العواصف الرملية مازالت تهب على البادية… المطالبة بإعادة النظر بقرار منع الفلاحات وتحديد المواقع الصالحة للزراعة في منطقة تدمر

بعد مضي أكثر من /20/ عاماً على صدور قرار منع الفلاحات في البادية السورية الذي يهدف للحد من آثار العواصف الترابية وظهور الكثبان الرملية‏ ,نشاهد اليوم أن العواصف الرملية مازالت تهب على البادية بين فترة وأخرى , ما يؤشر لضرورة إعادة النظر بهذا القرار كونه لم يستطع مكافحة التصحر والعواصف الرملية ,علما أن الزراعات في البادية تعتمد وبشكل شبه كامل على الزراعات البعلية .. وقد شهدت الأيام الماضية من هذا العام زوابع رملية أصابت أغلب مدن وقرى  البادية وهذا يؤكد وبصورة غير مباشرة «كما ذكرنا» ضرورة إعادة النظر  بهذا القرار , علما أن الحكومة السورية عملت ولاتزال للحد من التدهور البيئي عبر التوسع بإعادة تأهيل المراعي الطبيعية, واتخذت العديد من الإجراءات منها نثر البذور الرعوية وغرس الأشتال ذات الصفة الرعوية  بهدف المحافظة على واقع البادية وعدم تحولها إلى صحراء قاحلة .

إن وقف زحف التصحر يتم بالتوسع في الزراعة ,سواء كانت حقلية أم شجرية كما تعلمنا خلال  مراحل دراستنا  , فكيف يتم منع الفلاحات وهل هذا القرار يوقف زحف التصحر ويحد من التعرية الريحية؟, ثم هل اعتمدت الجهات المعنية بحماية وتطوير البادية على أرقام إحصائية تبين المساحات الممكن استزراعها بالمحاصيل الحقلية الرعوية وغيرها أم أن الواقع متروك لبيانات وتقديرات أغلبها شخصية لا تنسجم مع الواقع ولا تتقاطع معه ..؟. !!  
ولتسليط الضوء على واقع البادية والآثار التي خلفها قرار منع الفلاحات فيها / العروبة / التقت مجموعة من الفلاحين ومربي الأغنام  لتبيان الواقع من جميع جوانبه ,علما أن الأعوام الماضية شهدت قلة في الهطولات المطرية ما أثر سلبا على جميع المحاصيل الزراعية وفي كل المناطق ولاسيما البادية…
غياب الغطاء النباتي
التقينا مع المهندس سعد غنوم رئيس دائرة حماية البادية فرع حمص الذي تحدث عن أهمية قرار منع الفلاحات في البادية قائلاً : إن هذا القرار يحمي سكان البادية من خلال الاستمرار بمشروع تنمية البادية وتطوير الغطاء النباتي فيها ولاسيما المراعي التي تثبت التربة وتمنع انجرافها وإثارة الغبار والرمال عند هبوب الرياح وخاصة في سنوات الجفاف ,فالفلاحات في هذه السنوات تؤدي حكماً إلى غياب الغطاء النباتي وتعرض التربة للتعرية هذا في حال الجفاف ,أما في حال الهطولات المطرية الغزيرة فتؤدي إلى انجراف التربة علماً أن الزراعات التي يعتمدها سكان البادية تكون في الفيضانات /مجاري السيول / مايؤدي إلى فقدان أمهات البذور النادرة التي تعمل المديرية على إعادة نثرها في مختلف أراضي البادية مؤكدا أن المديرية تقوم بتشكيل لجان مختصة للقيام بزيارات ميدانية على مواقع البادية والحوار من الأهالي لاطلاعهم على أهداف قانون منع الفلاحات
من جهة ثانية نوه السيد مازن حمدوش من مديرية تنمية البادية إلى أن القانون حدد منع الفلاحات في منطقة الاستقرار الخامسة فقط ,علماً أن الزراعات المروية مازالت قائمة حسب التراخيص الممنوحة من دائرة أملاك الدولة بمديرية زراعة حمص وحسب غزارة البئر على ألا تتجاوز /50/ دونماً ,أو بموجب عقد آجار ويتم كل عام نثر البذور  الرعوية / الفصة والرغل والقيسوم / بهدف التوسع بمساحات المراعي مؤكداً أن البادية السورية بشكل عام ليست صحراء وعمل المديرية يركز إلى الحفاظ عليها بادية .
