يرتبط موضوع الاختلاس – دائما – في الأذهان بالجرائم التي تستحق العقاب ويحاكم عليها القانون ولكن هناك اختلاسات خاصة جدا لا يجرمها القانون ولا يستطيع أحد معاقبة مرتكبيها لأنها ببساطة اختلاسات مشروعة تقوم بها الزوجة وذلك بادخار جزء صغير من مصروف البيت إما لتلبية احتياجات خاصة بها أو لتشترى به هدية للزوج أو للأبناء أو بعض الأشياء الصغيرة التي لا تدرج تحت قائمة الضروريات المنزلية .
ولكن الحذر واجب من أن تسبب هذه الاختلاسات المشاكل أو تؤثر على مستوى معيشة الأسرة.
حول هذا الموضوع وهذه الظاهرة التي يراها البعض غير مهمة كان لنا الموضوع الآتي :
ماذا تقول الزوجات عن اختلاساتهن ؟
شادية شاهين – ربة منزل قالت: رغم الارتفاع الشديد بالأسعار الذي جعل الادخار صعبا جدا إلا أن هذا الادخار يعتبر عادة نسائية مميزة خاصة اللواتي لا تعملن خارج المنزل فالمرأة هنا تخاف من الغد وتشعر دائما أنه ليس لديها مال خاص فتحاول من خلال التوفير ولو بمبالغ ضئيلة من مصروف البيت أن تدخر شيئا للزمن ..الذي يمكن أن يغدر بها في غفلة منها .
سميرة جابر – ربة منزل قالت : منذ زواجي حرصت على أن أقوم بادخار جزء من راتب زوجي أو بالأحرى جزء من المبلغ الذي يعطيني إياه كمصروف منزلي مع مراعاة ألا يكون على حساب الاحتياجات الأساسية للبيت ، ولا يعرف زوجي شيئا عما أدخره لأنه يعطيني المصروف ويترك لي حرية إنفاقه ، وفي بعض الأيام اشتري أشياء جديدة كأدوات منزلية أو ملابس أو .. ويفاجأ زوجي بها وعند ذلك أخبره بأنني ادخرت مبلغا ساعدني على شرائه وفي هذا الموقف تحديدا يطلب مني الاستمرار في الادخار.
أمل بدر- ربة منزل – قالت: كنت أعاني من الإحراج كلما جاءت مناسبة لدى أحد أفراد العائلة أو الجيران لأنني هنا اضطر لطلب النقود من زوجي من أجل شراء هدية مناسبة ولكن مهما كانت علاقة الزوجة بزوجها فإن المسائل المادية تعتبر أمرا محرجا خصوصا عند الزوجة التي يتهمها زوجها دائما بأنها تنفق دون حساب لعدم تقديرها لمجهوده الذي يقوم به من أجل الحصول على المال.
والمشكلة الأكثر إحراجا أنني كنت اضطر إلى الاقتراض من والدتي دون علمه وأخبره أنني كنت أقتصد من مصروف البيت ولكن عندما علم كان في غاية السعادة وطلب مني الاستمرار وبعد هذا الموقف أعدت حساباتي وتوقفت عن شراء أشياء غير مهمة لأستطيع ادخار القليل ولكنني داومت على التوفير وفي مناسبات عديدة أقدم الهدايا لزوجي أو أولادي وأشعر أن ما أدخره من المصروف رغم قلته يعتبر دخلا خاصا بي يمكنني التصرف فيه.
نجوى علي لها تجربتها مع المصروف والادخار حيث تقول: منذ بداية زواجي أخذت مصروفا خاصا يختلف عن مصروف البيت الذي كانت تتولاه حماتي وكنت أنفقه في شراء أشياء خاصة بي ولكن بعد وفاتها تحملت مسؤولية المنزل كاملة وبدأت أدخر من المصروف لأشتري ما ينقصنا من أجهزة كهربائية أو أدوات منزلية على فترات طويلة ولأنني أدركت أنه يجب علي أن أحسب حسابا للزمن.
ارتفاع الأسعار الجنوني جعل أمر التوفير صعبا إلا أن السيدة مروة ناصر كان لها وجهة نظر حيث تقول: زوجي مسرف جدا ولا يفكر في الزمن ويعيش على مبدأ « أصرف ما في الجيب يأتيك ما في الغيب» وعمله يدر عليه ربحا كبيرا وخوفي على مستقبل أولادي جعلني أبدأ في الأخذ من مصروف البيت والادخار للزمن ومنذ فترة طلبت منه تجديد البيت لكنه رفض لكن عندما أخبرته أنني سأساهم معه وافق وحينها شاركته بما وفرته من المصروف الذي يعطيه لي .
