ما أكثر المفكرين الذين أدلوا بدلوهم في بئر تعريف الثقافة وتحديد مفهومها ، وربما نظر إليها كل واحد منهم من جانب معين ، وربما نظر بعضهم الآخر إليها نظرة شمولية ، ومن هؤلاء :
إدوار تايلور- الذي عرّف الثقافة في كتابه – الثقافة البدائية – بأنها (كل مركب يشتمل على المعرفة والمعتقدات والفنون والأخلاق ، والقانون والعرف ، وغير ذلك من الإمكانيات أو العادات التي يكتسبها الإنسان باعتباره عضواً في مجتمع )
ولعل من أبسط تعريفات الثقافة وأكثرها وضوحاً تعريف أحد علماء الاجتماع المحدثين – روبيرت بيرستد – الذي ظهر في أوائل ستينيات القرن الماضي حيث يعرّفها بقوله :
( إن الثقافة هي ذلك الكل المركب الذي يتألف من كل ما نفكر فيه أو نقوم بعمله،أو نتملكه كأعضاء في مجتمع).
وهذا التعريف يبرز الصيغة التأليفية للثقافة لتصبح ظاهرة مركبة تتكون من عناصر بعضها سلوكي وبعضها مادي .
أولا لنقل إن للثقافة ثلاثة مفاهيم أولها في ميدان التحيّزات الثقافية فالمثقف يجب أن يحيط إحاطة واسعة بألوان المعرفة المتعددة ، وأن يتعمق في أحد فروعها ، فيشار إليه في الميدانين ، ميدان الأخذ من كل علم أو معرفة بطرف كما كان يقول أبو عثمان الجاحظ ، وميدان المعرفة المعمقة لفرع من فروع المعرفة أو الفنون ، وإذا ضربنا مثالاً الإحاطة بعلم النفس والفلسفة وعلم الاجتماع … والتعمق في فرع فن الرواية – مثلاً .
والمفهوم الثاني : العلاقات الاجتماعية ، وهي تشمل العلاقات الشخصية التي تربط الناس بعضهم ببعض ، والمثقف يجب أن يكون متميزاً متفرداً في إطار هذه العلاقات بسلوكه الإنساني النافع للجميع في كل مكان من المنزل إلى الشارع إلى الحي إلى المدينة فالوطن، وأن يكون سلوكه قدوة للآخرين في تقبل الآخر والإصغاء إليه ومشاركته في كل سلوك نافع ، فلا يمكن أن أكون مثقفاً وأضع كيس القمامة على باب بيت جيراني ، أو أن أقذفهم بمفردات الشتيمة ، ويرتبط بهذا الجانب ارتباطاً وثيقاً جانب أنماط أو أساليب الحياة . فليس المثقف كما صوّره بعض ممثلي الثقافة في فترة من الفترات يرسل شعره على هواه ويتأبط بضع مجلات ، ويدخّن التبغ في الغليون ويجلس في مقاهي الرصيف ، ويثرثر نصف يومه ، وإنما من يتخذ أنماطاً أو أساليب حياتية توحي بما يحمله من ثقافة ، فيكون محباً للآخرين ، ودوداً في علاقاته ،نظامياً في كل موقف حياتي ،فنمط الحياة هو قناة الاتصال التي تربط بين الفكر والسلوك ويكون الحكم على السلوكيات بأنها مرغوبة أو غير مرغوبة بناء على مدى توافقها وانسجامها مع القيم والمعتقدات .
إذاً ليست الثقافة قناعاً نخفي وجوهنا الحقيقية وراءه وإنما هي الكشف عن شخصية الإنسان في أبعادها الفكرية والسلوكية والمادية .
د. غسان لافي طعمة