ذوو اضطراب التوحد .. مختلفون .. لكنهم موجودون

« قد أكون مختلفا عنكم…لكنني وردة » .. « أنا طفل ..إنسان…قبل أن أكون توحدي » ..
كلمات مؤثرة لها وقع كبير في النفوس ، فكيف هو الحال عندما نتعامل مع هؤلاء الأطفال ؟؟
ربما لا يجد اضطراب التوحد صدى بين العامة فالطفل التوحدي قلما نستطيع أن نميزه ولكن الأهل وحدهم يلاحظون وخاصة بعد عدة تصرفات وإشارات يتميز بها هذا الطفل وهنا يكون للرصد والتدخل المبكران وتفهم الأسرة والمحيط الاجتماعي وطلب المساعدة من مركز متخصص مفاتيح قد تغير حياة طفل التوحد ليصبح قادرا على الاندماج بمجتمعه وممارسة حياته بشكل طبيعي قدر الإمكان .
وتحتفل دول العالم في الثاني من نيسان من كل عام باليوم العالمي للتوعية باضطراب التوحد بهدف تسليط الضوء على هذا الاضطراب ومؤشراته وسبل تأهيل مرضاه وضرورة تغيير المواقف السائدة تجاههم ومساعدتهم لاتخاذ قرارات تخص حياتهم بكامل إرادتهم ووفق ما يفضلون .

اليوم العالمي لاضطراب التوحد
كان لجريدة العروبة وقفة في جمعية الربيع لرعاية الأطفال ذوي اضطراب التوحد حيث التقينا الدكتور محمود الشاعر رئيس مجلس الإدارة ومؤسس الجمعية للاطلاع على واقعها والآلية التي تمارس بها نشاطها فقال موضحاً في البداية: إن الجمعية تعنى بالأطفال التوحديين وهي أهلية اجتماعية مرخصة من وزارة الشؤون الاجتماعية وقد تأسست في عام /2005/ وكانت تتألف من كادر بسيط وعدد أطفال قليل جداً أما حالياً فتضم ثلاثين طفلاً موزعين على ستة صفوف تدريبية ويشرف على كل صف معلمتان حيث نستقبل الأطفال من عمر ثلاث سنوات فما فوق ويكون الاجراء الأولي هو تشخيص الاضطراب وذلك باخضاع الطفل للدراسة والمراقبة لمعرفة قدراته ومدى استيعابه لما حوله وما هي المعارف التي كان قد اكتسبها . بعد ذلك يخضع لبرنامج فردي بحسب النتيجة . طبعاً هذا الأمر ينطبق على كافة المنتسبين في الجمعية ونحاول أن نقدم للطفل معلومات تساعده على الاستقلالية وتعلمه كيف يأكل أو يلبس وإذا أمكن بحسب درجة الاضطراب أن يتعلم القراءة والكتابة .
كما أننا خصصنا صفاً للأطفال الذين تسمح حالتهم بالدمج مع أطفال المدارس حيث نقوم بتدريسهم منهاج الروضة وبعدها يصبحون جاهزين بعد أن يعرضوا على لجنة الدمج في مديرية التربية .. وقد تم منذ عام التأسيس وحتى هذه السنة دمج ثلاثة أطفال.
تتبع الجمعية برنامجاً للنشاطات الترفيهية من رحلات وألعاب وهناك نشاطات خاصة تكثر في اليوم العالمي للتوحد والذي تم إقراره في الثاني في نيسان ويخصص الشهر كاملاً للتعريف باضطراب التوحد ..
نشاطات هذا العام
أكد د . الشاعر أنه وفي السابع عشر من آذار تم افتتاح مكتب الجمعية الجديد في حي الانشاءات ، وبالتزامن مع هذه الخطوة أقامت الجمعية معرضا فنيا لأعمال ورسومات أطفال الجمعية وبمشاركة بعض الفنانين التشكيليين من أصدقاء الجمعية .
ومع الاحتفال باليوم العالمي للتوحد في الثاني من نيسان أقامت الجمعية حفلا فنيا في المركز الثقافي بحمص قدمت فيه فقرات فنية وقد رسم الطفل زين شعار الجمعية وألقى الطفل محمد كلمة باسم أطفال التوحد ، وكذلك شاركت فرقة « إحساس » للباليه بفقرة معبرة عن المناسبة وكذلك تخلل الحفل فقرات فنية وغنائية استمتع بها الأطفال والحضور.
وكذلك أقامت الجمعية ورشة عمل تدريبية لمعلمات بعض رياض الأطفال في حمص وذلك لتعريف تلك المعلمة والتي تتعامل مع الطفل يوميا بهذا الاضطراب الذي لا يسهل اكتشافه وبالتالي أخذ فكرة عن الطفل التوحدي والأعراض التي تظهر عليه ومن خلالها يمكن الاستدلال عليه وبالتالي إبلاغ الأهل بالحالة ، وهذه النشاطات جميعها تقام ضمن الشهر المخصص للتوعية حول اضطراب التوحد .
