الشاعر أبو العلاء المعري مات مرتين :الأولى مادية عندما توفاه الله سبحانه وتعالى بسبب التقدم بالعمر حيث عاش ستة وثمانين عاماً /363-449/ والثانية معنوية عندما قام مجرمو داعش بقطع رأس تمثاله الموجود في مسقط رأسه (معرة النعمان) بتهمة الإلحاد.
في البداية سنحاول التعرّف على معنى كلمة (إلحاد) ففي اللغات الأوروبية مأخوذة من اليونانية وتحتوي على مقطعين (نفي إله) ومن هنا كان معناها الاشتقاقي ( نفي الله) أما في العربية فكلمة (ألحد عن : انحرف عن ) ومن هنا فليس ثمة تطابق دقيق بين اللفظ الأوروبي واللفظ العربي وفي تحليلنا هنا سنقتصر على ما يدل عليه اللفظ العربي.
إن المعنى العربي لهذا اللفظ (إلحاد)يتضمن عدّة مقاصد : هناك الإلحاد العملي والإلحاد النظري .
أما الشاعر المعري فقد أثبت وآمن بوجود الله والرسل والأنبياء ،ولكنه أنكر وصاية بعض رجال الدين وتدخلهم بالشؤون الإنسانية وشاركه في ذلك عدد كبير من المفكرين والفلاسفة العرب كابن الراوندي وابن رشد وابن سينا، إذ أنكر هؤلاء جميعاً تلك الوصاية ،ويجوز أن نجد بصيص إلحاد في بعض أقوال المعري ولكننا لا نجد لديه أقوالاً صريحة في هذا الموضوع فربما لأنه آمن بوحدة الوجود والحلول في الذات الإلهية واتخذ من العقل إماماً هادياً ، وفضح الممارسات الدينية الفاسدة في عصره (العصر العباسي )مروراً بالسلطة المدنية أيضاً وصفة الكفر أطلقت أيضاً على (الحلاج) و (ابن عربي )و (ابن الفارض ) وغيرهم ، لأنهم سايروا المعري في توجهاته .
وفي العصر الحديث ارتبط الإلحاد بالمادية التي لا تحتاج إلى مبدأ روحي لتفسير الظواهر بكافة أنواعها كذلك ارتبط بالنزعة الإنسانية المطلقة التي تعتبر الإنسان فقط أسمى مافي الوجود لأنه يستطيع بذكائه أن يفرض على الطبيعة قيمه وغاياته ، أضف إلى ذلك نزعة ( اللا ادارية ) التي روج لها «توماس هكسلي» في القرن التاسع عشر حيث اعترف مع رفاقه أنهم عاجزون عن إدراك القوة المستترة التي تتجلى في كل الظواهر الطبيعية .
نزيه شاهين ضاحي
المزيد...