لمصلحة من عدم تسويق منتجات معمل مزج الزيوت؟! تراجع عمودي بالاستجرار وخسائر بالمليارات سببها سوء آلية التسويق
تشكل معامل القطاع العام الدعامة المتينة للاقتصاد المحلي ومن هذا المنطلق يتوجب على القائمين بالأعمال فيها ابتكار الحلول القانونية و المبتكرة لإيجاد سبل لتجاوز العقبات التي تواجه سير العمل و تحقيق ربح حقيقي يعود بالنفع على الصالح العام
ويعتبر معمل مزج الزيوت – الوحيد في القطر- المصنِّع المعتمد لزيوت المحركات و الآليات , ومن البديهي أن نتوقع دعماً غير محدود لمنتوجاته خاصة و أنها ذات نوعية ممتازة تضاهي كل المنتوجات المماثلة و هو أمر موثق ….
ولكن ما يثير الاستغراب هو توفر كل أنواع الزيوت (المستوردة) في الأسواق المحلية ماعدا إنتاج معمل مزج الزيوت التابع لمصفاة حمص…
وللاستبيان توجهت العروبة لمدير المعمل الدكتور صبحي الحسن و الذي أشار إلى أن الطاقة الإنتاجية التصميمية للمعمل 60 ألف طن سنوياً مؤكداً أن حاجة القطر من زيوت المحركات و الآليات قبل سنوات الحرب كانت بحدود 120 ألف طن غطى المعمل نصفها وسوقت منتوجاته في الأسواق السورية وذلك حتى عام 2008 حيث بدأت مشاكل الاستجرار تطفو على السطح رغم وجود ودخول عدد كبير من الآليات إلى البلد و قوة الحركة الصناعية والاقتصادية التي كانت سائدة آنذاك ..وبدون مقدمات و لأسباب مجهولة بدأ الإنتاج يتراجع بشكل عمودي لانخفاض الاستجرار بشكل كبير, وهو أمر يشير لحدوث خلل محدد في آلية التسويق وتحريك المادة ضمن السوق المحلية..
و في عام2011 تفاقمت المشكلة بسبب الظروف التي فرضتها الحرب حيث تراجع الاستهلاك كما تباطأت حركة العجلة الصناعية وبدأت مشكلة تكدس المواد و تراجع الإنتاج و الاستجرار ولكن بشكل عمودي 60 ألف طن إلى 40 ألف ثم إلى 20 ألف طن ..
لكن ومنذ عامين ومع استعادة الأمن و الأمان على أيدي بواسل الجيش العربي السوري في كثير من محافظات القطر استمر التراجع ولم نلحظ أي تحسن يذكر في عمليات الاستجرار و التسويق و التي تعنى بها الشركة العامة للمحروقات ,و التي ترسل كتباً أن خطتها السنوية أربعين ألف طن و لم تستجر من المعمل إلا 10 آلاف طن خلال العام الحالي علماً أن الحاجة الفعلية على مستوى القطر تصل إلى مايقارب 80 ألف طن من الزيوت المتعددة ..
وأكد الحسن أن الإنتاج الفعلي بدأ عام 1976 وصلت الطاقة الإنتاجية إلى 60 ألف طن ومنذ التسعينيات لغاية عام 2007 كان التسويق لأكثر من 45 ألف طن سنوياً
أسباب واضحة و أخرى…!!
وعن الأسباب الواضحة ذكر الحسن أنه فيما سبق كان يعتبر الزيت مادة نفطية محمية لها حصانتها و لم تكن تمنح إجازات الاستيراد بشكل يؤثر على تسويقها محلياً أما بعد أن تم فتح باب منح الإجازات تأثر التسويق بشكل كبير خاصة أن المستورد أرخص بالسعر لكن ما يخفى على المستهلكين أنه ذو نوعية رديئة ..
وأضاف بأن نوعية المستورد غير مضبوطة وهذا الكلام يمكن إثباته بتحليل عينات في مخابر المعمل حصراً ومقارنتها مع المنتج المحلي , مؤكداً بأن الفرق واضح خاصة أن الزيت المنتج محلياً يحقق كل مواصفات معهد البترول الفرنسي
وأضاف بأن الأمر واضح من خلال الأسعار فبرميل الزيت المستورد يدخل بسعر 130 ألف ل.س و بحساب بسيط لأدنى عمليات الإنتاج لايمكن إنتاج زيت جيد بهذا السعر, مشيراً إلى أن 90% من هذه الزيوت مكررة وذات نوعية رديئة يضاف إليها مقدار من رافع اللزوجة لتأخذ قوام الزيت لكن ينقصها كل الإضافات الكيميائية التي يجب أن تكون موجودة لمنع التآكل بالمحركات وحيثيات غيرها…
تكلفة ليتر الخاص 400 ليرة!!
