البحث العلمي بجامعة البعث بين الواقع والطموح

إن الوصول للمعلومة الموثوقة ودراسة القضايا المعاصرة وفق منهجية واضحة المعالم هو من أكثر مايهم الطلبة والأساتذة الأكاديميين وكل متخصص في مجاله ولذلك يعد البحث العلمي أداة موضوعية للكشف عن الحقائق وتفنيد البراهين وترسيخ المعلومات واتساع أفق المعرفة المنهجية المستندة على البحث والتمحيص والدليل المنطقي والإحصاء والاستطلاع .

ماهية البحث العلمي
بداية يحدثنا الدكتور حسن المقدم مدير الدراسات العليا والبحث العلمي في جامعة البعث عن البحث العلمي بالقول : البحث يقصد به لغوياً الطلب أو اليقين أو التقصي عن حقيقة من الحقائق أو أمر من الأمور , أما العلمي فهو كلمة تنسب الى العلم والعلم معناه المعرفة والدراية وإدراك الحقائق كما أن العلم يعني الإحاطة والإلمام بالحقيقة وكل ما يتصل بها وبناء على ذلك فإن البحث العلمي هو عملية تقص منظمة باتباع أساليب ومناهج علمية محددة للحقائق العلمية بغرض التأكد منها , أو تعديلها أو إضافة جديد إليها .
ويعتبر البحث العلمي من أهم الوسائل التي تعتمدها الشعوب ودول العالم للنهوض بالواقع الاقتصادي والاجتماعي وكافة مناحي الحياة وأصبح معيار تقدم هذه الدول بقدر ما تنجزه من أبحاث علمية تلبي متطلبات التنمية المستدامة لديها وتقدم خدمات وحلول لمشاكلها إضافة الى حلول لمشاكل تعاني منها شعوب العالم ، كما يؤشر لهذا المعيار ما تخصصه الدولة للإنفاق على البحث العلمي الذي أصبح ضرورة أكثر منه حاجة , ويتابع الدكتور حسن :لاشك أن البحث العلمي في سورية لايزال خجولاً بالقياس مع الدول الأخرى نظراً لضعف الموازنة المخصصة له من جهة والدور التدميري الذي لعبه الإرهاب في تخريب المنشآت البحثية والحيوية في البلد من جهة أخرى , إضافة الى ذلك غياب التعاون والتنسيق بين الجهات العلمية البحثية وبين القطاعات الإنتاجية والخدمية ولذلك فإن وضع خطط البحث العلمي والتي تأخذ بعين الاعتبار الحاجات الفعلية للبلد وربط المراكز البحثية بالمجتمع وترتيب الأولويات أصبح ضرورة ملحة لتحسين بنية الاقتصاد الوطني والتغلب على آثار الأزمة والتحضير لمرحلة إعادة الإعمار وتطوير القطاعات الإنتاجية وفق أساليب علمية متطورة تعتمد على البحث العلمي والذي يفترض فيه أن تكون الجامعات حجر الأساس من خلال تحديد المحاور البحثية في كل كلية , وقسم وتخصص بما يتلاءم وحاجات المؤسسات في مختلف قطاعات الدولة ضمن آليات ربط فعالة وهذا يسهم بدوره في تمويل وتسويق وربط البحث العلمي بحاجات المجتمع والتنمية المستقبلية .
وتجدر الإشارة الى أن القطاع الخاص لايزال بعيداً عن المساهمة الفعالة في تمويل البحث العلمي وهذا بدوره يستدعي تكثيف الجهود لتوضيح أهميته ونشر ثقافة البحث العلمي ضمن خطط علمية مدروسة والأخذ بعين الاعتبار مصالح واهتمامات هذا القطاع والانعكاس الايجابي عليه بزيادة مردوده .
الهيئة العليا للبحث العلمي
وينوه مدير الدراسات العليا والبحث العلمي , للهيئة العليا للبحث العلمي والتي أحدثت بالمرسوم رقم ( 68 ) لعام (2005 ) التابعة لرئاسة مجلس الوزراء كهيئة مستقلة مالياً والتي تسعى لإيجاد آليات الترابط بين الجهات البحثية والقطاعات الإنتاجية والخدمية ورسم السياسة الوطنية للعلوم والتقانة والابتكار وقد لوحظ في الفترة الأخيرة نشاط مميز للهيئة مما يفتح آفاقاً وآمالاً جدية بتحسين واقع البحث العلمي .