دعم الاقتصاد الوطني
مدير الموارد المائية المهندس اسماعيل اسماعيل قال : تواصل مديرية الموارد المائية بحمص عملها على توفير المياه لسكان البادية فقط ، وبلغ عدد السدود فيها /15/سدا والحفر /57/حفرة مشيراً إلى انه تم خلال الريتين الماضيتين تخزين حوالي /290ر1/مليون م3 في سد القريتين علماً أن حجم التخزين الأعظمي لهذا السد يبلغ /5/ملايين م3
تجدر الإشارة إلى أن هذه السدود  والحفر نفذت ضمن الجهود الرامية لتطوير واقع البادية لذا يجب ألا ينحصر هذا التطوير بالتوسع بمساحات المراعي وتأمين مياه السقاية للأغنام, كون الواقع لا يعد فعليا للاستثمار الأفضل للمناخ بالنسبة للأراضي القابلة للزراعة وخاصة زراعة محصولي القمح والشعير كونه في حال كان الهاطل المطري دون المأمول فيتم التعامل مع المحصولين كمراع ٍ إضافية لتثبيت التربة أما إذا كان  الهاطل وفيرا فيدعم الاقتصاد الوطني .
مع المربين
المواطن دويش الأسعد من أهالي وسكان البادية وهو مربي أغنام ذكر لنا إن المراعي في الوقت الراهن شبه معدومة ما دفع بمربي الأغنام والمزارعين وبشكل اضطراري للرعي والاحتطاب الجائر ما أدى بالنتيجة إلى تدهور الغطاء النباتي وخاصة بمناطق المراعي الطبيعية وهذا مرده لقلة الهطولات المطرية.  
وأضاف :أنا من أسرة يعتمد اقتصادها على تربية الأغنام وكنا في السابق نضمن بعض الحقول المزروعة سواء كانت بالقمح أم بالشعير وفي حال تدني مستوى الإنتاج يستطيع المزارع تضمين أرضه للمربين  ما يعود بالفائدة على المزارع والمربي أما في حال كان الإنتاج وفيرا فكنا نشترك مع المزارع بحصاد المحصول وحتى تشويله ونقله .
 المواطن عليان المصطفى تحدث عن الواقع المعاش حاليا في البادية قائلا : أنا من مدينة مهين وكان لدي أغنام إلى جانب عملي بالزراعة, وكنا قبل سنوات الحرب نعتمد على الجهات المختصة بتطوير البادية حيث كان يقدم لنا العلف إضافة لنثر البذور الرعوية في بعض المناطق وتوزيع الغراس الرعوية على المساحات التي يمكن الإنبات بها وزراعتها بهدف تأمين مادة علفية طبيعية للمربين أما اليوم وبسبب الجفاف من جهة ومنع الزراعات في البادية فإنها وبناء على تواصلي مع أقربائي الذين يصفون الواقع بالمزري فلا مراعي ولا غطاء نباتي يمكن أن يعوض النقص الحاصل في المراعي بشكل عام ويتركز جلى اهتمامنا حاليا على المادة العلفية سواء من عند المؤسسات الحكومية أم من عند القطاع الخاص الذي يستثمر حاجتنا ويرفع السعر كما يريد .
تدني إنتاج البادية
المهندس اليان حشوف من أهالي مدينة صدد تحدث قائلا : إن قرار منع الفلاحات في البادية كان نتيجة نظريات مفادها أن هذه الفلاحات كانت السبب الرئيسي لنشوب العواصف الرملية التي تؤدي إلى انجراف التربة وتدني انتاجيتها علما أن وزارة الزراعة كانت قبل سنوات الحرب  مستمرة بزراعة الغراس الرعوية في جميع المناطق وخاصة على جوانب السدات والسدود التي أنشئت لتحسين الواقع الزراعي والرعوي في البادية .. وهذا القرار أدى بطبيعة الحال إلى تدني إنتاج البادية ولاسيما من محصولي القمح والشعير المعتمدة زراعته على البعل ما كان يؤمن حوالي/ 60 /  بالمائة من احتياجات المزراعين والمربين على حد سواء, علما أن المواسم الزراعية كانت تعطي نتائج جيدة كل ست سنوات وحاليا زالت سببية قرار منع الفلاحات لذا أضم صوتي إلى جميع الأصوات التي تنادي بإعادة النظر بالقرار مشيرا إلى أن الحكومة لا تخسر شيئا في حال تمت إعادة الزراعات للبادية فجميع النفقات تتم على حساب المزارع, وأنوه هنا إلى أن أراضي البادية السورية ليست رملية بل هي تربة متماسكة وتنمو فيها أعشاب متعددة رغم الجفاف الحاصل مثل  نبات الشنان المنتشر بكثرة في أغلب أراضي البادية السورية مع نباتات أخرى كالقبار الذي يشكل موسما لحصاده من قبل أهالي البادية عموما .
