازنة على المستوى الإقليمي والدولي وفي مصافّ الدول الكبرى اقتصادياً في غضون بضع سنوات.

يذكر أنه انطلقت في العاصمة السعودية الرياض أمس الأول الإثنين، فعاليات النسخة التاسعة من مؤتمر مبادرة مستقبل الاستثمار، وذلك في مركز الملك عبد العزيز الدولي للمؤتمرات، تحت شعار “مفتاح الازدهار”، والذي يستمر حتى الـ 30 من الشهر الجاري.

ويشارك في المؤتمر قادة أكثر من 20 دولة، من بينهم رؤساء سوريا والعراق وباكستان وموريتانيا وبنغلاديش وكوبا وملك الأردن، إلى جانب نائب الرئيس الصيني، ونحو 8000 مشارك، بينهم 40 وزيراً و600 متحدث يمثلون حكومات وشركات كبرى وصناديق استثمارية عالمية.

ويبحث المؤتمر الذي يقام برعاية الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود، جملة من القضايا الاقتصادية العالمية، من بينها تأثيرات الذكاء الاصطناعي والروبوتات على الإنتاجية، وتكوين الثروة في ظل تزايد عدم المساواة، والآثار الجيواقتصادية لندرة الموارد، إضافة إلى التحولات الديموغرافية التي تعيد تشكيل القوى العاملة المستقبلية، وسبل تحقيق التوازن بين النمو الاقتصادي والاستدامة البيئية.

المزيد...
آخر الأخبار