معوقات البحث العلمي
ويشير الدكتور حسن لأهم المعوقات التي تواجه البحث العلمي ومنها : قلة النسبة المخصصة من الموازنة العامة للبحث العلمي وعدم التنسيق بين المراكز البحثية وتحديداً الجامعات مع القطاعات الإنتاجية والخدمية و غياب انسجام المحاور البحثية في الأقسام والكليات مع الحاجات الفعلية للمؤسسات الإنتاجية والخدمية وبالتالي يجب أن يكون هناك ترابط فعال وورشات عمل ضمن الجامعة يمثلها معنيون ضمن هذه القطاعات وضرورة إيجاد مكاتب مختصة للقيام بهذا التواصل الفعال والمنتج بين الجامعات والمؤسسات والشركات وعدم تمويل القطاع الخاص للبحث العلمي والسبب غياب ثقافة البحث العلمي وما يمكن أن يكون له من مردود كبير على القطاع الخاص نفسه ولذلك يجب أن تكون هناك مشاركة حقيقية من قبل القطاع الخاص لدعم البحث العلمي بالإضافة الى ذلك لا تقوم المراكز البحثية بتسويق أبحاثها من خلال ورشات العمل والدعايات اللازمة والمؤتمرات العلمية وضعف التعويض للأستاذ المشرف على طالب الدراسات العليا الذين هم بدورهم باحثون وقلة المبالغ المخصصة لأبحاث طلاب الدراسات العليا الذي لا يتجاوز الـ (50000) ل .س إلا ضمن شروط خاصة يمكن من خلالها زيادة القيمة المادية وعدم التحضير اللازم للمراكز البحثية وقدم الأجهزة والتقنيات الموجودة في المخابر البحثية .

