انتشرت بشكل كبير دون أية ضوابط … ظاهرة الدروس الخصوصية تستنزف جيوب الأهالي … الأهل بين نيران تحصيل أبنائهم للعلامات ودفع التكاليف الكاوية …

انتشرت ظاهرة الدروس الخصوصية بصورة غير طبيعية لدرجة أنه قل عدد الأسر  التي تعتمد على جهد المدرسين في المدرسة , فهل هي نتيجة لنقص وخلل في واجب المعلمين والمدرسين وتقصير من المدارس أم لضعف المستوى المعرفي للطلاب أم لثقافة أسرية معينة تفرض على أبنائها تحديد مستقبلهم سواء كانت النتيجة فشلاً أم نجاحاً وما يرافق ذلك في ارتفاع لمعدلات القبول الجامعي إضافة لصعوبة المناهج وكثافتها أو ربما جميع الأسباب السابقة مجتمعة جعلتها واقعاً لا مفر منه ويبدو أنه أصبح من البديهيات أن نجد حالياً كثير من الطلاب يهملون تحصيلهم المدرسي ويعتمدون كلياً على الدروس الخصوصية ومنهم من يؤثر سلباً على زملائه في الصف في إحداث الفوضى والشغب ويثير الحساسية والغيرة في نفوس طلاب آخرين لا يستطيعون مجاراة زملائهم في ذلك.‏‏

استطلعنا آراء الطلاب وبعض المدرسين والمختصين  حول أسباب انتشار هذه الظاهرة ومنعكساتها على العملية التعليمية ..

ضغط الأهل

الطالب بهاء الدرويش قال : لقد تعودت على أخذ الدروس الخصوصية لأنها تزيد من فهمي للدروس وللمواد الصعبة فشرح المدرسين لم يعد كافيا  في المدرسة ، وأرغب بتحصيل درجات أكثر تمكنني من دخول فرع كالهندسة أو الصيدلة  في وقت أصبحت دراستهما نوعاً من الأحلام ..

لوتس الأحمد”طالبة”  قالت : لا أؤيدها  فشرح المدرس لمادته يغني الطالب عن الدرس الخصوصي غير أن هناك مدرسين لا يلتزمون بالشرح المفصل للطالب مما يجعل البعض غير قادر على الاستيعاب كون الطلاب ليسوا بسوية علمية أو فكرية متساوية ..

لونا الصقر”طالبة”  قالت : لا أحبذ أخذ درس خصوصي ولكن أهلي أجبروني عليه ويأتون بالمدرسين إلى البيت وبالأجرة التي يحددها المدرس ، ومع ذلك تراجع تحصيلي لعدم محبتي لبعض المواد العلمية ، وهناك بعض من زملائي رسبوا في الثانوية رغم تلقيهم لبعض الدروس الخصوصية قبل امتحان العام الماضي ..  

تجارة مربحة  

غرام عباس  “طالبة حقوق ”  تجاوزت دراستها الثانوية دون دروس خصوصية وقالت عن تجارب بعض الطلاب التي سمعت عنها خلال دراستها الثانوية العامة :أكثر الأحيان تكون الدروس الخصوصية في وقت الامتحان وليست على مدار العام بل قبل الامتحان النهائي بأيام وأسابيع قليلة ، لذلك يستغل بعض المعلمين حاجة الطلاب الملحة قبل الامتحانات ويرفعون أسعارهم لمبالغ كبيرة قد  تصل آلاف الليرات في ساعتين أو ثلاثة,مما يعني أن الساعة الواحدة تصل حتى خمسة آلاف  أو أكثر ومع وجود طلاب يدفعون هذه المبالغ ستصبح الدروس الخصوصية هدفا مربحا وسيزداد سعر الساعة لمبالغ خيالية وسيصبح بعدها من الصعب السيطرة على الدروس الخصوصية وأيضا النتيجة غير مرضية فالطلاب الذين أخذوا دروسا خصوصية في مواد مثل الرياضيات والفيزياء قد لا يسعفهم الوقت لحل التمارين والتطبيقات المهمة فيحصلون على درجات أقل من الوسط .

البحث عن البديل  

عروة العبود  ” طالب ثاني ثانوي”  يرى أن الدروس الخصوصية تدعم الطالب بمعلوماتها العلمية الوافية في المادة التي تواجه صعوبات فيها , لأن المدرس يمنحهم شرحا وافيا ومفصلا ويؤكد على فهم الطالب و يعطيه النماذج المتوقعة للامتحان النهائي ، مضيفا أن الاستفادة من الدروس الخصوصية تعتمد على المدرس أولا فمنهم من يعمد في الدروس الخصوصية إلى الاستفاضة في شرح المادة بطريقة ممتعة وسهلة خاصة أن العدد في مجموعات الدروس الخصوصية محدود مقارنة بأعداد الطلاب في الشعبة الصفية لذلك لابد من البحث عن البديل وهو الدروس الخصوصية .

