تنوعت في السنوات الأخيرة برامج المواهب الفنية» من غناء وموسيقا وتمثيل على المحطات التلفزيونية العربية ، وقليل منها ذهب باتجاه الأدب كبرامج مواهب الشعر، لتتنوّع بعد ذلك اهتمامات هذه البرامج لتشمل مختلف نواحي النشاط الإنساني الإبداعيّ، رغم أن بعضها لم يبتعد عن الجانب التجاريّ في الموضوع الذي يرى في أكثر الأمور ضآلة مادة صالحة للمنافسة، وبالتالي لصنع برامج يبقى لها جمهورها الواسع والمتفاعل مع كل شكل من أشكال التنافس بغضِّ النظر عن المستوى الفني والفكري لهذا التنافس!.
وكان من الملاحظ أن أكثر القنوات التلفزيونية اعتماداً على هذا النوع من البرامج هي القنوات صاحبة الحضور الماليّ والإنتاجي القويّ، نظراً لارتفاع كلفة هذا النوع من البرامج الذي قد تمتد رقعة تصويره باتجاه بلدان عدة، وبالتالي فإن إمكانيات هائلة توضع تحت تصرف القائمين عليها والعاملين بها حتى تظهر بأبهى حلّة، خاصة وأنها تعتمد على الإبهار البصريّ والتقنيات العالية، ربما في محاولة –أحياناً- للتغطية على تراجع المستوى الفني لبعض هذه البرامج.
التلفزيون السوري منذ بدايات تأسيسه كان سباقاً إلى هذا النوع من البرامج، وربما كان أرسخها في الذاكرة برنامج “طريق النجوم” الذي ظهر في ثمانينيات القرن الماضي، والذي يعتمد على المنافسة بين أصوات غنائية شابة، وقد تخرّجت منه أصوات تُعتَبَر اليوم من أبرز الأسماء في مجال الغناء والطرب، وعلى الرغم من الإمكانيات الضئيلة التي وضِعَت آنذاك لتنفيذ البرنامج، إلا أن أثره في حينه كان فعالاً وواضحاً في تحريك الجوّ الغنائي والفنيّ إلى درجة أن مجرد الظهور فيه كان كفيلاً بتسليط الضوء على الفنان الشاب، حتى لو لم يحالفه الحظ في الانتقال إلى مراحل تالية.
اليوم وبعد مرور سنوات عدة على تلك التجربة يعيد التلفزيون إنتاجها بوسائل وإمكانيات ورؤية جديدة على قناة “سورية دراما” وتحت عنوان “أصوات”، وهو برنامج معنيّ بالكشف عن المواهب الجديرة بأن تأخذ فرصتها في عالم الغناء، وذلك في محاولة لاستقطاب هذه المواهب بدلاً من لجوئها إلى البرامج التي يتمّ تصويرها خارج سورية ولحساب فضائيات أخرى.
وعلى الرغم من أنّ لكل تجربة إيجابياتها وسلبياتها، إلا أن الإمعان في توجيه النقد القاسي للبرنامج لا يبدو مناسباً ولائقاً، خاصة أنه ورغم كل الظروف جاء تلبية لحاجة ماسّة لعدد كبير من موهوبينا في مجال الغناء كي يثبتوا وجودهم، وبالتالي وجود الأغنية السورية الجادة والرصينة في زمن تراجع فيه الفن الراقي لحساب الفنون الهابطة والاستهلاكية التي لا مستقبل لها.
المزيد...