استطاع الفنان جواد عكلا من خلال تجربته الغنية والطويلة في عالم المسرح ، أن يسجل حضورا مميزا ” كممثل ومخرج ومعد” في الأعمال التي قدمها عبر مسيرته الفنية والتي أظهرت مدى تمكنه من أدواته التمثيلية والإخراجية ليبدع في المسرح ومجال دراسته في ميدان البحث الأثري..
مخزون معرفي
حول تجربته المسرحية قال : قبل 25 عاما كانت البداية مخرجا لعرض ( الشفق )عن نص للكاتب الاسباني فرناندو اردبان للمسرح الشبيبي والذي أعتبره الخطوة الأكثر جرأة في حياتي ،وهي الدخول في عالم الإخراج مبكرا لأن الإخراج يحتاج إلى مخزون معرفي وفني كبير أو رؤية من زاوية ما لمسألة أو قضية اجتماعية ما ، تبدأ بماذا يريد أن يقول المخرج أولا ومن ثم يتداعى الشكل الفني وفقا لرؤيته البصرية وأسلوبه كمخرج ، فنرى هذه الأفكار تتجسد في عالم متناغم يرسمه ويبتكره بنفسه ولكنه منسوج من مبدعي العرض ، انه عمل فريق بامتياز , وحين يتعلق الأمر بعملي كممثل اشعر حين أقوم بأي دور يبقى الممثل في داخلي مرهونا برؤية المخرج ولكنني أميل إلى تقديم الدور أكثر بكثير من العيش فيه أي أننا والجمهور نعي وندرك أن ما يحدث أمامنا لعبة فنية يأخذنا إليها فريق العرض ، كل ذلك يتطلب ممثلا متمكنا من أدواته عبر صوته وحركة جسده ومخزونه المعرفي وذاكرته الانفعالية وذلك بحاجة إلى تدريب مستمر من قبل الممثل مهما كان موهوبا ويمتلك حضورا مسرحيا عبر تمارين للجسد للحفاظ على حيويته ولياقته الدائمة وتدربه أيضا على الإلقاء واستخدام طبقات متعددة في الصوت وقبل كل شيء متابعته المستمرة وقراءاته المتعددة لعلم النفس والدراسات التي تخص السلوك الإنساني ليكون جاهزا لأن يلعب أي دور يسند إليه ، أما الإعداد المسرحي فهو العمل على النص الأساسي لإنتاج نص جديد للخشبة فالمسرحية تبقى نصا مسرحيا أدبيا مادامت على رفوف المكتبة لذلك ما أقوم به هو عمل المخرج المعد للخروج بنص يتكامل تركيبه الدرامي استنادا إلى رؤيتي كمخرج والحلول الإخراجية التي اعتمدها ، أما عملي على النص يتضمن شغلا على صياغة الحوارات ولكنه يتضمن احتراماً لمساحة الكاتب وحقي كمخرج في صياغة ماهو على الورق وما يمكن مشاهدته في العرض المسرحي .
مشاريع مفصلية
وعن الجديد في أعماله ومشاريعه القادمة قال : هذا العام مليء بالعمل والأمل في انجاز عدة مشاريع مفصلية في حياتي على المستوى الفني والبحثي.. وعلى صعيد العمل المسرحي أقوم حاليا بإجراء التدريبات على العرض المسرحي (نهاية اللعبة ) تأليف صمويل بيكيت ، من إعدادي وإخراجي لصالح نقابة الفنانين بحمص ، يشاركني ممثلا المسرحي الصديق أفرام دافيد ، ويساعدنا في المجال الفني والتقني الأستاذ عماد الأقرع استعدادا للمشاركة في فعاليات احتفالية يوم المسرح العالمي ابتداء من السابع والعشرين من آذار القادم والتي سيقيمها فرع نقابة الفنانين بالتعاون مع مديرية المسارح والموسيقا (دائرة المسرح القومي ) ومديرية الثقافة بحمص ، وجمهورنا يستحق أن نقدم له تجارب متنوعة على مستوى الشكل والفرجة المسرحية ، التي أؤمن أنا وزملائي الذين يعملون الآن في الوسط المسرحي ربما نستطيع خلق ألوان متعددة يتذوقها الجمهور بدلا من أن نتشابه في أساليب وأشكال فنية (رائجة )على الرغم من تنوع النصوص المقدمة وعناوينها ، وفي النهاية التجربة مرهونة بنتائجها على المستوى الفني وتقييمها نقديا وجماهيريا.
