أصبح التعليم العالي أكثر أهمية كجزء رئيسي لكل فرد ، وبالتوازي مع ذلك أصبحت الدراسة الجامعية أكثر سهولة من حيث عدد المؤسسات التعليمية والتسهيلات التي تقدمها الدول لطلابها ، كي يكملوا دراستهم الجامعية . ولكن مع انتشار التعليم الجامعي برزت الى الواجهة ضغوطات كثيرة يواجهها الشباب ، ومنها هاجس الفشل في الدراسة ، وذلك بسبب انخفاض نسب النجاح في مختلف الكليات في السنوات الأخيرة بشكل كبير وملحوظ وانطلاقاً من ذلك كان لابد من معرفة الأسباب لكل من الطلبة والاستاذة الذين هم صلب الموضوع .
مع الطلاب
استمزجنا مجموعة من الآراء مع الطلبة على مختلف اختصاصاتهم لنسمع همومهم ومخاوفهم حول هذه المشكلة .
يقول طلاب كلية الكهرباء والميكانيك : بعض الأحيان قد يحصل سوء فهم ما بين الدكتور والدفعة التي يعطيها المحاضرة ، فعلى سبيل المثال هناك بعض الدكاترة اذا سألناهم السؤال التالي:
(لماذا تأتينا الأسئلة ، من أسئلة الدورات السابقة ) هنا يصب الدكتور جام غضبه على هذه الدفعة ، فيضع مثلا أسئلة صعبة ، أو غير منطقية أو تصعيب سلم التصحيح ، فتكون نسبة النجاح في تلك الدفعة متدنية، بعض الدكاترة عند تكرار الطالب بالأسئلة للمادة ، تجعل دكتور المقرر يحس بالملل وعدم الرغبة بالإجابة على الأسئلة وطبعاً المبررهنا لدى أستاذ المقرربالقول للطلاب لو أنكم تحضرون مادتي لما سألتم هكذا أسئلة ) وبالتالي ينعكس سلباً علينا عند تقديمنا للامتحان ، مما يؤدي الى الرسوب في نفس المادة لعدة دورات ناهيك عن أن هناك عدد من الطلاب يجب أن يتخرجوا منذ سنتين وهم مازالوا في السنة الثالثة حتى الآن لتلك الأسباب ، بالإضافة الى التوتر الذي يفرضه المراقبون أثناء المراقبة كما أن القرار الجديد الذي صدر بخصوص الطلاب المستنفذين وهو تحويل الطالب من عام الى موازي في حال ترفعه بعد الاستفادة من مرسوم المستنفذين الأمر الذي أثر سلباً علينا نحن الطلاب من الناحية النفسية والمادية ، علماً أن معظم الطلاب ليس لديهم المقدرة المادية فيما اذا حولوا للموازي حيث هناك أعداد كبيرة من الطلاب المستنفذين .
ومشكلة النظام الفصلي من أهم مشاكل الطلاب أيضاً ويقصد بها ( لا يحق للطالب أن يقدم المواد التي حملها في الفصل الأول من السنوات السابقة إلا في الفصل الأول ، كذلك الأمر بالنسبة لمواد الفصل الثاني ) وبعدها يتم جمع مواد الفصلين ليقدمهم الطالب في فصل ثالث بشرط أن تكون المواد المحمولة في الفصلين أقل من ثماني مواد ويتابع الطلاب : بعد أن جاء قرار المستنفذين في الفصل الثاني انعكس سلباً على من لديهم مواد من الفصل الأول فقط ، وبذلك يكون الطالب قد خسر عاماً دراسياً كاملاً .
وهذه أحد الأسباب التي تدفع الطلاب للتفكير بعدم إكمال الدراسة الجامعية وبالتالي الحل الآخر هو الهجرة.