تحديات كبيرة  
المهندس ربيع جلحن قال  : يواجه الوضع البيئي للبادية السورية بشكل عام تحديات كبيرة وخاصة بظل مظاهر الجفاف وشح الموارد المائية وخروج مساحات كبيرة من المراعي من الخدمة والتي كانت فيما مضى تشكل رديفا حقيقيا لمربي الثروة الحيوانية ‏ أمام هذه التحديات كان لابد من المباشرة في المواجهة وإيقاف هذا التدهور فبادرت وزارة الزراعة لإعادة تأهيل الأراضي التي تشهد انحسارا في الغطاء النباتي باختيار العديد من المواقع لتطبيق برامج مكافحة التصحر وتطوير البادية عليها ,وتم وضع برامج زمنية لتحقيق أهداف هذه البرامج التي من شأنها العام إعادة تأهيل المراعي .
منطقة ثروات طبيعية
المهندس هاني دعاس رئيس مجلس مدينة تدمر تحدث عن أهمية بادية حمص والتي مركزها تدمر قائلا : إن هذه المدينة تتوسط البادية السورية وذات موقع فريد حيث كانت تضم قبل سنوات الحرب أكثر من 50 تجمعا سكانيا .. وتحتوي منطقة البادية التدمرية على الكثير من الثروات الطبيعية كالفوسفات والبترول والغاز والرخام والملح وأحواض واسعة من المياه, وهي بحاجة إلى إشراف فعلي وميداني .
وأضاف :تتعرض بادية حمص كما هو شأن البادية السورية ككل إلى تدهور مستمر وتجاوزات كبيرة من قبل مربي الأغنام والفلاحين عن طريق الاحتطاب الجائر ما أدى إلى تراجع الغطاء النباتي و المراعي الطبيعية وهذا يشكل خطراً كبيراً على التوازن البيئي وانجراف التربة وتدني إنتاجها ,خاصة وأن قرار منع الفلاحات في البادية ساهم إلى حد كبير بتقلص الغطاء النباتي كون الزراعات الحقلية كانت تقي إلى حد كبير من انجراف التربة
إجراء وقائي
مشيرا إلى أن إلزام أهالي البادية بوقف الرعي والاحتطاب الجائر هو إجراء وقائي وحالة إسعافية والحل الصحيح يكون بالإقناع وهذا يحتاج لوقت وجهد وبرامج ,فنحن بحاجة لتعاون القاطنين في البادية وعلينا العمل بجد لإقناعهم بأن الدولة  ترعى مصالحهم وتعمل على تأهيلهم, وعلينا الإسراع بتنفيذ المشاريع ذات الريعية الجيدة وخاصة ما يتعلق منها باستثمار الطاقات البديلة بهدف تأمين مصدر رخيص للطاقة للحد من الاستهلاك للمازوت والغاز والبدائل متوافرة /  طاقة الرياح وطاقة الشمس وطاقة الغاز الحيوي / ونفايات القطعان كفيلة بإعطاء غاز حيوي يكفي للتدفئة والإنارة معا, إضافة إلى تأهيل البادية أمام السياحة عبر تطوير مواقع المحميات التي أصابها الإجرام الإرهابي مثل محمية التليلة وغيرها من الواحات وكل ذلك بهدف المساهمة الفعالة برفد الاقتصاد الوطني والفردي لأبناء البادية عموما .