قد يسبب مشكلة
ربما تسعد الزوجة عندما تحتفظ ببعض المصروف لوقت الحاجة وقد تعتبر ذلك انجازا ولكن هل الزوج يشعر بهذا الانجاز ويقدره ويشكر الزوجة عليه وخاصة إذا ظهر المبلغ وقت حاجته ؟؟
قد تمر بعض الاختلاسات الزوجية من المصروف بسلام ولكن للأسف بعضها الآخر لا ..وهذا ما أكدته بعض السيدات حيث روت إحداهن قصتها قائلة: بعد زواجي وجدت أن هناك فائضا من مصروف البيت فسعدت جدا وبدأت أدخره للزمن وفى إحدى المرات أخبرت زوجي أنني أدخر من المصروف فانفعل واتهمني بالاختلاس وخيانة الأمانة وطلب مني أن أعطيه أي زيادة في المصروف وقلل ما يعطيني إياه على أساس أنه يرى أن المسائل المادية يجب أن تظل في يد الرجل وهو الأقدر على إدارتها ولكن بالنسبة لي اختفت هذه المتعة التي شعرت بها أثناء التوفير وأصبحت كلما أردت شيئا حتى وإن كان تافها فأضطر لطلب النقود منه .
قد يكون موقف هذا الزوج متداولا لدى الكثير من الأزواج ولكن ما هو رأي البعض الآخر بتصرف زوجاتهم عندما يدخرن من المصروف وما هي وجهة نظرهن ؟؟
محمد عامر – موظف – يقول: لا أنكر سعادتي عندما أعلم أن زوجتي تدخر من ورائي من المصروف ويسعدني ذلك ولكن الظروف الاقتصادية والغلاء الفاحش الذي وصلت إليه الأسعار من لقمة العيش إلى المواد الأخرى لم تعد تعطي الزوجات فرصة للادخار فالمصروف بالكاد يكفي مطالبنا الأساسية واحتياجات ضرورية وأي توفير سيكون على حساب الأبناء وهذا ما لا أرضاه.
وعلى خلاف هذا الرأي ما قاله أكرم فقد اعتبر أن البيت مملكة المرأة وعندما يعطيها الزوج المصروف فيحق لها التصرف به وتدبير شؤون البيت بالطريقة التي تراها مناسبة ..فإن وضعت في ذهنها منذ البداية موضوع توفير جزء من المصروف فإنها تستطيع لأن المرأة اقتصادية ماهرة والأمر كله يتوقف على رغبتها في التوفير وعدد أفراد الأسرة فكلما قل عدد الأفراد زادت قدرتها على الادخار وقد نفاجأ أحيانا بهدايا غير متوقعة استطاعت شرائها مما ادخرته من مصروف البيت. والزوج الذكي هو الذي يقوم بزيادة المصروف – إن استطاع – لتشجيعها والتأكيد لها أنها امرأة منظمة وإدارية تعلم كيف تتصرف بالأموال الزائدة وإن كانت قليلة حتى لا تضيع هباء.
المختصون في علم الاجتماع يؤكدون أن التوفير سمة من سمات المرأة وخاصة العربية لأنها بتكوينها تخشى الغد وترى أن الأموال ولو بسيطة تساعد وقت الأزمات وقد ساهمت أمثالنا الشعبية في تأصيل هذه العادة في نفوس معظم السيدات ومنها : “ خبي قرشك الأبيض ليومك الأسود” وبالرغم من صدق هذا المثل إلا أن هناك نوعية من النساء تميل إلى الإسراف.
فاتن ابراهيم – مرشدة نفسية قالت : رغم أن بعض النساء يتصفن بالتوفير إلا أن قدرتهن على ذلك يتحدد بعدة عوامل منها قيمة الأموال المخصصة لهذا المصروف وخاصة مع الغلاء المتسارع والرواتب المحدودة بالنسبة للموظفين وكذلك عدد الأولاد وطبيعة الحياة التي تعيشها الأسرة كل هذا وغيره من العوامل يساعد في تحديد إمكانية التوفير أو إحباط هذه الخطوة وعلى أرض الواقع و في ظل الظروف الاقتصادية الحالية فالمرأة لا تستطيع التوفير حتى من راتبها إن كانت موظفة ..ولكن رغم أن مسألة التوفير شديدة الصعوبة لكن بعض النساء يجدن التوفير شيئا ضروريا خاصة من لا يعملن لأن ربة البيت تشعر عادة بعدم الأمان المالي لأنه لا يوجد لها دخل اقتصادي ثابت فتتحايل وبطرق مشروعة لإيجاد هذا الدخل الذي يساعدها على شراء ما تهفوا إليه نفسها دون الحاجة إلى سؤال الزوج.
كل هذه الأمور والاحتيال على المصروف بطريقة الاختلاسات الصغيرة تبقى منطقية إلى أن تصطدم باحتياجات الأسرة أو عندما تسبب ضررا اقتصاديا أو معيشيا للأسرة وهنا يصبح كل ما فعلته المرأة لا يغدو كونه تلبية احتياجات شخصية تضر بالأسرة ولا تنفعها .
منار الناعمة