أما طلاب كلية العمارة والمدني ، يعلقون بالقول : بعض طلاب الجامعة بالكاد يتمكنون من توفير المصاريف الأساسية للجامعة الأمر الذي يؤدي إلى تثبيط عزيمتهم وربما تصل تلك الضغوط المادية الى ترك الطالب لجامعته لتأمين عيشه وعيش عائلته وبالنسبة لطلاب كلية الزراعة فإن مزاجية بعض الأساتذة واختيارهم أسئلة غير شاملة يصعب على الطالب معرفة مايريده أستاذ المقرر ، ويضيف الطلاب : بمختلف الجامعات هناك انخفاض ملحوظ في نسب النجاح بالعديد من المقررات والأمر غالباً مرتبط ليس بالمقرر ومايحويه وإنما مرتبط بمدرس المقرر وسلم تصحيحه وطريقة تصحيحه للمقرر .
و يعقب طلاب كلية البتروكيميا بالقول : يعاني الطالب في المرحلة الجامعية بداية من صعوبة فهم المقرر وثانياً في فهم دكتور المقرر فذاك الذي يركز أول المحاضرة و الثاني على آخرها و ثالث على أسئلة الدورات و هنا يتشتت الطالب هل يركز على فهم المقرر ليكون بارعاً في اختصاصه أم على ما يريده دكتور المقرر ليكون بارعاً في جني العلامات بالإضافة إلى نقطة هامة و هي في حال تغيير الدكتور لمقرر ما تختلف نسبة النجاح و هذا يقودنا لمعرفة أن تدني نسبة النجاح تعود بشكل رئيسي إلى الدكتور و طريقته في وضع سلم التصحيح .
ولطلاب كلية الآداب همومهم أيضاً حيث يقولون تبقى نسب النجاح النداء الذي تنادي به حناجر الطلبة منذ خضوعهم للامتحان الأول في مسيرتهم الأكاديمية وصولاً إلى آخر امتحان في الجامعة و يعقب أحد الطلبة : أرى من خلال تجربتي في الجامعة أن هذا غيض من فيض فليس كل من لا يجيد الرقص يقول أن الحصيرة عوجاء و لكن لا ينفي وجود بعض من النسب المتدنية لبعض المقررات و من أهم الأسباب عدم التزام بعض الطلاب بحضور المحاضرات مما يجعلهم بعيدين عن فهم المضمون للمقرر و ابتعاد الطالب عن الكتاب الجامعي و اعتماده على الملخصات المكتبية المجتزأة و أسئلة الدورات المتكررة ناهيك عن سلالم التصحيح المعقدة التي يضعها عضو الهيئة التدريسية للمقرر و التي لا تتناسب مع المعايير المنطقية للمقرر بالتوازي مع ذلك عدم اتباع بعض الدكاترة للطرائق المنطقية في تصحيح الأوراق الامتحانية كما ان ظروف الحرب التي مرت بها سورية هي سبب من جملة الأسباب التي أدت إلى تدني مستويات النجاح في الجامعة ¸بالنسبة لإيجاد حل لهذه المشكلة يجب على الطاقم الإداري أن يركز اهتمامه على وضع لجنة مختصة بمعالجة القضايا الامتحانية و مناقشة كل شكاوى الطلاب بطريقة منطقية واضحة ووضع سلالم تصحيح كل مادة بمتناول الطلبة و معاقبة كل من يحاول الاتجار بأية مادة علمية مهما كانت الطريقة لتبقى العملية التعليمية في جامعاتنا محافظة على المظهر العلمي اللائق و الذي يكفل بإنتاج مخرجات متميزة تندمج بواقع العمل بطريقة صحيحة
مطلب عام
و قد أجمع الطلاب الذين استمزجنا آراءهم بمطلب مفاده : ضرورة إنشاء لجنة لتدقيق نسب النجاح منفصلة عن لجنة رصد المواد و إحالة أي مقرر تكون نسب نجاحه أقل من 20 % إلى إعادة التصحيح ووضع سلم جديد للتصحيح و نشر سلالم التصحيح للمواد في المكاتب و إنشاء لجنة تدقيق في كل جامعة مهمتها متابعة تدقيق كل لجنة من لجان الكليات و استقبال الشكاوى