شرح المعلم غير كاف

مريم المصطفى ” طالبة ثالث إعدادي” أكدت أنها تأخذ دروسا خصوصية لبعض المواد  لأنها لا تستوعب شرح المدرسين فيها ، ونوهت بأنها تستفيد من الدروس الخصوصية لأن نسبة الحاضرين لهذه الدروس قليلة بالنسبة لعدد الطلاب في المدرسة ,فضلا عن أن هناك مدرسين لا يعطوا الحصة الدرسية حقها.. .

مع الأهل

أم جميل قالت : لقد أصبح  الدرس الخاص شيئاً عادياً لدى الكثير من الأهالي ويعتمدون اعتماداً كلياً على المدرس الخاص ، والسبب حسب قولهم إن ظروف العمل لا تسمح بمتابعة أولادهم خاصة مع المناهج الضخمة دراسياً ، مما يضطرهم للجوء إلى الدروس الخصوصية مهما كلفهم الأمر من نفقات مادية ، ولم يعد يقتصر الأمر على طلاب الشهادتين بل تعداه إلى الطلاب في جميع المراحل الدراسية حتى الأولى منها ولجميع المواد ..

أم مجد ترى  أن إعطاء المدرس للدروس الخصوصية خارج الدوام الرسمي في المدرسة يتسبب بتعبه وإرهاقه مما يجعله غير قادر على الإعطاء الجيد  أثناء الحصة الدرسية ،  ويؤثر سلباً على الطلاب  ممن لا يتلقون درساً خصوصياً وليس بمقدورهم  دفع نفقات إضافية هم في غنى عنها وأضافت : نحن أولياء الأمور نشعر- ورغم قناعتنا ورفضنا للدروس الخصوصية – بنوع من تأنيب الضمير تجاه أبنائنا مما يؤثر على نتائجهم  وتحصيلهم لأن كثافة المنهاج وصعوبته تعيق متابعة تدريسهم  لجميع المواد في وقت أصبح فيه الطالب قليل الاعتماد على نفسه في الفهم والاستيعاب لتبدو الدروس الخصوصية وكأنها قارب النجاة! .‏‏

المشاركة في التقصي  

ويرى الموجه الاختصاصي حسن الجبر أن فكرة الدروس الخصوصية تنافي الاستراتيجيات الجديدة للتعليم والتي تعتمد على مشاركة الطالب للمعلم في التقصي والتدريب خاصة في المواد العلمية كالعلوم (فيزياء وكيمياء)والرياضيات والتي تحتاج للتدريبات والمهارات العقلية وهي المواد التي عادة يأخذ فيها الطالب الدروس الخصوصية التي تقوم على تلقين المعلم الطالب للمعلومات لاجتياز الامتحان لا أكثر .

وأضاف : قد يحتاج بعض الطلاب لدروس خصوصية إذا كانت لديهم مشاكل في الاستيعاب فهم يحتاجون لجهد ووقت إضافي ، فليس كل الأشخاص لهم القدرة على الاستيعاب والتحصيل ذاتها ,لذا فان بعض الطلاب يكون من الضروري تلقيهم بعض الدروس الخصوصية وهناك من  يعاني من بعض الصعوبات في التعلم بمعنى أن يكون متفوقا في أغلب المواد ومواد أخرى يجد صعوبات فيها ..

موضة العصر

ميسون عدرة مديرة مدرسة نظير نشيواتي قالت :  إن انتشار ظاهرة الدروس الخصوصية أصبحت موضة العصر ، حيث بات الأهل يعتبرون أنفسهم مقصرين فيما لو لم يضعوا لأولادهم مدرساً خصوصياً لمعظم المواد  على الرغم من أن الطالب إذا داوم في مدرسته وتابع دروسه والتزم بالدوام ليس بحاجة لدروس خصوصية إلا بقدر محدود قد تقتصر على الثغرات البسيطة التي افتقدها الطالب ولم تصله في الحصة الدرسية  ومن السلبيات التي نلاحظها للدروس الخصوصية الإرهاق المادي للأهل و الاتكالية للطالب على المدرس دون الاعتماد على نفسه وإهمال دروس المدرسة ، إضافة لإرهاق الطالب حيث لا يجد وقتا للراحة  أو حتى لمتابعة دروسه في البيت كل ذلك يجعل الطالب يتخبط ويصبح غير قادر على تنظيم وقته وجهده ..

وأضافت : لا ننكر  أن هناك بعض الايجابيات لهذه الدروس  إذا استطاع الطالب أن يحدد ماهو بحاجة إليه و أن لا يعتمد اعتمادا كليا على المدرس الذي من المفروض أن يقتصر عمله على التوجيه والتعليم  لطريقة الدراسة الصحيحة ، منوهة  إلى وجود بعض الطلاب الذين  يشعرون بالحرج والخجل من زملائهم فهؤلاء  بحاجة لمن يقف إلى جانبهم ويدعمهم علميا  وبالنسبة لي اعتبر أن المدرسة  أهم داعم للطالب ومن خلالها يستطيع الطالب أن يحصل على كل ما يحتاجه من العلم والمعرفة والتوجيه .