يدعو للتفاؤل
وعن رأيه بالحركة المسرحية في حمص قال : من خلال متابعتي للحركة المسرحية في حمص حاليا لا سيما عروض المسرح القومي وعروض عدة فرق يشارك معظمها في مهرجان حمص المسرحي ومهرجان يوم المسرح العالمي سنويا ، نستطيع القول بمجرد وجود مهرجانين مسرحيين في عام واحد والمشاركة الفعالة من هذه الفرق وغالبيتها من تجارب شابة والحضور الجماهيري الكبير هو أمر يدعو للتفاؤل ، وثمة شيء ايجابي وهو التعاون الوثيق بين الجهات المعنية بالفن الذي ينعكس على عدة مستويات و محاولة جادة لإتاحة الفرصة للجميع وإزالة ما يمكن من عقبات ، فبدأنا نسمع بأسماء كتاب ومخرجين وفرق جديدة ربما لا تمتلك الخبرة الكبيرة ولكنها تمتلك الحماس وشغف المسرح وسيصقلها الوقت والاحتكاك والتجارب المتعددة ، كما أننا نشاهد العديد من الأجيال تساهم في خلق المناخ المسرحي بوجود لجان لقراءة النصوص ومشاهدة العروض مؤلفة من مسرحيين محترفين ومؤثرين في الحركة المسرحية السورية وتاريخهم المسرحي الطويل لاسيما في المهرجانات المسرحية العربية والعالمية إلى جانب الموسيقيين المبدعين ولهم دور في تقييم التجارب المسرحية عبر حوارات ونصائح وتقديم وجهة نظرهم النقية لوصول العروض إلى الخشبة ضمن الظروف المتاحة إذا كانت تحمل سوية أو رفض ماهو دون المستوى المقبول ، واعتقد أن وجود هكذا لجان بخبرتها سيساهم في الحفاظ ما أمكن على سوية النشاط المسرحي في حمص واكتساب المهارات الفنية إخراجا وتمثيلا و في التأليف المسرحي كما شاهدنا حضور الفنان التشكيلي على الساحة المسرحية للمشاركة في الإضاءة النقدية على سنوغرافيا العرض وكل ما تحدثنا عنه يعتبر رافعة وإغناء للحركة المسرحية وأخيرا نتمنى أن يتم حصر المشاركة للمخرجين في المسرح القومي بأصحاب التجربة الاحترافية الطويلة لأن المسرح القومي عنوان المسرح السوري وواجهته على العالم ونشعر بالفخر حين نسمع أو نقرا عن صدى عروضه في المهرجانات الدولية وحصدها لجوائز في الإخراج أو التمثيل بوجود فرق عربية وعالمية كبيرة منذ أكثر من نصف قرن حتى اليوم ، لذلك ينبغي أن تبقى عروضه ضمن هذا السياق وان تكون التجارب الشابة أسوة بالمسرح القومي بدمشق في إطار الدعم ولكن تحت عنوان مسرح الشباب .
تنقيب وسبر
وعن العلاقة بين عمله المسرحي وميدان البحث الأثري قال : فن المسرح وميدان البحث الأثري كمن يبحر في ذات اليم .. كليهما تنقيب وسبر في التجربة الإنسانية ..احدهما في عمق الماضي والآخر في عمق الحاضر .. والكشف سر الإبحار …وهما عشقي الدائم الذي لا يخبو وهذا أمر طبيعي من شخص تنفس المسرح ويعمل في الميدان الأثري في أرض الحضارات ومنبع الفن منذ آلاف السنين ، وعلى المستوى البحثي أقوم حاليا بالتحضير لرسالة الماجستير في قسم الآثار بجامعة دمشق تخص مسرحنا السوري من الجانب الأثري منذ القدم وإحدى مراحل تاريخه الطويل بعنوان ( الأقنعة وفن التمثيل الدرامي في سورية خلال العصر الروماني ).
يتجاوز الصعوبات
وعن الصعوبات في العمل المسرحي قال : المسرح أحد القطاعات الثقافية الهامة وقد تأثرت مؤسساته بالحرب التي تشن على بلدنا كباقي القطاعات الأخرى وبالتحديد ما يتعلق بتأمين مستلزمات العروض وتكاليفها والإمكانيات المتاحة ضمن الظرف الراهن ، وذلك بطبيعة الحال ينعكس على الفنان وما يستطيع تقديمه والأعباء التي يكابدها في انجاز العروض ، علما بأن معظم العروض التي تقدمها مديرية المسارح والموسيقا ونقابة الفنانين ونشاطات مسرح الهواة والنوادي الفنية دون ريعية وهذه المؤسسات تفتح أبوابها للجمهور وتقدم كل ما باستطاعتها لجذب المتفرج وتفعيل الحركة الثقافية ، لأن الجانب الثقافي حاجة إنسانية إلى جانب الحاجات الملحة في الحياة والفنان المسرحي الحقيقي يتجاوز الصعوبات ويسعى جاهدا لتقديم هموم الناس ومعالجتها بفنه الملتزم بغض النظر عن المردود .
هيا العلي