لا ينتبه كثير من الآباء والأمهات إلى طريقة تعاملهم مع أبنائهم فهم قد يولون الرعاية والاهتمام لأحد أكثر من سواه بسبب تميزه أو جماله أو غيرها من الأسباب وهذا التمييز يترك أثره البعيد على نفسية أطفال العائلة مما يؤثر على مشاعرهم وأحاسيسهم وعلاقتهم كأخوة في المستقبل … فلماذا يحدث التمييز ؟
سؤال قد يفاجئ الأهل للوهلة الأولى وقد يجيبون بشكل دبلوماسي : كل أولادنا سواسية ولكن الحقيقة تقول غير ذلك …
سئلت إحدى الأمهات : من تحبين أكثر من ؟ فقالت : الولد الغائب حتى يعود ، والولد الصغير حتى يكبر ، والولد المريض حتى يشفى . وهي بذلك تؤكد أنها تحبهم جميعاً ولكن تهتم أكثر بمن بحاجة لها أكثر .
ولكن الكثير من الأمهات أكدن أنهن ينجذبن أكثر للولد الأكبر لأنه أهداها الأمومة وكذلك يهتممن بالصغير ( آخر العنقود )…
هناك أسباب عديدة للتمييز وهي تختلف من أسرة إلى أخرى فما هي هذه الأسباب كما يراها الأهل ؟؟!
سؤال توجهنا به إلى بعض الأهالي لالتقاط بعض هذه الأسباب :
أبو يوسف قال : معظم التمييز في مجتمعنا يكون بين الصبيان والبنات فالكثير يحبون الذكور ويكون الصبي محط الاهتمام وخاصة إذا كان وحيداً على عدد من الفتيات وهذا يؤدي إلى تهميش دور البنت لتأخذ دور المتفرج بينما أخوها هو المفضل والمميز بالنسبة لوالديه باعتباره المكمل لاستمرارية العائلة .
نسرين الأحمد قالت : الذكاء قد يكون صفة مميزة في الطفل تجعله مفضلاً لدى والديه دون أخوته الآخرين فيصبح هو المهم لدى العائلة فتقارنه مع أخوته حيث نجد الأب أو الأم يقولون لبقية الأولاد : لماذا لا تكونون أذكياء مثل أخيكم ؟ وقد تفعل المدرسة ذلك إذا ما مر نفس الأخوة على نفس الأستاذ فأول سؤال قد يطرحه على الأخ الثاني هو : هل أنت ذكي مثل أخيك ؟ وهذه إحدى الصدمات التي سيتلقاها الطفل خلال حياته .
فاطمة – مدرّسة قالت : أعتقد أن الشكل الخارجي له دور كبير في التمييز بين الأبناء فمن يمتلك شكلاً جميلاً يصبح مميزاً ومفضلاً بينما الآخرون يتفرجون وقد يكون هناك سبب مغاير تماماً وهو أن الطفل قد يعاني من مشكلة صحية ما كالإعاقة مثلا فتجد أن الوالدين يهتمون به اهتماماً خاصاً ويمكن أن يزيد في بعض الأحيان عن الحد المعقول.
ناصر مهنا قال : عادة ما يكون أول طفل داخل العائلة اختباراً للأهل فينجحون معه في أشياء ويفشلون في أشياء أخرى بينما تكون الأسرة مع الطفل الثاني أكثر خبرة وتطوراً عن الأول فيعوضون ما فشلوا فيه في طفلهم الثاني الذي يصبح مميزاً عن أخيه البكر.
احمد الحسين عرض وجهة نظره والتي حددها بالاستثمار العاطفي لتحقيق حلم الوالدين وهذا سبب لا ينتبه له الأهل في أغلب الأوقات فيقوم أحد الوالدين باختيار أحد أطفاله لتحقيق حلمه الذي كان يراوده من قبل ولم يستطع تحقيقه فيحمله مسؤولية هذا الحلم ليشعر بقية الأطفال بأنهم مهملون بجانب الطفل المميز والمختار لهذا الدور .
بعض الآراء قد تلفت نظر القارئ ولا يتوقعها فقد أكدت الكثير من الآراء على أن الخلافات العائلية من أبرز الأسباب التي تجعل الأبوين يتأثران بعملية التمييز التي قد تنشأ مع أطفالهما وهذا الأمر الذي يجعلهما يفضلان أحد الأولاد الذي يشبههما كثيراً ويذكرهما بحالهما ويجعلانه حليفاً لهما وينفران من الطفل الذي يشبه الشريك الآخر وهذا يسبب ما يشبه الحرب العائلية وكذلك يولد حالة كراهية بين الأطفال أنفسهم وهو ما ينتج بسبب تصرفات الأهل اللامسؤولة تجاه أطفالهم وعائلاتهم بشكل عام .
إذا عرف السبب لا بد من الحل أو بالأحرى العلاج فما رأي علم النفس في ذلك ؟
يقول الباحثون في هذا المجال إن ردات الفعل والعوارض المختلفة الناتجة عن هذا التميز تختلف من طفل إلى آخر ( الطفل الآخر غير المميز ) وأولها عدائية الطفل تجاه الآخرين سواء كانوا أهل أو أصدقاء وهذا من أجل لفت النظر إلى احتياجاته وإعطائه بعض الاهتمام الذي يوليه أهله إلى أخيه المفضل ويلفت النظر في هذا المجال أن عدائيته تظهر من خلال رسمه وألوانه وكذلك علاقاته فهو لا ينشىء علاقات مع الأطفال الآخرين لشعوره أنهم سيأخذون منه كل شيء كما فعل معه أخوه المميز وسط أسرته وتجده لا يتأقلم في مدرسته ومع دروسه حتى وإن كان هذا الطفل ذكياً لأن شعور الإحباط الذي زرع داخله جعله يشعر بأنه لا يمكن له أن يكون له فائدة وقدرة على أداء أي فعل وذلك بسبب شعوره الداخلي بأنه مهمل بجانب الطفل المميز وقد يعتقد الكثيرون بأن الطفل المميز يمكن أن يكون أنجح في مستقبله من الولد المغبون ، ربما قد يكون ذلك صحيحاً نوعاً ما إلا أن التمييز كثيراً يمكن أن يحدث شيئاً عكسياً فالثقة بالنفس قد لا تكون في محلها ولا يستطيع النجاح في المستقبل أما الولد المغبون قد ينتفض أو قد يكون الفعل عكسياً حيث تتحطم ثقته بنفسه حتى لو كان طفلاً ذكياً وهذا يتفاوت من طفل لآخر .
يتأثر الطفل الذي عانى من التمييز داخل أسرته مستقبلاً مع أسرته وأخوته وردات الفعل ستخرج منه دون أن يشعر وغالباً ما يكرر ما فعله أهله معه مع أطفاله هو نفسه ، لذلك على الأسرة أن تعامل أطفالها بطريقة متساوية لأن العواقب ستكون خطيرة …
قد لا تحب بنفس الطريقة ولكن يجب أن تعامل بنفس الطريقة والتشبيه بين الأخوة أمر خطير لأنهم بالتأكيد سيكونون مختلفين نوعاً ما ، ولكل منهم ميزاته التي ستميزه عن غيره.
منار الناعمة