وبسبب مرونة التسويق و الاجراءات في القطاع الخاص وهامش الربح الكبير جداً -فالليتر الواحد يكلف 400 ل.س و هو رقم يستحيل معه إنتاج أي نوع من أنواع الزيوت –
-استطاع الخاص التغلب على المنتج الحكومي…
مؤكداً بأن المعمل بدأ بإنتاج كل أنواع زيوت المحركات و الآليات التي كانت تستورد ووفق المواصفات المثالية مشيراً إلى أن استمرار الاستيراد يضر بالاقتصاد الوطني ,وأضاف إن وقف عمليات الاستيراد من الخطوات المهمة لإعادة منتجنا إلى المنافسة و أكد أنه يجب في حال السماح لجهة ما بهذا الاستيراد أن يكون التحليل حقيقياً و منصفاً و أن تكون المواد مطابقة لمواصفات المنتج المحلي .
إصلاح زيوت مكدسة من سنوات
وعن جديد الإنتاج ذكر الحسن بأن المعمل ينتج حالياً مانع التجمد بنوعية عالية جداً و باستعمال مواد أولية ممتازة و سيطرح بالأسواق مطلع العام المقبل بعبوات سعة ليتر واحد والتسويق عن طريق شركات المحروقات بالقطر
وأضاف: في منتصف العام الحالي تمكنت الكوادر المحلية في المعمل من إصلاح مايقارب 55 طناً من الزيوت المختلفة و التي كانت متكدسة في مستودعات شركة محروقات حمص من فترة تزيد عن عشر سنوات ,وتمت عملية الإصلاح بعد أن كان من المقرر بيعها بالمزاد العلني بحيث لاتتجاوز قيمة الليتر 200 ليرة و بالتالي القيمة الإجمالية للكمية 11 مليون في أفضل الاحوال ,ولكن بعد أن تمت عمليات الإصلاح للزيوت و استعادت مواصفاتها النظامية ,استرجعت قيمتها الحقيقية ليكون سعر الليتر الواحد بحدود 1200 ل.س و القيمة الإجمالية للكمية تصل إلى 66 مليون ل.س علماً أن تكلفة عمليات الإصلاح حوالي 6 ملايين ل.س ,وبذلك تمكنت الكوادر المحلية من خلال هذه الخطوة من توفير عشرات الملايين و حمايتها من الهدر …
التسويق …(خشبي)
وعن العملية التسويقية التي تقوم بها شركة المحروقات ذكرالحسن بأنها شديدة البيروقراطية مشيراً إلى أن مستودعات الزيوت تقع في أطراف المدن و غير متوزعة جغرافياً .
وتساءل الحسن عن المانع من وجود مراكز بيع في المناطق التي توجد فيها كثافة سكانية جيدة مثل مركز المدينة أو مناطق تضم تجمعات سكانية ,ونوه لضرورة عدم حصر البيع بأصحاب الرخص كون الهدف الوصول للمواطن وإجراء عمليات بيع مضبوطة بشكل أكبر مؤكداً بأن البيع المباشر يرفع مستوى التسويق على الأقل بنسبة 50% مشيراً إلى أن عدم المرونة في عمليات التسويق سبب رئيسي لانخفاض انتشار المادة ووصولها لعدد أكبر من المواطنين ,كما يجب توفير المادة في كل محطات الوقود الحكومية على الأقل لشراء مادة موثوقة غير معرضة للغش ..
خسارات بملايين الليرات
وأضاف: إذا كانت (سادكوب) غير قادرة على تغيير سياستها التسويقية نأمل أن تقوم باستجرار خطتها السنوية و تترك للمعمل حرية تسويق باقي الكمية ويفضل اللجوء لطريقة البيع المباشر لضمان عدم غش المادة بأشخاص محددين و المادة مجهولة المصير وغير موجودة بالأسواق ؟؟
مشيراً إلى أن الشركة ترسل طلباً ب 30 أو 40 ألف طن و لم تستجر إلا 10 ألاف و المشكلة أنه في كل مغاسل السيارات بحمص لايوجد زيت من إنتاج المعمل وهذا الأمر يكلف خسارات بملايين الليرات ..
وأضاف بأنه عندما يتم تسويق 20 ألف طن وصلت أرباح المعمل إلى 7 مليارات والرقم يتضاعف عندما يتضاعف الاستجرار و التسويق و هذا كله يصب في الصالح العام.
