صدر حديثا للدكتور عصام الكوسى كتاب جديد بعنوان الضرورة الشعرية مالها وما عليها ، حيث يرى المؤلف أن الضرورة الشعرية تعدّ من أهم المشكلات التي تعتري الشاهد الشعري ولها أثر مهم في بناء القاعدة النحويّة، فهي قضيّة اختلف العلماء في معناها، وفي أسبابها، وموقفهم منها، الأمر الذي ترتّب عليه خلافٌ في التقعيد النحوي، بين التقعيد الشمولي العام، والتقعيد المخصوص للغة الشعر، هذا الخلاف دفع غيرَ واحدٍ من النحاة إلى الاعتماد على الشاهد النثري والشاهد القرآني في استنباط القاعدة النحوية.
ويضيف د. الكوسى :ومع أنّ للشعر منزلة مهمة لدى علماء العربية فقد جرى الخلاف بينهم فيما يحتج به منه، وتبنى عليه القواعد والأصول؛ لأنّه موطنُ الضرورات الكثيرة التي اختلف فيها علماء النحو فيما جاز للشاعر ارتكابه منها وما امتنع، وعقدوا أبواباً خاصة في مصنفاتهم لما يجوز للشعراء ارتكابه ولا يجوز للمتكلم استعماله في كلامه ونثره، كما خصص لها بعضهم كتباً، كالمبرد والسيرافي والقزاز والآلوسي وابن عصفور.
ووقف المؤلف عند معنى الضرورة والدوافع التي أدت إلى ظهورها فهي في معناها اللغوي مأخوذة من الاضطرار، وهو الحاجة إلى الشيء أو الإلجاء إليه,وفي معناها الاصطلاحي يرى أنها أخذت من مصطلحات الفقهاء والمفسرين، إذْ تعني لديهِمْ تَجَاوزَ أصْلٍ، أو قَاعِدَةٍ فقْهيَّةٍ، إذا دعَتْ ضَرورَةُ إلى ذلكَ بشرْطِ ألاّ يُخَالفَ المُضطّرُّ الشَّريعةَ الإسلاميّة. أمَّا الجرجاني فقدْ عرَّفها بقولِه: “الضرورة: النازلُ مما لا مَدْفَعَ له”. أمَّا في اصطلاح النحويين فهي: ” ما وَقَعَ في الشِّعرِ مُخالِفاً للقِياسِ ممَّا لم يَقَعْ لَهُ نَظِيرٌ في النَّثرِ، سواءٌ أكانَ عنهُ مَندُوحةٌ أم لا، ومنهم من قال إنها ما ليس للشاعرِ عَنْها مَنْدُوحةٌ ” .
وعن خصوصية لغة الشعر يقول : من المسلّم به أنّ النحاة أخذوا الكثير من المصطلحات الفقهية كالقياس ، ومن جملة تلك المصطلحات مصطلح الضرورة، الذي لم يتضح لديهم إلاّ بعد أن قطع الاستقراء اللغوي شوطاً بعيداً، إذ وجدوا أن هناك تمايزاً بين لغة الشعر ولغة النثر، وظهرت بدايات هذا التمايز عند الأصمعي وأبي عمرو بن العلاء.
وقال الدكتور إبراهيم أنيس: “مع أن القدماء لاحظوا تلك الخاصية في نظام الشعر لم يحاولوا مطلقاً الفصل بين الشعر والنثر في تقعيدهم القواعد، بل خلطوا بينها، فأدى مثل هذا الخلط إلى اضطراب في بعض أحكامهم”. وقال الدكتور محمد عيد: “النحاة لم يفرقوا بين لغة النثر ولغة الشعر، ولغات القبائل فاعتبروا الجميع اللغة الفصحى، وأخضعوا ذلك كله لمسلك دراسي واحد”.أما الدكتور محمد خير حلواني فقد كان متناقضاً في آرائه، فقد ذهب في كتابه ” الخلاف النحوي ” إلى أنَّ النحاة لم يفرّقوا بين لغة الشعر ولغة النثر، وذهب في كتابه ” أصول النحو العربي ” إلى أنَّ من أصول النحاة المرعية الفصل بين لغة النثر ولغة الشعر.
يضم الكتاب عدة أقسام وهي: تمهيد – الضرورة لغة واصطلاحاً – الأسباب التي دفعت إلى الضرورة الشعرية – أنواع الضرورة الشعرية – الضرورة الشعرية لدى النحاة قبل سيبويه – الضرورة الشعرية لدى النحاة بعد سيبويه – أثر الضرورة في تقعيد النحو العربي .
عبد الحكيم مرزوق