الفلاحات ليست السبب
 السيد يحي السقا رئيس اتحاد فلاحي حمص تحدث حول قرار منع الفلاحات في البادية قائلا: أنا أتذكر مداخلات الفلاحين في روابط تدمر والقريتين والمخرم التي كانت تطالب بإعادة النظر بهذا القرار هذا قبل سنوات الحرب أما اليوم فقد تركزت المطالب حول تأمين مستلزمات الإنتاج الزراعي بشقيه النباتي والحيواني .. وكان الفلاحون يشيرون في مطالبهم إلى أن العواصف الرملية التي تهب بين فترة وأخرى ليس سببها الفلاحات كون الرياح التي تشهدها البادية وخاصة الجنوبية الشرقية تصل محملة بالرمال, وهنا يمكننا الاستنتاج أن البادية السورية ذات أرض متماسكة  تتأثر تأثيراً كبيرا في العواصف الرملية علما أن الاتحاد كان يرفع المداخلات للجهات المعنية التي مازالت تصر على قرار منع الفلاحات في البادية ومؤخرا شهدت أراضي البادية عواصف رملية رغم التزام الفلاحين بتنفيذ القرار وهذا يدلل على أن الفلاحات ليست السبب الرئيسي في العواصف الرملية  .
وأضاف: توجد في البادية مناطق خصبة تقدم إنتاجا وفيرا للمزارعين و لا يمكن تعميم قرار المنع عليها لذلك يقع الدور الأكبر على الرابطة الفلاحية  لتحدد هذه المناطق  من خلال إجراء كشف  على كل منطقة  في البادية و تحديد مدى صلاحيتها للزراعة..
المزارع منير الأرملة من سكان قرى منطقة المخرم تحدث قائلا : إن السبب الرئيسي الذي يقف خلف قرار منع الفلاحات قي البادية هو هبوب العواصف الرملية علما أن هذه العواصف تكون في الغالب محملة بتراب أحمر اللون وتربة البادية السورية في الغالب هي بيضاء .. وبعد مضي أكثر من عقدين ونصف من الزمن على هذا القرار مازالت العواصف الرملية تهب على البادية لذا بات من الضرورة إعادة النظر بهذا القرار وكحد أدنى تحديد المواقع التي يمكن زراعتها بالمحاصيل الحقلية كالقمح والشعير .. وفي السنوات ذات الهطولات المطرية الجيدة يغطي المزارع بحصاد موسمه كل النفقات علما أنه في حال تدني نسبة الهطول لا يخسر المزارع إذ يتم تضمين الأرض لمربي الأغنام وهذا يعود بالفائدة على الجميع ويدعم الاقتصاد الوطني  

 كلمة أخيرة   
منذ أكثر من/20/عاما والإمكانيات ترصد لتطوير واقع البادية عبر تنفيذ مجموعة من المشاريع الخدمية والتنموية ولكن النتائج لم تكن بحجم الطموح لأسباب متعددة منها قرار منع الفلاحات في البادية الذي أدى إلى انحسار الغطاء النباتي رغم الجهود الحثيثة التي تبذلها الدولة في التوسع بمساحات الزراعات والنباتات الرعوية وإنشاء السدود والسدات في أغلب المواقع الصالحة لتجميع المياه  انطلاقا من أهمية البادية وضرورة وقف التدهور البيئي وحماية المراعي الطبيعية وإعادة تأهيلها ,وقد اتخذت الدولة مؤخرا مجموعة من الإجراءات لصيانة وتحسين واقع البادية عبر التوسع بالغطاء النباتي الطبيعي وإعادة تأهيل المراعي بغرس الاشتال الرعوية ونثر بذورها على مساحات جديدة ومع ذلك ظلت مسألة عدم تنظيم الرعي وإجراء الدراسات الإحصائية لتبيان عدد الأغنام المتواجدة فعلا في البادية والمساحات الممكن استزراعها بالغراس الرعوية ,علما أن أغلب سكان البادية العاملين في الزراعة بشقيها النباتي والحيواني يعتمدون على تربية  الأغنام ,وهم يتعاملون مع المراعي تعاملا غير علمي ما يحتم على الجهات المختصة تكثيف جهودها لإطلاع  سكان البادية على مخاطر الرعي الجائر ولاسيما في مرحلة الإنبات والنمو وفي هذا المجال نقترح تنظيم مهنة تربية الأغنام والأبقار / أي إعطاء تراخيص خاصة بذلك / وخاصة القطعان السرحية في البادية ليتم ضبط أعدادها وتقدير حاجة المربي للمادة العلفية   .
بسام عمران – لانا قاسم

المزيد...
آخر الأخبار