لا يتجزأ

 رندة السليمان  مديرة مدرسة فداء الخطيب قالت : الدروس الخصوصية ليست بالظاهرة الصحية في المجتمع والدليل على ذلك حصول الكثير من الطلاب في السنوات السابقة وقبل انتشار هذه الظاهرة على علامات كاملة في الشهادتين الإعدادية والثانوية  وهناك أسماء كثيرة لأطباء ومهندسين وغيرهم لم يحصلوا على درس خصوصي واحد  ومن أهم أسباب انتشار هذه الظاهرة حاجة المدرس لمورد رزق إضافي لتحسين وضعه المعيشي ولا يوجد لها من الايجابيات إلا أنها تعوض الطالب الفاقد التعليمي في حال تعرضه لعارض صحي وانقطاعه عن المدرسة لبعض لوقت  أما السلبيات فهي كثيرة أهمها عدم اهتمام الطالب بالدرس لوجود البديل في المنزل أو ضياع وقته بين ما يقوله المدرس في الصف   وبين المدرس الخصوصي مما اثر سلبا على الطالب وزاد من حالات الإهمال واللامبالاة بين الطلاب فالتعليم مهنة ضمير والضمير لا يتجزأ  .

تقوية العلاقة

 المهندسة سلوى العابد مديرة مدرسة سعد بن أبي وقاص للتعليم المهني  أشارت إلى ضرورة ألا يكون توقيت الدرس الخصوص أثناء فترة الدوام المدرسي  أو عقب انتهائه  مما يؤثر على تركيز الطالب الذي يكون في الغالب منهكاً على مدار اليوم و غير مستعد لتلقي المزيد مؤكدة  على  أهمية التزام الطلاب  بالدوام المدرسي  بما  يسهم بتقوية  العلاقة بين الطلاب  ومدرسيهم ، كما يرفع المستوى الدراسي للطالب ومقدار استيعابه للدروس المقررة .

محمد السلامة ” رئيس مكتب التنظيم – فرع نقابة المعلمين بحمص” قال :في السنوات الأخيرة انتشرت ظاهرة الدروس الخصوصية وبشكل كبير.

وذلك لعدة عوامل محيطة بالبيئة المدرسية تجتمع وتتداخل وتؤثر في انتشار هذه الظاهرة دون فصل أحدها عن الآخر.

وبرأيه أن الطالب و أهله يلجؤون إلى الدروس الخصوصية لإدراكهم بضعف مستواه في مادة أو أكثر كما أن للعلاقة بين الطالب والمعلم تأثير في عدم تقبل الطالب للمعلومات من مدرسه في الصف وتوقع الطالب بأن المدرس الخاص سوف يركز على بعض المواضيع أو النقاط التي ستكون مواضيع وأسئلة هامة.

و أضاف :لا اعتقد أن هناك حلول عملية للتخلص من ظاهرة الدروس الخصوصية أو الحد منها بشكل كبير في الوقت الحالي نظراً لتداخل عوامل متعددة ومؤثرة لأن المبررات المختلفة لاستمرار هذه الظاهرة لكل أطراف العملية لا تزال تتصاعد.  

وعن المقترحات التي يمكن أن تحد من هذه الظاهرة قال: التوعية المستمرة للطلاب ولأولياء أمورهم وتعريفهم بالبدائل المتاحة للدروس الخصوصية وأن يكون للمرشد النفسي في المدرسة دور في متابعة الطلاب ضعاف المستوى والتنسيق مع أسرهم ودراسة أوضاعهم والبحث عن الحل الأمثل وتوجيه الطلاب للاستفادة من البرامج التعليمية والندوات والدروس التي يتم بثها على شاشة التربوية السورية وإعادة النظر بالخطة الدرسية وخاصة للشهادتين ومتابعة المدرسين من قبل الإدارات المدرسية لإنهاء المناهج المقررة خلال المدة المطلوبة وتخفيض عدد التلاميذ في الحلقة الأولى ليتسنى للمعلم متابعة التلاميذ بشكل مثالي ومتابعة المعاهد غير المرخصة و إغلاقها من قبل الضابطة العدلية أصولاً.

بقي أن نقول :

ما تم تناوله في تحقيقنا لا يعني أننا ضد أي معلم أو مدرس في تحسين وضعه المادي في ظل الظروف المعيشية الصعبة لكن ليس على حساب أبنائنا  ومستقبلهم..

  إن الدروس الخصوصية  في ازدياد غير معقول والعشوائية التي تنتشر فيها وما يرافقها من فوضى في تحديد أسعار الحصص الدرسية وما يترتب عليها من نتائج قد تنعكس سلباً على إعطاء المدرس ، مما يتوجب وجود الضوابط المحددة لها وضرورة الإشراف عليها وتحديد أسعارها والحد ما أمكن من امتدادها..

بشرى عنقة – هيا العلي  ‏‏

 

المزيد...
آخر الأخبار