كنا أكثر من ثلاثمائة طالب وطالبة في السنة الأولى في قسم اللغة الانكليزية بجامعة دمشق ، منتصف سبعينيات القرن الماضي كان للجامعة هيبتها – ولا يزال – وأغلبنا من المحافظات والمدن الأخرى ، وكنا نقيم في المدينة الجامعية بأجر شهري رمزي هو خمسة وعشرون ليرة سورية سنظل حتى أمد بعيد نفخر أن التعليم والخدمات الصحية في سورية بالمجان .
ولعلي هنا أريد التحدث عن أساتذتنا في القسم ، الذين ساهموا بشكل أو بآخر في إحداث أقسام للغة الانكليزية في الكثير من الجامعات العربية وعملوا كأساتذة فيها . فهذا القسم من أقدم أقسام ( اللغة الانكليزية وآدابها ) كما هو اسمه الرسمي ، في الجامعات العربية بعد جامعة القاهرة وثمة أساتذة كبار منهم الدكاترة ياسر الداغستاني وزهير سمهوري وعادل العبد الله وموسى الخوري وغسان المالح وهاني الراهب .. رحم الله من غادرنا منهم إلى الدار الآخر، وأمد الله عمر من بقي منهم على قيد الحياة وهؤلاء الأساتذة خريجو جامعات انكلترا ولا سيما جامعتي لندن ومانشستر.
كانوا الجيل الأول من أساتذة قسم اللغة الانكليزية , وعندما بدأ تأسيس أقسام لهذه اللغة في جامعات الأردن ولبنان ودول الخليج استعانت هذه الدول بالأساتذة السوريين لتأسيس الأقسام والتدريس فيها والحق يقال إن السوريين ساهموا في النهضة العلمية والتربوية بشكل فاعل في العديد من البلدان العربية ، وهذه حقيقة يذكرها أشقاؤنا العرب عند الحديث عن التربية والتعليم .
في الأسابيع الأولى لبدء العام الدراسي لم نكن نحن الطلبة الجدد نفهم إلا اليسير مما يقوله الأساتذة فهم يتكلمون الانكليزية ويشرحون الدروس بها .. واحتاج الأمر لأكثر من شهرين أو ثلاثة حتى أصبحنا نفهم ونتابع إلى حد كبير الدروس التي كانت عن القواعد واللغة والرواية والشعر .
ثمة أستاذ جامعي شهير كان يدرسنا هو الدكتور ياسر الداغستاني ، من حمص ، كان مرجعا ً في الرواية الانكليزية وتاريخها ، وكان يدرس أيضا ً في الجامعة الأردنية والجامعة اللبنانية وطيلة وجودي في الجامعة لم أسمعه يتحدث بالعربية ، سوى مرة واحدة لن أنساها ، ففي أحد الأيام وجدت نفسي أطرق باب مكتبه وأدخل وأنا أشعر بالخوف والرهبة وشرحت له أنني لا أفهم مايقوله الأساتذة، فهل هذا الأمر سوف يستمر… وبماذا ينصحني .
بدأ الكلام بالعربية وقال ( عليك أن تستمر إذا كنت متحمسا ً .. وبعد أسابيع سوف تفهم كل مانقوله ..!!).
ثم تابع باللغة الانكليزية يشجعني وأن أمضي وقتي بين المعاجم وعلي أن أحفظ كل يوم معاني العديد من الكلمات .. وقال إن علي أن أمضي على الأقل ثماني ساعات دراسة في المنزل وأن أتحدث باللغة الانكليزية لنفسي ويفضل أن أقف أمام المرآة خلال ذلك !! .
وعملت بنصيحته وكانت النتيجة جيدة ، اليوم أتذكر الدكتور الداغستاني الذي انقطعت أخباره عني فهو تقاعد منذ سنوات ، وأذكر أنه قد كلفنا بدراسة رواية (مرتفعات ويذرنج) وكتابة دراسة عنها (بالانكليزية طبعا ً ) وما أذكره أن طالبة من حمص اسمها /صباح أحمد/ نالت أعلى درجة لدراستها ، وهي كانت زميلة دراسة وزميلة المهنة في التدريس وأختا ً كريمة توفاها الله قبل أسابيع قليلة .. رحمها الله تعالى .. وألهم زوجها وأبناءها وبناتها الصبر والسلوان ….
عيسى إسماعيل