وأوضح: في هذا الشهر سنشارك بالعديد من الندوات التعريفية التي ستشمل عدة أفكار وطروحات، وذلك في 25 نيسان وبالتعاون ما بين كلية التربية الثانية بجامعة البعث وجمعية الربيع لرعاية المصابين باضطراب التوحد وبمشاركة دكاترة من الكلية.
طبعا تأتي أهمية هذه الندوات للوقوف عند اضطراب التوحد الذي يصيب الأطفال وهي تلقي الضوء على اضطراب التوحد وخاصة أن كل العاملين في الحقل التربوي معنيون إلى جانب الأسرة في دعم هذه الحالات.
نحن في الجمعية نعمل مع أطفال التوحد ونؤمن لهم كل الإمكانيات ليستطيعوا ممارسة حياتهم كباقي أقرانهم إضافة إلى التنسيق مع الأهل ضمن برامج سلوكية معينة بإشراف مختصين.
بالنسبة للكادر التدريبي فهم من خريجي كلية التربية قسم الإرشاد النفسي حيث يخضعون لدورات تدريبية خاصة بالتعامل مع المصابين باضطراب التوحد .
معاناة الجمعية تكمن في الجانب المادي حيث أن تكلفة الطفل التوحدي عالية جداً يتكبدها الأهل والجمعية التي تعتمد أصلاً على تبرعات الأهالي والأصدقاء وبعض الجهات ولذلك نأمل من الفعاليات الاقتصادية التنبه لهذه الشريحة من المجتمع …
حالات ..
نعيم دخل الجمعية وعمره أربع سنوات منذ عامين ، كان صامتا لا يتكلم لا ينظر لك وأنت تكلمه ويبكي ليعبر عن حاجته يجلس لوحده تأخذه بيده للحمام بعد سنتين من العمل معه حفظ أسماء أصدقائه ومعلمات الربيع ويميز بينهم ،ينظر إليك ويبتسم وأنت تكلمه يعبر عن حاجته بكلمة أو بإشارة و يشارك رفاقه اللعب و يتعلم العد والكتابة ويتعرف على محيطه..
لدينا أمل كبير …
هناك أنواع عديدة من التوحّد تختلف عن بعضها البعض، وتختلف أيضاً بالأعراض من طفل إلى آخر، وفي الوقت الحالي، لم يُكتشف أي علاج يشفي من هذا المرض، فالطفل المصاب بالتوحّد يعيش بقية حياته مع المرض، لكن اكتشاف المرض والتحري عنه في وقت مبكر قد يسمح للاستفادة من الخيارات العديدة لإيجاد علاج مناسب يساعد الأشخاص المصابين على التعايش مع المرض، ولهذا، نلاحظ أن الكثير من البالغين والمصابين بالتوحّد قادرون على إعالة أنفسهم ، وعلى النقيض تماماً، فإنّ البعض منهم بحاجة للمساعدة الكبيرة نتيجة تضرر العمليات الذهنية، وتضرر الذكاء العقلي، وقد تصل إلى فقد القدرة على الكلام والتواصل.
بحث العلماء عن أسباب إصابة الإنسان بمرض التوحّد، ولكنهم لم يتوصلوا إلى نتيجة مؤكدة، لكن هناك سبب واحد أجمعوا عليه، وهو أن التوحّد ناتج عن خلل في بنية ووظيفة الدماغ، وهناك بعض الدراسات التي أشارت إلى أنّ الأطفال المصابين بالتوحّد قد يعانون من بعض الاضطرابات الجينية، بمعنى أن 1% من هؤلاء الأطفال يعانون من متلازمة الكروموسوم.
يؤثر التوحّد على نشأة الطفل وتطوره من ثلاثة اتجاهات وهي: سلوكه وكيفية تصرفه في بعض المواقف التي يتعرض لها. طريقة استجابته للآخرين وطريقة التواصل معهم، المهارات الاجتماعية أي اللغة وكيفية التكلم.
أعراضه وآثاره
الأطفال المصابون بمرض التوحّد يعانون من صعوبات ومشاكل في ثلاثة مجالات تطورية أساسية: اللغة، والسلوك، والعلاقات الاجتماعية والتواصل. وبسبب اختلاف أعراض وعلامات التوحّد من مريض لآخر، فإنّه من المرجح أن تصرفات الأطفال تختلف من طفل لآخر، وأن تكون المهارات مختلفة بينهم، ولكن في أغلب حالات الإصابة بمرض التوحّد تم وصفها على أنها شديدة الخطورة لأنّها تحمل ميزة عدم القدرة على التعامل مع الآخرين بصورة سهلة، كما أنها تمنع صاحبها من إقامة علاقات مع الآخرين بصورة مطلقة.
في سن الرضاعة غالباً ما تظهر على الطفل المصاب أعراض التوحّد، بينما هناك أطفال مصابون بالمرض لكن لم تظهر عليهم الأعراض، ويعيشون الأشهر والسنوات الأولى من حياتهم بصورة طبيعية، لكن التغير يحدث فجأة، فنجد الطفل منغلقاً على نفسه، وعدائياً بصورة كبيرة، ويفقد الكثير من المهارات اللغوية التي اكتسبها، لكن هناك ما يميز الأطفال المصابين بالتوحّد :
المهارات الاجتماعية : يقلل من الاتصال البصري المباشر. يرفض عناق الآخرين، ويبقى منكمشا على نفسه. لا يستجيب إذا نادى أحد باسمه. دائماً يلعب لوحده، ويحب أن يبقي الشخص الخاص به في عالمه. يبدو أنه يشعر بمشاعر الآخرين وأحاسيسهم. يبدو غالباً أنه لا يستمع لحديث الشخص الذي أمامه.
