يبدو أن قصيدة النثر لها الحضور الأوسع في المشهد الشعري عندنا ليس في سورية فحسب بل و في البلدان العربية الأخرى بعيداً عن هوية هذه القصيدة التي لا يعترف بها البعض و يصفونها بالنثر الفني و أنها ليست شعراً بينما يستميت مريدوها في تثبيت هويتها و نسبها إلى الشعر .
مناسبة هذا الكلام صدور مجموعة شعرية نثرية للشاعرة هيام جابر عبدو هي مجموعتها الأولى و كنا في هذه الصحيفة قد نشرنا لها عدداً من القصائد النثرية، و قصائد الشاعرة فيها ما يميزها عما يصدر بغزارة هذه الأيام ،تحت عنوان قصيدة النثر.
ثمة لغة صافية رقراقة مفرداتها مختارة بعناية سهلة لكنه السهل الممتنع كما يقال وثمة عبارات رشيقة وصور شعرية جميلة فالموضوع الغالب هو موضوع الحب و ثمة من تخاطبه الشاعرة تعطيه الحب بمفهومه الإنساني و بكل ما يحمله هذا الحب من حنان و تضحية و ألفة و عذاب ودموع و ابتسامات الفرح و حزن ..الخ
و من قصيدتها أيها الحب نقرأ :
في ذمة الله أيها الحب
أشيعك لمثواك الأخير
بدموع غزيرة و قلب مكلوم
كنت ولداً مدللاً علي
أعطيك كل ما أملك
شاكستني و أتعبتني
و من الواضح أن بعض القصائد أقرب إلى الخواطر و ينقصها التكثيف اللغوي و عناصر القصيدة النثرية بينما بعضها الآخر يرتقي إلى مستوى الشعر بجدارة ،من قصيدتها أمل نقرأ :
فنجان قهوتي
ينبئ بالغياب
خطوطه المستقيمة
نذير رحيل عطر الهال
أكثر من صورة لافتة تمثل التعلق بالأمل فثمة ما تريده الشاعرة وهي لا تنفك تبحث عنه ولو في نبوءة العرافة مشهداً له عناصره الجمالية : الشاعرة و العرافة و فنجان القهوة ثمة عتب وحرمان وعذاب .. تنضح بها الكثير من قصائد الشاعرة فالآخر الذي تخاطبه لايرد بشيء ، على ما يبدو ، وهي تسرد معاناة تمتزج بالأماني وتندب حظاً عاثراً أو تنتظر شروقاً لتشرق حياتها .. نحس بصدق معاناتها ، ونتعاطف معها .
من قصيدتها / ألم / نقرأ :
سأعيش خذلان هجرك بترف
فقد كان حبك ترفاً
سأرتدي الفرح قناعاً
فوجهي الذي تعود على الإشراق بك
لا يليق به الحزن
وثمة قصائد هي ( ومضات شعرية ) تمثل مشهداً سريعاً خاطفاً كما في قصيدة ( أكرهك ) لكنه الحب الذي يخفي نفسه وراء الكراهية ..ويدهشنا هذا النص الشعري بشفافيته :
قلت أكرهك
نظرت لعينيك.. ارتسم قلبك
وإذا به أنا
قلت وداعاً .. كذبتك عيناك
بدمعة تتوسل الوصال
وهذا الآخر له حضوره الطاغي ، كما لغيابه . فإذا حضر حضرت الحياة بكل ما تعني : فرحاً وضياءً وعطراً من قصيدة /ضياء القمر / نقرأ :
أبكل هذا الفرح أتيت
أيها المصنوع من ضياء القمر
ولون الفرح
أقواس أعراس ومهرجانات طرب
كل أسلحتك عطر..
إلى فضاءات واسعة تأخذنا الشاعرة هيام جابر عبدو فيها الفرح والحزن ، الدهشة والأمل ، إنها تطهر قلوبنا من الصدأ وتزرع في أرواحنا عشق الحياة..
تهمس كلمات للآتي .. الذي يبزغ فجره أنقى وأجمل . إنه الهيام .. وللشاعرة من اسمها نصيب كبير.
عيسى اسماعيل
المزيد...