بحيرة قطينة كانت ولاتزال موئلاً طبيعياً ومناسباً لتربية الأسماك وتكاثرها من كل الأنواع نظراً لعذوبة مياهها وأهمية موقعها الجغرافي ووجود أعشاب ونباتات مائية فيها تعتمد عليها الأسماك في غذائها دون الحاجة لإضافة أية مادة علفية تستعمل في بعض مزارع الأسماك .
كانت بأعداد كبيرة
و يبلغ طول البحيرة 12 كم وعرضها 6 كم ومخزونها الأعظمي من المياه 200 مليون م3 وتعد من البحيرات الفريدة من نوعها في العالم بسبب تمتعها بميزات عديدة و كانت مياهها قبل وجود المنشآت الصناعية على ضفتها الشرقية صالحة للشرب ولري المزروعات والسباحة ,إضافة إلى أن الأسماك الموجودة فيها كانت تتغذى من محتويات المياه وتتكاثر بشكل طبيعي دون أن تتأثر بأي عامل خارجي , لذلك كانت البحيرة غنية بالأسماك من كافة الأحجام والأنواع حتى أن المصطافين والمتنزهين كانوا يجدون بعض الأسماك راسية على شواطئ البحيرة وعلى ضفاف نهر العاصي حيث تستقر على اليابسة لبعض الوقت ومن ثم تعود إلى المياه أو يلتقطها من مر بالقرب منها وهذا دليل على كثرة أعدادها داخل البحيرة عدا عن ذلك فإن سكان القرى الواقعة على محيط البحيرة من كل الجهات كانوا يستعيضون عن اللحوم بالأسماك ولا يحتاجون لشراء اللحوم البيضاء أو الحمراء إلا ما ندر ويعتمدون على وسائط صيد بسيطة في صيد السمك …. إلا أن إنشاء معامل الأسمدة على ضفتها الشرقية في سبعينيات القرن الماضي و المصنع في الجهة المقابلة لمعامل الأسمدة أدى إلى تدهور وهلاك الثروة السمكية بشكل تدريجي بسبب كمية ونوعية الملوثات السائلة والصلبة التي ترميها تلك المنشآت في مياه البحيرة دون معالجة ,ومع مرور الزمن واستمرار تدفق الملوثات أصبحت مياه البحيرة غير صالحة للشرب والري وتربية الأسماك وحتى للصناعة والدليل على ذلك أن الشركة العامة للأسمدة اضطرت إلى استجرار المياه من أعالي العاصي عبر أنبوب بكمية 500-600 م3 / سا وبكلفة 65 مليون ل. س لأن مياه البحيرة لايمكن معالجتها بسبب ارتفاع نسبة التلوث فيها . لذلك أصبحت الأسماك قليلة وعملية الصيد صارت مضيعة للوقت أو للتسلية بعد أن كانت مهنة حقيقية ومفيدة .
تعديات تهدد وجودها
تعد الثروة السمكية إحدى المكونات الحيّة للبيئة البحرية و تشكل مصدر دخل قومي يمكن أن يحقق الأمن الغذائي لأي بلد في حال تم استغلالها بشكل جيد، ولكن في حمص تحديداً تتعرض هذه الثروة لتعديات خطيرة تمارس من قبل بعض الصيادين المخالفين تهدد المخزون السمكي ما ينعكس سلباً على ديمومة الإنتاج …
وللأسباب الآنفة الذكر كان لابد من تسليط الضوء على بعض المشاكل والأمور التي تهدد الثروة السمكية ،سواء في انخفاض المخزون السمكي،أو استخدام وسائل الصيد غير المشروعة،وحول واقع الثروة السمكية في المياه العذبة التقينا المعنيين بهذه المسألة للإجابة على تساؤلاتنا.
تدهور كبير
يقول وسيم القصيراوي مدير فرع الثروة السمكية في محافظة حمص:عانت بحيرة قطينة في السنوات السابقة من تدهور كبير في مخزونها السمكي وذلك بسبب عمليات الصيد الجائر والمخالف في فترة انتشار العصابات الإرهابية وعدم انصياعها لقانون الأحياء المائية الذي ينص على منع صيد الأسماك في المياه العذبة خلال موسم التكاثر الممتد من 15/3 حتى31/5 بالإضافة إلى التأثير السلبي الكبير لسنوات الجفاف التي مرت ما أثر على المخزون المائي للبحيرة وكان له أثر كبير على واقع الثروة السمكية فيها , وبعد عودة الأمن و الأمان إلى محيط البحيرة تتكاثف الجهود من قبل الجهات المعنية لتحسين الواقع ..
