إلغاء عقوبات قيصر..يعزز وحدة الدولة واستعادة دورها السيادي

يمثل إلغاء عقوبات قانون قيصر عن سوريا تحولًا ، بعد سنوات من العزلة والضغط الاقتصادي التي لم تُضعف الدولة فحسب، بل ساهمت أيضًا في تفكيك المشهد الداخلي وتعميق الانقسامات الجغرافية والإدارية. ومع أهمية هذا القرار، فإن قيمته الحقيقية لا تكمن في رمزيته السياسية، بل في كيفية استثماره لتعزيز وحدة الدولة واستعادة دورها السيادي.

سياسيًا، يعكس إلغاء قيصر تراجعًا نسبيًا في سياسة العزل، وانتقالًا نحو مقاربة الانخراط المشروط. وهذا يمنح الدولة السورية فرصة لإعادة تثبيت حضورها الإقليمي والدولي، لكن ضمن معادلة واضحة: الانفتاح الخارجي يقابله استحقاق داخلي يتعلق بفرض منطق الدولة الواحدة والمؤسسات الواحدة.

اقتصاديًا، يرفع إلغاء العقوبات أحد أخطر أدوات الضغط التي استُخدمت لإضعاف الدولة السورية وتجفيف مواردها. إلا أن الأخطر من العقوبات ذاتها كان أثرها في خلق اقتصادات منفصلة داخل البلاد، وتعزيز أمر واقع قائم على الانقسام. ومن هنا، فإن رفع قيصر يجب أن يُترجم إلى استعادة الدولة لدورها الاقتصادي المركزي، لا إلى إعادة إنتاج الاختلالات السابقة.

السويداء ومناطق قسد: لحظة سياسية لا تحتمل الرمادية

داخليًا، يضع إلغاء قانون قيصر ملف السويداء ومناطق سيطرة قسد أمام لحظة سياسية حاسمة. ففي السويداء، لا يمكن فصل الاحتجاجات المتراكمة عن سنوات التهميش الاقتصادي والعجز الخدمي الذي فاقمته العقوبات. ومع رفع هذه العقوبات، تنتفي الذرائع التي حالت دون تدخل الدولة اقتصاديًا وخدميًا، ويصبح المطلوب انتقالًا واضحًا من إدارة الأزمة إلى استعادة الحضور الكامل للدولة، بما يعيد ضبط العلاقة مع المجتمع المحلي على أساس السيادة والقانون.

أما في مناطق سيطرة قسد، فإن إلغاء قيصر يسحب أحد أهم المبررات التي استند إليها واقع الانفصال الاقتصادي والإداري. فاستمرار صيغ الحكم الموازي بعد رفع العقوبات لا يمكن تبريره اقتصاديًا أو وطنيًا، بل يصبح مسألة سياسية صريحة تمس وحدة البلاد. إن أي حديث عن خصوصيات محلية يجب أن يبقى ضمن إطار الدولة السورية الواحدة، لا أن يتحول إلى غطاء دائم لتكريس واقع خارج السيادة.

وحدة الأرض ليست خيارًا تفاوضيًا

إن وحدة الأرض السورية ليست بندًا تفاوضيًا مؤجلًا ولا نتيجة ظرفية، بل مبدأ سيادي لا يستقيم التعافي من دونه. وإلغاء عقوبات قيصر يضع الجميع أمام استحقاق واضح: إما استثمار هذه المرحلة لإعادة توحيد الاقتصاد والإدارة والمؤسسات، أو القبول باستمرار التفكك تحت عناوين مختلفة.

أحمد حاميش

المزيد...
آخر الأخبار