المفارقة اللغوية في العناوين الشعرية الشاعــر عبد الكـــريم الناعــم أنموذجاً

تبدو التجربة الشعرية عند الشاعر عبد الكريم الناعم تجربة ثرّةً  بما اكتسبته تلك التجربة من تنوّع مشارب ، واختلاف بيئات و انفساح  في  سنوات العمر منَّ الله بها على الشاعر ــ أدام الله عليه ثوب الصحة ولبوس العافية ــ
ينتمي الشاعر : عبد الكريم الناعم إلى جيل الستينيات من القرن الماضي ، و مع ظهور مدّ  الحداثة التي بدأت إرهاصاتها في سورية مع ظهور نخبة من الشعراء فيما سُمّي بجيل الستينيات ــ وإن كنت لست مع مسألة التجييل الشعري ــ لما له من محاذير وقواعد قد تشذّ في كثير ، أو كثير إلا أنه لابدّ من تأكيد أن شاعرية الناعم لم تتوقف في حدود تلك المسألة ، ومن هنا فإن ما أشير إليه في هذه المقاربة ، إنما هو يظلُّ عالقاً في مجال السطح الذي لا يتعمق في دواخل النصوص الشعرية ، فحالي حال من يتمشّى على شاطىء بحر يتأمل ولا يسبح ، ولذلك فإن توجهي إنما هو الوقوف عند العنوان ، والعنوان في النص الشعري ، أو الديوان إنما يُمثّل البوصلة التي ربما تُحدّد اتجاه النص ومراميه على اختلاف في إمكانية تحقيق ذلك في ديوان كامل قد تتشعب فيه الموضوعات ، مثلما تتباين فيه الرؤى والمواقف ، ناهيك على أن العنوان قد  يأتي في زمن غير زمن إبداع بقية القصائد الشعرية في الديوان نفسه ، وما يعنينا في هذا المقام التوقف عند جمالية المفارقة اللغوية في عناوين مجموعات الشاعر : عبد الكريم الناعم التي قامت على مجازية اللغة ، ــ وما اللغة في أغلبها إلا المجاز ــ كما يقول ابن قتيبة  ، وقد ذكر جيرار جينيت أن شارل غريفل وليوهوك حددا ثلاث وظائف للعنوان هي وظيفة تعيين العمل ، وتعيين محتواه ، وجذب الجمهور ، وتوضيح  ذلك  يمكن أن نوجزه في أن للعنوان ثلاث وظائف هي :  
1ــ  الوظيفة التعينية وهي تُعنى بالتسمية ، وفيها تصبح الأسماء  مجرد  ملفوظات تفرق بين المؤلفات والأعمال الفنية ، فهي رواسم تهدي إلى الكتاب ، ويشترك في استعمالها المؤلف والباحث ، وبياع الكتب و القارىء ، كما أنها وظيفة  لا فرق  فيها بين قديم وحديث ، وبين عنوان  صنعه المؤلف ، وآخر انتقاه  الناشر  
2ــ  الوظيفة الإيحائية : وهي تقوم على توليد المعنى في ذهن القارىء أكثر من توضيحه ، فليست الغاية البيان والتبيين  ، وإنما توليد المعنى من رحم النص.
3ــ الوظيفة الإغرائية : وهي التي يحاول فيها المؤلف لفت انتباه القارىء ، وجذبه من خلال عنصر الإدهاش والإثارة التي يحاول المؤلف فيها أن يستحوذ على الطاقة الفكرية لدى القارىء وذلك بأن « يخاطب  من القارىء ثقافة و ملكات ، ويستعمل من اللغة طاقتها في الترميز ، وليس همّهُ التوصل إلى المضمون أو الشكل بقدر ما تعنيه مفاجأة القارىء» .
ومما سنتوقف عنده عنوان : (زهرة النار) لشاعرنا : عبد الكريم الناعم الذي  جاء بأسلوب الإضافة والجمع بين النقيضين الضدين ، فالزهرة تحتاج إلى الماء ، والماء حاجة الحياة للكائنات الحية ، وهي نقيض النار التي يضيفها الشاعر إلى لفظة ( زهرة ) ، ومن هذا الانزياح تتكشف جمالية  اختيار العنوان الذي يخرق العرف الإدراكي لدى المتلقي بما يحيل عليه من  لا معقولية الجمع بين النقيضين : الزهرة والنار ، ويبدو قريباً من هذا الاختيار ديوانه الموسوم بــ       ( تنويعات على وتر الجرح )  فما يتبادر إلى الذهن للوهلة الأولى من خلال لفظة : (وتر) أن يتجه إلى مفردات تنتمي دلالياً ومعجمياً إلى حقل الموسيقى ، فيما تبدو اللفظة التي ينتقيها الشاعر: (  الجرح )  من حقل مختلف تماماً ، وهو ما يحقق الدهشة ، وجمالية العنوان بما يشير إليه من دلالات إضافية وسَّعت الفضاء النصي الأولي  للقارىء من خلال عتبة العنوان التي  يُمكن أن يُحلّق من خلالها  المتلقي في إثارة تساؤلاته المعرفية كما  تُحفّز فيه الخيال ، وتستثير طاقاته التخييلية لاكتشاف تلك الـ :   (تنويعات على وتر الجرح )الذي يبدو في حالة نزيف يستمطر الناعم  شاعريته بجناحي الخيال والجمال معاً.
د. وليد العرفي

المزيد...
آخر الأخبار