فقر وجهل وتحدٍ واستسلام في رواية « الوباء» لهاني الراهب

رأت الدكتورة سحاب شاهين في بحثها المعنون بـ التطور الاجتماعي والفكري في رواية ( الوباء) للراحل الدكتور هاني الراهب أن الروائي قد استخدم أسماء وأماكن في الرواية تدل على واقعيتها مثل «الشير »، ووردت في الرواية أسماء شخصيات تاريخية مثل يوسف العظمة والشيخ صالح العلي وغيرهما.وبينت أن الرواية تتحدث عن الجهل والفقر الذي كان مسيطراً على ريفنا ومدننا في بدايات القرن الماضي بسبب الاستعمار التركي ثم الفرنسي .حيث يصور الروائي المعاناة المادية والمعنوية لشخصيات الرواية . وثمة أفكار كثيرة ودلالات في الرواية تؤكد الصراعات الكثيرة المؤدية إلى تطور اجتماعي وفكري عام .
ففي ثنائية ( الحب والزواج ) ثمة تصوير للعلاقة الشرعية بين الرجل والمرأة لبناء الأسرة التي كانت تتحكم فيها العادات والتقاليد في بدايات القرن العشرين لاسيما في قرية ( الشير ) إحدى القرى الريفية في محافظة اللاذقية .
غير أنه في الوقت نفسه يستمر في علاقته غير المشروعة مع زوجة الآغا ( حسن ) واسمها ( مريم ) وهي امرأة على قدر كبير من الجمال . والى جانب هذه العلاقات هناك علاقات حب طاهرة تربط بين الشباب والفتيات كما يحصل مع ( صبرية) التي أحبت احد شباب القرية ( ملحم )
أما عن العلاقة العامة بين ( الرجل والمرأة) فمن المؤكد أنه في ظل هذه الظروف الاجتماعية وهذا الزمن المحدد الذي تجري ضمنه الأحداث مكانة سلطوية للرجل والمرأة أول ضحية للسلطة الذكورية كما يحصل بين ( عبد الجواد ) وزوجته ( أم احمد ) وللأسف الشديد فإن ( عبد الجواد ) بما له من سلطة اجتماعية يرى بأن المرأة لا يجب أن تنطق بكلمة (لا) بل جوابها الدائم يجب أن يكون ( نعم ) وان تنفذ كل مايطلب منها .
وإذا جئنا الى موضوع ( التحدي والاستسلام ) فهذه الدلالة الضدية تفرضها الحياة الاجتماعية بمافيها من جهل وفقر وأمراض .
فالمرء لا يمكن أن يخرج عن الأعراف والتقاليد السائدة حوله .
وفي بداية القرن العشرين قلما يتمرد أحد ما رجل أو امرأة والذين تحدوا الأعراف السائدة في الرواية وخرجوا عن المألوف عندما تعلموا في المدارس التي قل وجودها في تلك الأيام هم تحدوا أولاً الجهل والتخلف كما فعل ( إسماعيل السنديان ) الذي لبس لباساً افرنجياً كما كانوا يسمونه البزة والعقدة وشرع في بناء مدرسة . كما تحدت ( صبرية ) وهي ابنة احد الوجهاء الواقع عندما أحبت علناً ( محمود ) الأمر الذي بدا لا يصدق من قبل الناس فمعظم العلاقات الاجتماعية كان فيها رضوخ واستسلام للواقع وقليلة هي حالات التحدي التي ضربت بتلك العادات والواقع عرض الحائط . وهذا ما يجعلنا نتحدث عن (الخضوع والتمرد ) كثنائية ضدية في الرواية ، فمريم التي تحدت العلاقات وانخرطت في العشق الممنوع وهي التي تقول ( الحياة بلا حب لاتساوي شيئاً ) وهي عكس زوجة عبد الهادي الخاضعة كلياً لزوجها والمجتمع والمتقبلة لمفاهيمه وأعرافه والتي تعرف أنها مظلومة لكنها خاضعة تماماً ومستسلمة لقدرها .
ولعل الثنائية الضدية الأكثر و الأشمل في الرواية هي ثنائية ( الخير والشر) ، فثمة أشخاص يبنون أفعالهم على حب الخير ومساعدة الآخرين والتسامح والغفران . غير أن الأحداث الشريرة في الرواية كثيرة فمثلاً ( رجب) دهس طفلاً ولم يسأله أحد عن هذه الجريمة وأحد عناصر الدرك اغتصب ( زهرة) .
لعل السبعين سنة التي تتحدث عنها الرواية ( 1900-1970 ) هي سنوات المخاض بالنسبة للسوريين الذين تخلصوا من المستعمر التركي ثم الفرنسي ثم جاءت الانقلابات العسكرية ثم جاءت ثورة الثامن من آذار ولكل مرحلة نظامها السياسي والاقتصادي والاجتماعي فهذه الفترة مليئة بالاحباطات والانتصارات والألم والأمل والفشل والنجاح .. لكنها في النهاية تؤدي إلى تطور سياسي واجتماعي وثقافي وعمراني وتعليمي يقلب المجتمع رأساً على عقب .

المزيد...
آخر الأخبار