الحياة تتغير باستمرار والظروف تفرض نفسها على الإنسان .. لكن هناك عادات موروثة تتعلق بتربية الأبناء مازلنا نحتفظ بها وهي تنتقل من جيل إلى آخر وأهمها تعليم الأبناء كيفية التعامل مع الحياة بكل تقلباتها ومواجهة ظروفها الصعبة فهناك أفكار تلقيناها من آبائنا والمحيط الاجتماعي تؤثر بطريقة أو بأخرى على الطريقة التي نتفاعل عبرها مع أطفالنا إنها محفوظة في ذاكرتنا وهي تحد من أن نكون أهلاً مميزين كما نتمنى..
التقينا المرشدة الاجتماعية شمس العيسى وسألناها هل يجب فعلاً أن نهيئ الأطفال لمواجهة قسوة الحياة وكيف ذلك ؟
قالت : ينتقد بعض الأفراد أسلوب ” التربية الإيجابية” باعتبار أن الأولاد لن يقابلوا فقط أشخاصاً لطفاء ومحبين في حياتهم وإنه يجب تحضيرهم جيداً للعيش في مجتمع مليء بالقسوة إلى جانب المحبة وبينت أنه يتم استخدام هذه الحجة بشكل عام لتبرير العقاب وحتى الضرب علما أن العنف لا يؤدي سوى إلى استمرار العنف فحين يضرب أحد الآباء ولده فهو يعلّم الطفل العنف مستقبلا دون أن يدرك خطورة ذلك.
وأشارت إلى فكرة أنه على الأهل أن يختاروا أن يكونوا جزءا من الحل بدلاً من الحفاظ على المشكلة والتوقف عن إظهار أي نوع من أنواع العنف تجاه الأطفال سواء أكان الضرب أو العقاب أو التهديد، والصراخ وعدم إظهار المحبة …. وبذلك نضمن الحفاظ على مجتمع لا يمارس أفراده العنف.
وأوضحت إن الأطفال الذين تتم تربيتهم بطريقة إيجابية ليسوا بالضرورة غير مهيأين لمواجهة المجتمع بل يمكنهم على عكس ذلك أن يكونوا أكثر صموداً وقدرة على مواجهة التحديات، وأن يكونوا هم أنفسهم نماذج للتعامل مع الخلافات بين الأطفال الآخرين، وأن يكونوا أقوياء عاطفياً بما يكفي لإثبات أنفسهم دون فرض رأيهم…إضافة إلى ذلك إن إدراكهم أنه باستطاعتهم الاعتماد على أهل قادرين على الاستماع إلى مشاعرهم المؤلمة ومنحهم الدعم غير المرتبط بأي قيدٍ أو شرط، حتى لو واجهوا صعوبات متعددة ، يتيح لهم الاحتفاظ بأمان عاطفي يبقى معهم دائما في حياتهم.
وعن سؤالنا حول ما إذا كانت التربية الايجابية تؤدي حقاً إلى جعل الأهل يشعرون بالذنب تجاه أطفالهم لمعرفتهم بأنه من المستحيل على أي شخص أن يكون هادئاً باستمرار وأن لا يتأثر بمحيطه ..
قالت : من الصعب على أحد أن يبقى هادئا طيلة الوقت فالإنسان يتأثر بالظروف وبما يعترضه من مشاكل وصعوبات فلا أحد يستطيع أن يطلب من الأهل أن يكونوا هادئين طيلة الوقت وبالتالي عواطفنا مشروعة ويحق لنا أن نغضب..لكن كل ما علينا تعلمه يدور حول التحكم بالغضب لمنع إيذاء الأطفال .
وأكدت أنه بمجرد أن ندرك العوامل التي تجعلنا نبقى عالقين في نموذج تربوي تقليدي يتسم بالعنف، نصبح قادرين على مواجهة النقاط التي يمكننا العمل على تعديلها بشكل مباشر.
علما أن الجميع يدرك أنه من الصعب كسر دائرة العنف التربوي الطبيعية والخروج من آليات العنف الموروثة من الطفولة على الرغم من صعوبة ذلك، إلا أنه لا يزال ممكناً.
لذلك على الأهل أن يقرروا بشكل حازم عدم استخدام العنف التربوي مجدداً وأن يصححوا سلوكياتهم وأن يراجعوا أسلوب التربية مع أطفالهم ولا مانع من تقديم الاعتذار والاستماع إلى مشاعرهم مهما كانت بسيطة إذ من الممكن أن يكونوا غاضبين من الأب أو الأم كون الغضب هو طريقتهم لاستعادة كبريائهم.
وختمت بالقول : إذا كان من الصعب التغلب على سلوك العنف وتجاوزه، من الممكن طلب مساعدة مختص يشرح الدور الكبير لأهمية تواصل الوالدين والأبناء بطريقة مناسبة تقرب وجهات النظر وتزرع المحبة في النفوس لتكون دعما في الحياة العملية لاحقا.
بشرى عنقة