المبررات
و بنفس الوقت استمعنا إلى آراء بعض الدكاترة حول تدني نسب النجاح في الجامعة و ما هي مبرراتهم و الحلول و معالجتها
يقول عميد كلية العمارة الدكتور نضال صطوف : نلاحظ تدني نسب النجاح في بعض الكليات ليصل ما بين « 3-5-10-15% » وأخرى على العكس النسب عالية و يعود ذلك إلى عدة أسباب منها استهتار نسبة كبيرة من الطلاب بحضور المحاضرات و اعتمادهم على الدروس الخصوصية ،واستهتار بعض المدرسين بتقنية إعطاء المحاضرة و جذب الطالب لحضورها بالشكل اللائق و المعاصر لتقنيات التدريس .و كحل لهذه المشكلة يجب أن تكون هناك حملات توعية من قبل اتحاد الطلبة و إدارات الكليات و متابعة الحضور من قبل بعض اللجان للطلبة بمعنى “ التشديد و التشجيع “ و محاسبة المقصرين و خاصة من يعطون الدروس الخصوصية والاعتماد من قبل أعضاء الهيئة التدريسية على المهندسين المساعدين بشكل كلي وليس جزئي .
ويضيف الدكتور عبد الهادي كاخية النائب العلمي بكلية الزراعة : إن تدني نسبة حضور الطلاب للمحاضرات النظرية من أهم الأسباب أما المحاضرات العلمية فيجب أن يحقق الطالب نسبة الحضور فيها بالإضافة الى اعتماده على أسئلة الدورات . كما وجهنا بعض الدكاترة لتغيير نمط الأسئلة في بعض المقررات بالإضافة الى تبديل عدد من الأساتذة بشكل كامل لبعض المواد لرفع نسب النجاح مثل مادة الكيمياء العامة التي كانت نسبة النجاح فيها ( 20 %) .
يعقب الدكتور أنور رمضان ( قسم البيئة بكلية الزراعة ) : من أهم الأسباب المستوى الضعيف للطالب وقلة الحضور التي تؤثر سلباً على مستواه العلمي ، اعتماد الطالب على أسئلة الدورات المحلولة وحصوله عليها من المكتبات والتي تكون الأسئلة فيها محلولة من قبل بعض الطلاب دون الرجوع الى أستاذ المقرر والتأكد من صحة المعلومة والتي تكون غالباً خاطئة , أو غير مستوفاة للجواب , أو المعلومة التي يريدها الدكتور تكون غير موجودة في الأجوبة بالإضافة الى أمر مهم وهو له علاقة بالظرف العام الذي تعرضت له سورية من جراء الحرب سواء بالنسبة للكهرباء أو عدم توفر الانترنت وقلة وسائل النقل بالنسبة لأبناء الريف وقلة التمويل من قبل الجامعة للتجهيزات التي تساعد في شرح المحاضرات كما أن بعض الدكاترة لا يعطون المحاضرة بالشكل المطلوب والكامل كما أن نسب النجاح تكون متدنية أكثر في السنتين الأولى والثانية .
ونسبة الرسوب عند الذكور أعلى من الإناث والسبب الرئيسي ( تأجيل خدمة العلم ) وهناك أمر مهم وهو أن بعض الدكاترة تقليديين في اعطاء المحاضرة بعيداً عن التطور التكنولوجي والعلمي الحاصل , كما أن لتردي الوضع الاقتصادي للدكاترة , الدور الهام , والذي ينعكس سلباً على الطلاب , وهناك بعض الطلبة الذين لا يملكون مورداً مادياً كافياً لدفع أجور النقل من الريف الى المدينة على سبيل المثال , مما يضطر بعضهم لعدم حضور المحاضرات بشكل كامل وتوجههم للبحث عن فرص عمل لمساعدة عائلاتهم واستيعاب مصاريف الجامعة .
