يقول الكاتب «نزار نجّار» بكتابه «في أدب الأطفال»:
«.. تعالوا نفهم الأطفال، وما يحسّون به، ونرى الصورة الصحيحة لهم، قبل أنْ ندخل مملكتهم الصغيرة – الكبيرة،»! لقد أراد أنْ يقول: أدركت الأمم المتحضّرة، أولوية العناية بالأطفال، لكننا بواقعنا العربي المَعِيش، لا نزال عاجزين عنْ إدراك هذه الأهمية، علماً أنّ الواقع يدلّ على حاجتنا الماسَّة – أكثر منْ سِوانَا – إلى وعي ثقافة الطفل، ودورها الحقيقي في بناء الفرد والمجتمع، بل أضيف: إنّ واقعنا العربي، يستصرخ فينا جميعاً الوعي والجهد ونكران الذات، «ولن يكون طريق النجاح والارتقاء مُمهّداً، ما لم نَرْتقِ بثقافة أطفالنا إلى مقدّمة اهتماماتنا وتطلّعاتنا»! إنّ «أدب الأطفال» أدبٌ هادف، له أسُسه الثابتة، وأهدافه الواضحة، التي يسعى كتّابُه لِتحقيقها، لِتكوين شخصية متوازنة للطفل، ليتحمّل مستقبلاً أعباء الحياة، ومسؤولياتها. إنّ الغاية الأسمى من «أدب الأطفال»، ليس إذكاء الخيال لديهم، وإنّما تزويدهم بالمعلومات العلمية، والتاريخية، والتقاليد الاجتماعية، وغرس القيم النبيلة، وتوسيع مداركهم، وقاموس اللغة لديهم… يقول «علم النفس»: «.. إنّ قلب الصغير لا يريد التعلق بأشياء لا أصل لها بالواقع، لأنّه يطلب الواقع عن طريق الخيال، ويبقى الواقع هو الأرض الصلبة لكلّ تطلعات الطفولة وأحلامها..»! من هنا، فإنّ القصص المكتوبة للأطفال، التي تجمع الخيال والواقع، هي عندهم أهمّ منْ تلك القصص، التي تقتصر على الخيال المُجنّح… إنّ أطفال اليوم، لم يفتحوا أعينهم على حكايات «ألف ليلة وليلة»، و»السّندباد»، و«علاء الدين»، ولم يتحلّقوا – كما بالماضي- حول الموقد أو المدفأة، لينصتوا لِحكايات الجدّة والجدّ، تُرى هل يُغنِي التلفاز اليوم عمّا ذكرناه؟ الجواب: بالطبع لكلٍّ مقامُه، وحالته الخاصّة! وكثيراً ما يتردّد: (هل أدب الأطفال غاية بِحدّ ذاته، أم وسيلة)؟ يرى بعضهم، أنّ الأدب بِحدّ ذاته صانع البهجة، بل وصانع الإنسان نفسه، وليس مجرّد وسيلة كما يدَّعي البعض! إنه مؤثر في الأطفال تأثيراً بيّناً، سواء من خلال البيت الذي لا بدّ وأن يتذوّق الأطفال فيه طعمَ الأدب، جنباً لِجنب مع الحليب والغذاء والهواء… وعلى المدرسة، أنْ تستكمل المسيرة بأدبٍ جيّدٍ ماتِع، يثير في أطفالنا شهيّتهم لمواصلة الإقبال عليه، لِغرس «عادة القراءة والمطالعة» بِنفوسهم. ومن البواعث التي تدعو للكتابة في «أدب الأطفال»، أثرُ هذا الأدب في إعداد شخصية الطفل وتهيئتها لهذه المُهمّة السامية، وهي دعم كيان الأمة، فضلاً عنْ إمتاعه، ليتقبّل الحياة والأحداث والمسؤوليات، ويتعلّم القيم، ويحققّ الأهداف النبيلة بنفسٍ راضية، مُقبلة على عَملِ الخير! وعلى الجهات المعنيّة، مسؤولية الاهتمام بالأديب الكاتب، ذي الموهبة، باعتباره الأداة