عملية إبداعية
أما الدكتور وليد خدام عميد كلية الصيدلة بجامعة البعث يقول : البحث العلمي عملية
إبداعية يقوم بها مختصون من العلماء في مجالات تخصصية مختلفة بهدف تفسير بعض الظواهر أو إيجاد حلول لبعض المشكلات العلمية في المجالات الطبية أو الزراعية أو الاقتصادية و التوصل إلى نتائج تصب في مصلحة الإنسان و المجتمع و البحوث عدة أنواع منها « النظرية – التطبيقية – الوصفية التجريبية » و تأتي أهمية البحث العلمي للباحث باعتباره من صلب عمله طالما يعمل في مجال من المجالات العلمية و بالنسبة للمجتمع فإن أي تغيير في حياة الإنسان من حيث العلاجات التي يتناولها أو المأكولات أو الأدوات التي يستخدمها و كل هذه التغيرات و غيرها تقرر بناء على نتائج البحوث العلمية في هذا الشأن مع التأكيد أن هذه النتائج لا تأتي صدفة بل تعتمد على بيانات و برامج إحصائية بهدف الوصول للتوصيات اللازمة .و يتابع عميد الكلية تعتمد البحوث على دراسة مرجعية من خلال دراسات مشابهة أجريت حول فكرة البحث و ذلك بالاستعانة بالمراجع العلمية التي يمكن الاستفادة منها إما من المكتبات أو من الشابكة للسرعة أو بسبب غلاء تلك المراجع إضافة للاستعانة بالشابكة بسبب حداثة المعلومة و عن معوقات البحث العلمي من أسبابها عدم تخصيص ميزانية كافية مما يعيق تقديم أبحاث علمية ذات فائدة كما لدينا في سورية باحثون على مستوى عال من الكفاءة و المعرفة و العديد منهم سجل أبحاثاً في مجالات عالمية بمختلف المجالات إضافة لذلك عدم توفر المواد اللازمة لإجراء بعض البحوث المهمة إما بسبب الحصار الاقتصادي أو غلاء أسعار تلك المواد
تزايد الاهتمام بالبحث العلمي
و يضيف عميد كلية هندسة العمارة بجامعة البعث الدكتور نضال صطوف بالقول إن الاهتمام بالبحث العلمي يرتبط بالنسبة المخصصة لميزانية البلدان وأهميته تأتي في الميزانية أولاً لأن البحث العلمي هو المسؤول عن نهوض البلدان و تطورها بمختلف القطاعات و المجالات حيث في السنوات الأخيرة أصبح الاهتمام متزايداً بالبحث العلمي في سورية و يقع على عاتق الجامعات الجزء الأكبر من الاهتمام بالبحث العلمي لأنها قطاعات أكاديمية بحثية و علمية ففي كل كلية تفرغ للبحث العلمي كما التفرغ للتعليم و في جميع أقسام الكليات تشكل وحدات تسمى وحدات البحث العلمي تهتم تنظيمياً و إدارياً بالبحث العلمي من حيث الهيكلية و أما عن المعوقات يتابع : هناك بعض أعضاء الهيئة التدريسية الذين لم يقدموا خلال مسيرتهم التدريسية أي بحث علمي خاص بهم و بالتالي يؤثر على إمكاناتهم كمشرفين على أبحاث رسائل الدراسات العليا و عدم ربط الجامعة بالمجتمع بشكل مدروس و عدم اهتمام الجهات المعنية ببحث ما يقلل من الاستفادة من البحث وتنفيذه على أرض الواقع .
الحاضنة التكنولوجية
و يشير عميد الكلية إلى ما يسمى بالحاضنة التكنولوجية و التي تقوم بربط الجامعة كجهة بحثية بالقطاع الصناعي من خلال المدينة الصناعية و مديرية الصناعة لتقديم الأبحاث أو الحلول أو المعالجات المناسبة للمشاكل التي تعترض القطاع الصناعي و تطويره و حاليا يتم إعادة النهوض بهيكلية تلك الحاضنة و هذه الحاضنة هي جهة إدارية تابعة للجامعات تعمل كصلة وصل و منسقة قانونية بين الجامعة و القطاع الصناعي
و لا شك أن هناك بحوثاً تعتبر رائدة و مميزة بالإضافة إلى اهتمام وزارة التعليم العالي بالبحث العلمي من خلال كتاب السيد وزير التعليم العالي لترشيح مجالس الكليات لمشاريع التخرج و الأبحاث العلمية و رسائل الدراسات العليا المميزة , و من ثم فرزها للوزارات و الجهات المعنية المختصة بكل بحث
التشبيك مع القطاعات الإنتاجية
و من خلال ما استعرضناه لا بد من النهوض بالبحث العلمي من خلال التشبيك مع القطاعات الإنتاجية بما فيها القطاع الخاص و الشراكة بشكل فعلي و زيادة ورش العمل و المؤتمرات العلمية بحضور أصحاب الفعاليات و الشركات والمؤسسات إضافة إلى زيادة الايفادات التي لها طابع بحثي سواء لأعضاء الهيئة التدريسية أو طلاب الدراسات العليا لما لها من قيمة مضافة و انعكاساتها على عملية البحث العلمي بشكل خاص و الذي بدوره ينعكس على المجتمع بشكل عام وتطوره و نهوضه الاقتصادي بالشكل الذي يلبي حاجاته الفعلية و الأساسية و ضرورة تشجيع المستثمرين للقيام بدورهم الوطني بغض النظر عن المردود المادي كتحصيل حاصل .
رهف قمشري

المزيد...
آخر الأخبار