إنعاش للمخزون السمكي
وأوضح قصيراوي أن الهيئة العامة للثروة السمكية قامت بزراعة البحيرة بإصبعيات الكارب المحسنة و المنتجة في مركز أبحاث بالسن ، ونفذ مركز حمص الدوريات اللازمة لحماية البحيرة ومنع الصيد المخالف والصيد بشكل كامل خلال موسم التكاثر مما ساعد على عودة مخزون البحيرة بشكل طردي وخاصة هذا العام ، و لاحظنا معدل تكاثر كبير للأسماك في البحيرة بعد وصول قسم من الإصبعيات المزروعة منذ سنتين إلى مرحلة النضج الجنسي وهو الهدف الأساسي من العملية ككل ..
ويتابع : نفذت الهيئة العامة للثروة السمكية خطتها السنوية هذا العام حيث تمكنت من زراعة البحيرة بـ (90) ألف اصبعية منها : (79) ألف اصبعية كارب عام ، (1000) إصبعية كارب عاشب ، و(10) آلاف اصبعية مشط .
وعن الجدوى الاقتصادية من زراعة الاصبعيات يؤكد القصيراوي : إن الغاية من عملية الاستزراع هي تحسين المخزون السمكي في البحيرات والسدود وتأمين مصدر دخل إضافي لأبناء المجتمع المحلي المحيط بالبحيرة والقرى المجاورة لها من خلال تأمين الغذاء الصحي ورفد الأسواق ، وتقوم الهيئة بعمليات الحماية ضمن البحيرة بهدف الحفاظ على هذه الاصبعيات حتى تصل إلى مرحلة النضج وتبدأ بالتكاثر الطبيعي .
مراقبة مستمرة لمياه السدود
من جهته أوضح مدير مديرية البيئة المهندس طلال العلي أن تراكم التلوث عبر السنوات ولو بنسب قليلة يغير من مواصفات المياه اللازمة لتربية الأسماك وبالتالي الجدوى الاقتصادية الناجمة عنها وتؤثر على إنتاج الثروة السمكية في البحيرة ، وهذا ينطبق على عدد من السدود وخاصة التي تصل إليها مياه الصرف الصحي نتيجة عدم وجود محطات معالجة للمياه الرمادية في عدد من القرى والبلدات ..
و أكد العلي أن المطلوب بيئياً الإسراع في تنفيذ محطات معالجة مياه الصرف الصحي للقرى والوحدات الإدارية بشكل عام لضمان سلامة المياه في السدود التي تتم فيها تربية الأسماك .
وأكد أن السدود بشكل عام تخضع لمراقبة مشددة من قبل مديرية الموارد المائية ويتم أخذ عينات دورية للتأكد من صلاحيتها لتربية الأسماك ..
ممنوعة بشكل كامل
وأشار مدير الموارد المائية المهندس إسماعيل إسماعيل إن أصابع الديناميت ممنوعة منعاً باتاً حتى لو كانت مستثمرة ، ولذلك نقوم بتسيير دوريات عبر سيارات على محيط بحيرة قطينة وفي حال مشاهدة أي مخالفة لقانون التشريع المائي يتم تنظيم الضبط اللازم وإحالة المخالف للقضاء المختص ، مع العلم أن مثل هذه الطرق في الصيد الجائر مخالفة للقانون …
و أضاف : نحن لسنا قادرين على تغطية كامل محيط البحيرة لضعف الإمكانيات من عناصر و آليات , ويتم استثمار السدود عن طريق الهيئة العامة للثروة السمكية ..
و أوضح إسماعيل أنه يوجد عضو فني في اللجنة المشكلة في الهيئة ، حيث يتم تقدير كل مسطح من ناحية التخزين الأعلى والأدنى والنوعية للحياة ، وعلى ضوئه يتم التلزيم بالطرق القانونية وفق نظام العقود ..
و أشار إلى عدم وجود نقاط ثابتة على كامل محيط بحيرة قطينة ، وإنما تتوزع على كامل جسم السد وعلى مدار الـ (24) ساعة..