ويقول الدكتور حسن مقدم مدير الدراسات العليا : الطالب ملزم بحضور المحاضرات النظرية , لكن هذا الموضوع لا يطبق في غالبية المواد وهذا أحد الأسباب الرئيسية و هناك نقطة مهمة وهي أن الطلاب الجدد الوافدون للتسجيل في الجامعة من حملة الشهادة الثانوية , مستواهم أقل نسبياً من المستوى المتعارف عليه سابقاً) وهذا يؤثر سلباً على نسب النجاح وبالتالي وزارة التربية تتحمل المسؤولية في تدني مستوى الطالب على اعتبار المجموع العام في الثانوية لا ينسجم مع مستواه العلمي ( مع ملاحظة أن مستوى النجاح هذا العام أفضل من العام السابق ) كما أن ظروف الحرب أثرت على الحالة التعليمية وبالتالي انعكست على المستوى التعليمي للطالب , حيث كان هناك عدد كبير من أبناء الريف لم يكن باستطاعتهم الوصول الى الجامعة أثناء الحرب .
ويتابع :في الكليات التطبيقية التي حددت علامة النجاح فيها (60% )لم يتغير الوقت اللازم للأسئلة ،بمعنى لا تتناسب الأسئلة مع الفترة الزمنية المحددة للإجابة من قبل الطالب سابقاً كانت ساعتين ،أما الآن ساعة ونصف كما أن الأعداد الزائدة في جلسة العملي ،لها دور كبير،حيث يمكن أن تستوعب «20»طالباً ،والذي يحصل أنه يتواجد أكثر من (40)طالباً وهذا يؤثر سلباً ،بسبب سياسة الاستيعاب لطلاب الجامعة ،والتي يجب أن يعاد النظر فيها .
وكحلول لهذه المشكلة يرى الدكتور حسن عدة أمور لابد منها هي :
التوجه إلى المعاهد التقانية ،بدلاً من التراكم الكبير لأعداد الطلاب في الجامعة ،مع الإشارة إلى أن العمود الفقري للنهوض بالاقتصاد الوطني هم خريجو المعاهد التقانية ،كما هو حاصل في أغلب دول العالم ،لتجربتهم الكبيرة لدخول سوق العمل ،والحاجة المباشرة لهم ،بالإضافة إلى ضرورة التطور المستمر في المناهج الدراسية ،وخطط الدراسة بما يتواكب وينسجم مع التطور العلمي الحاصل وكحل آخر ،ضرورة افتتاح نظام التعليم المسائي الذي يخفف كثيراً من الضغط الحاصل لأعداد الطلاب الكبيرة وفق نظام التعليم الحالي .بالإضافة إلى أمر مهم وهو :عند التكليف من خارج الملاك يجب أن تكون الشروط التي يتمتع بها من يكلف منسجمة مع الأنظمة والقوانين التي تتعلق بالكفاءة والنزاهة
تساؤل
ومما استعرضناه رأينا استمرار التبريرات الكثيرة من أساتذة المقررات سواء عدم حضور الطلاب للمحاضرة ،أو اعتمادهم على أسئلة الدورات والملخصات ،مع العلم أن الأمر يختلف بين الكليات النظرية التي تعاني من عدم الحضور الكبير للطلاب ،والكليات التطبيقية والطبية التي من النادر انخفاض نسب النجاح فيها عن (20%)ومع ذلك يبقى السؤال :هل سيستمر هذا الخلل ،والظلم بحق الطالب ،وهل وزارة التعليم العالي عاجزة عن إيجاد حل لهذه المعضلة ،رغم استمرارها وانعكاسها سلباً على شريحة الطلاب بشكل خاص ،والمجتمع بشكل عام ؟!
رهف قمشري