خلال الأشهر الأخيرة حصل تغيّر جوهري في الطريقة التي يمكن أن يدخل بها المال إلى سوريا ويخرج منها فالولايات المتحدة أنهت البرنامج الشامل السابق للعقوبات، والاتحاد الأوروبي خفّف قيوده، والبنوك بدأت تتعامل مع سوريا مجدداً عبر شبكة سويفت.
في منتصف حزيران المنصرم أُنجز أول تحويل مصرفي مباشر من بنك سوري إلى بنك أوروبي، وهو خبر صغير بحجمه، كبير بمعناه: الخط عاد يرنّ، والباب الرسمي للمال فُتح بعد سنوات من الانقطاع,كلها أخبار تصب في الصالح العام لكنها لا تزال مبهمة بالمفهوم العام.
شبكة آمنة
ولتوضيح عدة مفاهيم التقت العروبة الدكتور محمد خالد الجاسم المتخصص بالشأن الاقتصادي والذي أوضح لنا أن كلمة سويفت تعني: جمعية الاتصالات المالية العالمية بين المصارف (سويفت)، التي تشكل شبكة مراسلة عالمية آمنة تستخدمها المصارف لإرسال واستقبال أوامر الدفع وغيرها من التعليمات المالية، ونظام سويفت ليس مملوكاً لأحد أو لدولة وإنما هو عبارة جمعية شكلتها المصارف ومؤسسات مالية ومقرها في بلجيكا، ومن ثم فإن نظام سويفت ليس مصرفاً، ولا يحتفظ بالمال ولا يقوم بتحويلها، وإنما ينحصر دوره أي دور نظام سويفت بنقل رسائل موحدة بين أعضائه، الذين يشملون أكثر من 11 ألف مؤسسة مالية في أكثر من 200 دولة ويُخصص لكل عضو رمز تعريف مصرفي فريد.
تسهيل تحويل الأموال
يتمثل الغرض الأساسي لنظام سويفت بتوجيه الرسائل بين المتعاملين بشكل صحيح من أجل ضمان معاملات دولية آمنة وفعالة، بمعنى آخر هو نظام مراسلة آمن للمعاملات المالية الدولية.
باختصار نظام سويفت لا يقوم بتحويل الأموال وإنما هو نظام تبليغ رسائل الدفع مثل البريد الالكتروني أو رسائل التلكس لكنه يتميز بأنه ينقل رسائل مشفرة وتم إيقاف التعامل مع سورية في عام 2012 بقرار من الاتحاد الأوربي.
وأضاف :إن رفع العقوبات عن سوريا يمكّنها من العودة إلى نظام سويفت، وهذا يُسهم في تمكين المصارف السورية من دفع قيمة الواردات واستلام قيمة الصادرات بطريقة آمنة، وتخفيض مدة تسوية المعاملات المالية مع الدول الأخرى من أسابيع إلى ساعات أو أيام، وكذلك يُسهم في خفض التكاليف المتمثلة في عمولات التحويل عن طريق مصارف دولة ثالثة كما يساعد نظام سويفت في تمكين الشركات السورية من التعامل مع العالم بشكل مباشر، ومن جانب آخر يشجع المستثمرين على الاستثمار في سوريا لأنه يسهل تحويل الأموال إلى سوريا من جهة، وتحويل أرباح المستثمر إلى بلده الأم وهذا بالتأكيد سوف يؤثر إيجاباً على المواطنين بشكل مباشر من خلال تلقي تحويلات مالية من ذويهم، أو بشكل غير مباشر عن طريق تعزيز البيئة الاستثمارية في سوريا وزيادة معدلات التشغيل وخفض البطالة, بالإضافة إلى ذلك تدفق العملات الأجنبية يُسهم في استقرار قيمة الليرة السورية.
إن عودة سوريا إلى نظام سويفت يساعد في تدفق رؤوس الأموال إلى سوريا لإعادة الإعمار سواء من المغتربين السوريين أو غيرهم من الشركات ورجال الأعمال العرب والأجانب، وتوفير بيئة مالية آمنة، ودعم التصدير والاستيراد وخفض تكاليف تبادل السلع بين سوريا والعالم، وتخفيض تكاليف المعاملات الدولية.
ليست عصا سحرية
من جانب آخر أوضح الجاسم أن هناك جانباً يتوجب التنويه إليه أن رفع العقوبات وحده غير كافٍ وليس ضامناً لعودة سريعة إلى نظام سويفت، لأنه كما تمت الإشارة أعلاه فنظام سويفت هو عبارة عن جمعية من المصارف في دول مختلفة (حوالي 200 دولة) فهو لا يخضع لدولة واحدة أو الأمم المتحدة، لذلك لابد من وجود توافق دولي لعودة سوريا لنظام سويفت.
ومن متطلبات العودة إلى نظام سويفت امتثال المصارف السورية للمعايير الدولية ومكافحة غسيل الأموال، ووجود بنية رقمية متطورة وآمنة لحماية النظام المصرفي من القرصنة والاحتيال الالكتروني لضمان ثقة المصارف الدولية بالنظام المصرفي السوري.
هذا الأمر لا يدعو إلى التشاؤم بل إلى بذل الجهود واستثمار الموارد الوطنية المتاحة والموارد البشرية المتوفرة بكفاءة للبدء في الإعمار وبناء الدولة بأيدي أبنائها وفق سياسات اقتصادية ومالية ونقدية متكاملة
أخيراً
الانفتاح السياسي والاقتصادي الذي تشهده سوريا اليوم وفتح آفاق كانت موصدة شرط بنيوي لتدفق الاستثمارات في البنية التحتية والطاقة والعقار فما دام التمويل يمر عبر بنوك مراسلة ويُصرف على دفعات، تصبح شبكة الدفعات الرسمية ضرورةً لا ترفاً، ومع كل عقد كبير ينتقل من مذكرة تفاهم إلى تنفيذ، يمتد الأثر إلى آلاف الشركات المحلية التي تُنفذ الأشغال وتورّد المواد وتوظّف الناس.
الخلاصة أن عودة سوريا إلى (سويفت) يعني عودة الطريق الرسمي للمال, وكلما مرّت عبر هذا الطريق تحويلات وتجارب ناجحة أكثر، زادت شهية البنوك الأجنبية على التعامل، وتراجعت كلفة التجارة والحوالات، واقتربت المشاريع من الورق إلى الواقع.
الفرق بين سنوات العزلة واليوم يمكن تلخيصه بجملة واحدة: لم نعد مضطرّين لاستخدام الدروب الجانبية، فباب الطريق السريع فُتح، والكرة الآن في ملعب المصارف والشركات لاستغلاله بحكمة.
العروبة – هنادي سلامة