الأساسيّة، والسلاح الجيّد بالمعركة.. من هنا، فإنّ موقف أديب الأطفال، كموقف الفنّان التشكيلي إزاء لوحته الفنية التي يبدعها، إنه يتأمّلها مليّاً، ويتطلّع إليها منْ بعدٍ قريب، ليعود حاملاً فرشاته، ليضيفَ إليها لمسة فنيّة، أو لوناً ما، وهكذا.. ثم لا يكتفي أنْ يعرف أديب الأطفال جمهوره جيداً، بل عليه أنْ يلقي في أنفسهم أنه يحترمهم، وأنه صديقٌ لهم، وعلى الكاتب، ألاّ يغالِي بأستاذيّتِهِ عليهم، أو التّقليل منْ شأنهم، ومن قدراتهم الكبيرة. إنّ الطفولة طاقة كامنة لا تنطلق مِنْ عِقالِها، إلّا إذا عملنا على تفتُّحها وانطلاقها! يقول الأديب الروسي «أنطون تشيخوف»: «لقد أخفقَ عمّي بتربية الهِرّة، لأنّه دعاها للصّيد قبل الأوان، بأسلوب قسرِيٍ، أفقدَها الشجاعة… لقد كان لي شرف تعلّم اللاتينية على يد عمّي الجاهل، وعلى صعيد تربيته الرّعْناء؟ تخرّجت كارهاً اللغة، وكارهاً عمّي، وكارهاً الطرق الجبريّة»! السؤال: ما المواصفات الأساسية بأديب الأطفال؟ أن يكون خلوقاً، ومُربّياً، لأنّ سمة أديب الأطفال هي سمة أخلاقية، تربوية.. ويتصوّر كثيرون، أنّ الكتابة للأطفال أمرٌ سهل، مُتاح لكلّ ذي قلم، ما دام أدب الأطفال يتميز بصفة البساطة، لكنّ المعروف «أنّ أبسطَ الأشكال الأدبية، هي الأكثر تعقيداً على الكاتب»! يقول «د. علي الحديدي»، بكتابه الجميل «في أدب الأطفال»: (إنّ أدب الأطفال يصنعه الكبار، فهل يترتّب على ذلك، اختلاف مفهوم «أدب الأطفال» عنْ مفهوم الأدب بعامّة؟ ثم هل يستمتع الأطفال بالأدب؟ وأيّ أنواع الأدب يولّد المتعة في نفوسهم)؟
الطفل بطبيعته يعشق الأنغام والألحان، يطرب لسماعها، تلذّ له الإيقاعات الموسيقية العذبة التي تترنّم بها أمّه، كما يلذّ له سماع ما تشدو به منْ أغنيات، فيشعر بالسّرور الداخلي، وتسرِي المتعة بأعماقه، فينام قريراً، على صدر أمه، مع صدى الألحان.. ففي الشتاء مثلاً يفرح الأطفال لبواكير الموسم، فيغنّون:
« شَتِّي وزِيدِي بِيتنا حَدِيدِي
عمّنا عبد الله كَسَر الجَرَّه
ورِزقنَا على الله»
أو عندما يجتمع الأطفال بأحضان الطبيعة، يغنّي بعضهم:
«يا طالِع الشّجرَه هات لي مَعَك بقرَه
تِحْلِب وتِسْقِينِي بِالمِلْعَقة الصِّينِي»..
حقّاً الكبار يبدعون «أدب الأطفال»، لكنّ الأطفال هم الذين يكتبون لهذا الأدب سرَّ خلوده وبقائه… وينبغي أنْ يعلم الكاتب الحقيقي، أنّ أطفال اليوم، لا يمكن خداعهم بسهولة، أو إقناعهم بِيُسر! ولنعلم أنّ الإيقاع والحركة السريعة واللون والصوت والصورة، هي أدوات تُغْنِي مضامين (أدب الأطفال)، وتزيد من وَلَع الأطفال به، إلى جانب اللغة الجميلة، البسيطة، المُوحِية!
ختاماً: (إذا كان الخيال عماد كتب الأطفال، وجوهرها، فإنَّ الصّدق، يجب أنْ يكون رائد هذا الخيال الخلاّق)!!
وجيه حسن
المزيد...