التخفيض لم يؤت أكله
وتحدث الحسن بأنه وبرغم تخفيض الأسعار سواء للعبوات أو البراميل لكن لم نجد تحسناً يذكر في التسويق حيث خفض سعر العبوة ألف ليرة و البرميل 17 ألف ليكون سعر البرميل 196 ألف ل.س بينما عبوة الزيت سعرها 5300 ليرة ,مؤكداً أن البيع يتم وفق دراسة سعرية دقيقة هامش الربح فيها 5% للمصنِّع و 10% للمسوِّق وهو بقيمته هذه الأرخص مقارنة بالأسعار العالمية ..
الكساد لسنة خسارة 100%
و أكد الحسن أن تخزين المواد الأولية لمدة سنة في المستودعات معناه الخسارة الحتمية حتى لو كان التسويق بنسبة 100% و يجب أن تكون هناك خطوات جدية لتحقيق التسويق وفق جدول زمني صحيح والعمل بعقلية القطاع الخاص وفق جدول زمني محدد.
وأضاف: رغم وجود تعاون إيجابي فهناك بعض القوانين المقيدة..
إيقاف الاستيراد أو الفحص الصحيح
وعن الحلول الممكنة أشار الحسن بأنه من الضروري اتخاذ خطوات جادة إما بإيقاف الاستيراد أو تحليل الزيوت المستوردة بمخابر معمل مزج الزيوت لبيان مدى كفاءتها ,و في الحالة التي ستكافئ فيها مواصفات المنتج المحلي فالفرق السعري سيكون لصالح المنتج المحلي حكماً , و إذا كانت غير مطابقة سيتم إيقافها وبالتالي تعود الأفضلية في الحالتين لإنتاج المعمل كونه سيكون الأقل ثمناً في حال تعادل المواصفات..
لاترويج و لاتسويق !
وقال الحسن :يفضل أن تقوم شركة المحروقات بفتح منافذ بيع أو وكلاء للمادة في أماكن مختلفة قريبة من التجمعات السكانية الكبيرة كونها هي المشرفة على العملية التسويقية مشيراً لعدم قيام الشركة بأي خطوات ترويجية أو تعريفية بالمنتج و صفاته, علماً أنه يوجد حالياً في المعمل مايقارب 12 ألف برميل بالإضافة للزيوت الموجود بالعبوات البلاستيكية و التي يقارب عددها خمسة آلاف طرد من زيوت متعددة الأنواع…
وتساءل عن عدم قيام سادكوب بخطوات مماثلة لما كان يقوم به معمل السماد الآزوتي بتسويق منتجاته عن طريق الجمعيات الفلاحية أو الاعتماد على الوكلاء مثل معمل الألبان
مؤكداً بأن تخطي المشكلة ليس بالأمر الصعب , و غلبة المنتج المحلي في السوق له فائدتان الأولى و الأهم هي ضمان عمل الآليات بشكل جيد و عدم تعرضها للأعطال الناجمة عن سوء نوعية الزيت و الثاني هو تحقيق أرباح للمعمل تعود بالنفع على الاقتصاد الوطني ..
وأشار بأن السيد وزير النفط وخلال زيارته الأخيرة أكد و بموجب كتاب من رئاسة مجلس الوزراء بتغيير آلية العمل و لكن لم نشهد أي خطوات جدية على أرض الواقع..
تسويق بدون سيارات؟!
وذكر الحسن أن عدم وجود سيارات لنقل المادة من المعمل حجة مسؤولي المستودعات ومنها مستودع دمشق الذي يوزع لأربع محافظات دمشق وريفها و درعا و السويداء و هو فارغ لعدم وجود سيارات لتحميل الزيوت من حمص ,وينطبق الكلام ذاته على شركة محروقات حلب التي تحجج المعنيون فيها بذرائع عديدة و النتيجة أن الأسواق تفتقر لوجود المنتج بينما يوجد في المعمل كمية كبيرة من الزيوت بانتظار من يستجرها, وسوء التسويق سبب خللاً و ترك فجوة كبيرة لزيوت أخرى و بسعر منخفض و بجودة متدنية …
حالياً
و أشارإلى أن المعمل في وضعه الحالي قادر على تغطية 70% من الحاجة الفعلية للسوق وفي الخطة المستقبلية بعام 2020 نحن قادرون على تغطية كاملة لحاجة السوق السورية شريطة دراسة المشكلة بشكل مهني .
وتحدث عن النقص الحاد بالأيدي العاملة إذ أن ملاك المعمل 310 و لايوجد إلا 200 من مهندسين و فنيين وعمال وتتم حالياً تغطية النقص عن طريق العمال المياومين وهو حل غير مجد لأن التعامل مع الآلات بحاجة لحرص وخبرة ..
تحقيق وتصوير محمد بلول