السعر محدد وفق جدول الأسماك
وعن كيفية ضبط السعر بالنسبة للأسماك وصلاحيتها للاستهلاك البشري يوضح مدير التجارة الداخلية لحماية المستهلك المهندس رامي اليوسف أنه يتم ضبط الأسعار حسب فاتورة خاصة تسمى بجدول الأسماك , ويتم تحديد سعرها وفقاً للفواتير ، ولا تندرج ضمن جدول التسعيرة الشامل ، كما الفروج واللحوم ، وتتم مراقبة الأسواق من خلال دوريات حماية المستهلك والطبيب البيطري …
مؤكداً أنه يتوجب عرض الأسماك ضمن واجهات مبردة أو وضع ثلج عليها ،مشيراً إلى أنه تم مؤخراً ضبط مخالفتين بالنسبة لسمك (الفيليه) المغلف والمجهول المصدر…
أسعار مرتفعة
وكان للعروبة جولة على محال بيع الأسماك، و أشار أحد البائعين إلى أن الأسماك التي تباع هي صيد ذاتي من سدود عين مريزة و سد خليفة وسد الأبرش و من مسامك القطاع العام في بانياس موضحاً أن الهيئة العامة للثروة السمكية تطرح بيع الأسماك للتجار حسب الموسم وخاصة في فصل الشتاء عن طريق تجار السمك الذين بدورهم يوزعونها على المحال الخاصة ..
وتابع بائع آخر أن الاعتماد في حمص يكون بشكل أكبر على السمك النهري، ولذا نأمل من الجهات المعنية أن تقوم بزرع إصبعيات السمك في كل البحيرات و السدود و المسطحات المائية حتى لا نبقى تحت رحمة التاجر..
مؤكداً أن ظروف الحرب كان لها أثر كبير في رفع الأسعار ..حيث يصل سعر كيلو سمك الترويت إلى ألفي ل.س والناصري ألفي ل.س و العشبي يصل إلى سعر 1850 ل.س، وكيلو المشط يتراوح بين 1850 و 2200 ل.س،أما السلور وهو الأكثر مبيعاً نظراً لرخص سعر الكيلو 550 ل.س..
تخفيف الملوثات وليس إزالتها
ولابد هنا من الحديث عن بعض الإجراءات التي اتخذتها الشركة العامة للأسمدة و خففت من تلوث مياه البحيرة – دون التخفيف من نسبة تلوث الهواء بالغازات السامة والخانقة ، بدأت الحياة تعود إلى الثروة السمكية ولو بشكل محدود وأصبح تأثير الملوثات السائلة والصلبة على الأسماك خفيفاً وجدت الجهات المعنية أن الظروف الحياتية في مياه البحيرة أصبحت مناسبة ومهيأة للنهوض بالثروة السمكية والاهتمام بها من جديد ، حيث قام فرع الهيئة العامة للثروة السمكية بالتعاون مع مديرية الزراعة ، بوضع كميات من إصبعيات الأسماك على عدة دفعات وبفترات متباعدة في مياه بحيرة قطينة كي تنمو وتتكاثر وكانت البداية في نهاية الشهر العاشر من عام 2016 حيث تضمنت الخطة زراعة مئة ألف إصبعية على عدة مراحل ، وتلا ذلك زرع عدة دفعات من الإصبعيات وكان آخرها في الشهر قبل الماضي من العام الحالي.
وهذه الاصبعيات في حال تمت المحافظة على وجودها بشكل جيد ، وتوفرت لها فترة راحة وتكاثر كافية ، ستشكل نواة لتأهيل البحيرة في إنتاج الثروة السمكية من جديد . وهذا الأمر يتطلب اتخاذ عدة إجراءات جدية وحازمة كتأمين الحماية اللازمة خلال فترة النمو والتكاثر ، ومنع استعمال أدوات الصيد الجائر كالشباك ذات الفتحات الصغيرة ، ومولدات الكهرباء ، والمواد المتفجرة ، وأيضاً ضرورة التعاون مع أفراد المجتمع المحلي ومشاركتهم في عملية الحماية من خلال إجراء اللقاءات والحوارات معهم ، على اعتبار أن معظم سكان القرى المحيطة بالبحيرة غير معنيين بالأمر ، وهمهم الوحيد صيد السمك مهما كان حجمه ونوعه وفي أي مكان وزمان . وهذا ماحدث حيث قام بعض الصيادين بصيد الإصبعيات بعد فترة قليلة من وضعها في البحيرة وهذا يؤدي إلى تدني وانخفاض إنتاج البحيرة من الأسماك..
أخيراً
لن يفوتنا القول : إن الجهات المعنية بالثروة السمكية مطالبة أكثر من أي وقت مضى في الحفاظ عليها،ووضع الضوابط الكفيلة بحمايتها من الاستغلال المفرط ، بالإضافة إلى ضرورة توعية صيادي السمك والمواطن حول الضرر الناجم عن عمليات الصيد الجائر والمخالف ،وذلك لرفع مستوى وعيهم للحد من الممارسات الخاطئة ، وتكثيف دوريات المراقبة من قبل المعنيين لقمع أية مخالفة،ومصادرة أدوات الصيد المخالفة في سبيل حمايتها ومنعاً من انقراضها..
رهف قمشري – رفعت مثلا