المهارات اللغوية : ينطق الكلام في سن متأخر، مقارنة بباقي الأطفال من عمره. إذا أراد شيئاً ما فإنّه يقيم اتصالاً بصرياً معه ، يفقد مهارات تكوين الجمل ونطق الكلمات كما في السابق. قد يكرر الكثير من العبارات والكلمات، لكنه لا يعرف ولا يدرك كيفية استعمالها. يتحدث بصوت غريب، أو يستخدم نبرة غنائية، لا يستطيع أن يبدأ محادثة مع الآخرين، أو حتى الاستمرار في محادثة قائمة.
السلوك :عندما يرى ضوءاً أو يلمس شيئاً أو يسمع أحد الأصوات الغريبة فإنّه شديد الحساسية له وبشكل مبالغ فيه، لكنه في النهاية لا يشعر بأي ألم. يطور عادات وتقاليد يمارسها دائماً. يمارس حركات متكررة، مثل: الدوران، الاهتزاز، والتلويح باليدين. يصاب بالانبهار والذهول عند رؤية أجزاء معينة من الأغراض، مثل: حركة عجل في سيارة لعبة. يفقد سكينته وهدوءه عند حدوث أي تغيير، حتى التغييرات الصغيرة والبسيطة. دائم الحركة.
أسبابه
الاعتلال الوراثي: كشفت بعض الدراسات التي أجراها باحثون عن وجود جينات وراثية، مرجح أن لها دوراً في التسبب بمرض التوحّد، فبعض هذه الجينات يؤثر على نمو الدماغ وتطوره، ويؤثر أيضاً على طريقة اتصال خلايا الدماغ مع بعضها البعض، كما ويتسبب البعض الآخر من هذه الجينات بجعل الطفل أكثر عرضة للاضطراب.
عوامل بيئية: الكثير من المشاكل الصحية التي يعانيها الإنسان هي نتاج لعوامل وراثية، بالإضافة إلى العوامل البيئية، وهي مجتمعة معاً، كاحتمال الإصابة بعدوى فيروسية، أو تلوثاً بيئيا ًوخاصة تلوثاً هوائياً.
عوامل أخرى: هناك عوامل أخرى يعمل الباحثون على دراستها في الآونة الأخيرة، وهي: مشاكل أثناء الولادة، أو أثناء مخاض الولادة، وضعف في دور الجهاز المناعي .
تشخيصه
يحاول الأطباء المختصون في عالم الأطفال أن يقوموا بعمل مجموعة من الفحوصات بشكل دوري ومنتظم للأطفال وذلك بهدف محاولة الكشف المبكر عن أيّة إصابات لمرض التوحّد، ولذلك واجب على الآباء أن يهتموا بعرض أطفالهم على أطباء مختصين بمرض التوحّد من أجل الحصول على فحوصات دقيقة، ومن أجل محاولة الكشف المبكر عن المرض، وتفادي تفاقم الأمر. لأن مرض التوحّد يأتي على درجات تتراوح في مدى قوتها، و تشخيص المرض ليس بالأمر السهل، ويكون الفحص عبارة عن جلسة بين الطبيب والطفل، أو أهل الطفل، و يكون الطابع الغالب على الجلسة هو طابع الهدوء، ويبدأ الطبيب بالتحدث إلى الطفل وذلك من أجل الكشف عن المهارات اللغوية والعقلية لدى الطفل، كما أن الطبيب يحاول التحدث إلى أهل الطفل من أجل معرفة طبيعة البيئة التي يعيش فيها، وذلك له أهمية كبيرة في الحكم على الموقف، وعلى الحالة ، فالكشف المبكر للمرض يساعد بصورة كبيرة على المعالجة ، كما أن الحالات التي يتم شفاؤها تكون قبل سن البلوغ، وتكون في سن مبكرة من حياة الطفل.
حتى يومنا لم يتوفر أي نوع من العلاج المناسب لكل المصابين بمرض التوحّد بنفس المقدار، إلّا أنّ هناك مجموعة من العلاجات المفتوحة أمام مرضى التوحّد لتناولها، ويمكن اعتمادها في المدرسة أو في البيت، وهي متعدّدة الأنواع، ويمكن أيضاً للطبيب المعالج أن يساعد في إيجاد الموارد المتاحة في مكان سكن المريض، والتي تساعد في التعامل مع الطفل.
إمكانيات العلاج تشمل: العلاج من الناحية السلوكية للطفل. علاج أمراض النطق واللغة. العلاج الدوائي. العلاج التعليمي، والتربوي. أنظمة غذائية خاصة بهم.
منار الناعمة

المزيد...
آخر الأخبار