كوادر منظومة الإسعاف السريع بحمص .. جهود استثنائية ومهام إنسانية وجهوزية واستنفار منذ اللحظات الأولى لوقوع الزلزال.. د.معروف : استجابة سريعة وأول الواصلين إلى حلب
رغم ما عاناه القطاع الصحي من ويلات الحرب الطويلة والتي امتدت 12 سنة ما زال يقدم خدماته المختلفة في المشافي الحكومية والمراكز الصحية بإمكانات متواضعة أحيانا نتيجة للحصار المفروض على بلدنا أيضا والذي انعكس على قلة المواد الضرورية لهذا القطاع وما زاد الواقع سوءا حدوث الزلزال المدمر مؤخرا الذي تسبب بإزهاق أرواح مئات الضحايا البشرية و تهدم الأبنية السكنية بشكل مروع في العديد من المحافظات التي خرج أهلها من بيوتهم آملين النجاة من كارثة هدمت أحلامهم في لحظة مفصلية جعلت حياتهم تنقلب رأسا على عقب فسارعت جميع الجهات للمساهمة في إنقاذ الأرواح ونقل جثث الضحايا والمصابين من المحافظات المنكوبة إلى المشافي
عناصر منظومة الإسعاف السريع التابعة لمديرية صحة حمص كانت على أهبة الاستعداد فور تلقي عناصرها نداء الاستغاثة….
التقينا رئيس المنظومة الدكتور باسل معروف وبعض المسعفين الذين شاركوا في حملة المؤازرة الصحية في حلب والذين حدثونا عما شاهدوه على أرض الواقع خلال القيام بواجبهم و إنقاذ المواطنين…
المسعف إسماعيل شدود قال : فور حدوث الزلزال وبعد ساعتين من الزمن كنا في مدينة حلب تم توجهنا للذهاب إلى منطقة الكلاسة وبالسرعة القصوى لبينا النداء أملا بسرعة إنقاذ أرواح المواطنين العالقين تحت الأنقاض..
وفعلا وصلنا إلى احد الأبنية وعلمنا بوجود فتاة مع أخوتها الثلاثة عالقين في القبو فقمنا بمساعدة عناصر الدفاع المدني بالدخول إلى القبو وسحب الفتاة العالقة والمهددة ببتر احد ساقيها بنجاح وإسعافها إلى المشفى وقد كانت تعاني من كسر في العمود الفقري و تهشم بالوجه والأطراف نتيجة سقوط جدران البناء على قدميها كما أنقذنا إخوتها الذين تظهر عليهم الكدمات والرضوض أيضا.
و أضاف : ندرك أن مصابهم أليم و لكننا حاولنا و بكل جهد رسم ابتسامة النجاة على وجوههم الحزينة .. سألنا عن الوالدين فأجاب أحد الأبناء والدموع في عينيه: لقد طلبا منا الهروب أثناء الزلزال إلى القبو ووعدنا والدي باللحاق بنا مع أمي لكنهما لم يتمكنا من الانضمام إلينا …وعلمنا أن البناء سقط وتهدم وهما تحت الأنقاض حاليا… كيف سنعيش بدونهما وإلى أين سنذهب…؟
واقتربت عمة الأولاد منا وهي تحتضن أبناء أخيها الذي كان هو و زوجته من ضحايا الزلزال …وتعهدت رعاية الأولاد و احتضانهم علهم يجدون الأمان الذي عاشوه في كنف أهلهم قبل أن يسرق الزلزال أمانيهم و أحلامهم الطفولية…
المسعف علاء ونوس وهو المشرف الإداري في منظومة الإسعاف قال : كثيرة هي الأحزان و المآسي التي خلفها الزلزال , و كثيرة هي الصور المؤلمة التي سيحتفظ بها الأطفال و الشباب في ذاكرتهم عن أسوأ لحظات عاشوها فقدوا فيها أحبتهم إلى الأبد …تلك اللحظات التي حولت حياتهم إلى مساء آخر لم يفكروا أنهم سيعيشونه يوما ما كالشاب الذي كان يعيش مع عائلته في حي الصاخور بحلب والذي قمنا بانتشاله من بين الأنقاض و هو بعمر ” 15 “عاما كان يتلهف لرؤية أبويه و إخوته و جدته و الاطمئنان عليهم سألنا بتردد و قلق إن كنا قد قمنا بإنقاذهم وأين هم الآن …. لحظة شعرنا بها و كأنها دهر …و لم نستطع الإجابة إلا بكلمات علها تخفف عنه قسوة أيام قادمة دون وجود عائلة ….”كلنا معك و كلنا اهلك لن نتركك وحيداً … ” و بابتسامة واهنة توقف و قال : لقد دمر الزلزال بيتنا الجميل وحرمني من إخوتي ووالدي ووالدتي و جدتي الحنونة.
أحمد أبو صوان (سائق سيارة إسعاف ) كان برفقة المسعف نعسان الفراج قال: توجهنا إلى العديد من الأحياء في حلب ومنها الكلاسة – الصاخور – السقار .. صور المنازل المهدمة مازالت ترتسم في مخيلتنا .. عملنا مع عناصر منظومة حلب يداً بيد لإنقاذ أرواح الأبرياء نقلنا الكثير من الجرحى إلى المشافي وقمنا بانتشال العديد من الجثث لأناس سقطوا تحت الأنقاض كانت صرخات الاستغاثة تخترق آذاننا وتحثنا على الإسراع بالعمل أملاً بإنقاذ أكبر عدد ممكن من الضحايا.. ومن بين الحالات التي أثرت في أنفسنا هو ذلك الطفل (11 سنة) الذي يبادر الجميع بالسؤال عن والدته التي كانت برفقته ، فهي كل مالديه في هذه الحياة فهو يتيم الأب منذ سنوات ؟؟ رغم تعرضه للكسور والكثير من الآلام إلا أنه يبحث عن والدته وهو لا يصدق أنها توفيت تحت الأنقاض قبل أن يصل إليها أحد المنقذين كانت صدمة الطفل كبيرة وهو يصرخ و يؤكد أنها كل ما يملك في هذه الحياة وإلى أين سيذهب وكيف سيعيش بدونها ..؟
صور كثيرة ارتسمت لمآسٍ وخيبات أمل في كل مكان .. ضحكات أطفال اختفت وأصوات آباء وأمهات أصبحت بعيدة لاتسمع .. وكارثة خلفت وراءها الحزن والألم للجميع ..
رئيس منظومة الإسعاف السريع بحمص الدكتور باسل معروف قال : بعد الزلزال تمت الاستجابة التلقائية وتفعيلا ً لخطة الطوارىء واعتمادا ً على خبرات تراكمية وتواصلا ً مع مديرية الصحة تم رفع الجاهزية القصوى (كوادر بشرية – سيارات إسعاف- محروقات حقائب اسعافية ) حيث تم استدعاء الكوادر البشرية من أبناء المدينة والريف القريب والبعيد ووضع سيارات المحاور الريفية بحالة الجاهزية للاستدعاء عند الحاجة .
وأضاف : تم تحريك 5 سيارات إسعاف مجهزة إلى مبنى المديرية و5 سيارات إسعاف أخرى وبقائها في مقر المنظومة .
وبعد صدور أمر حملة المؤازرة الصحية تم تجهيز الكوادر الطبية التخصصية و سيارات الإسعاف الخمس مع طواقمها وعيادتين متنقلتين مع طواقمها أيضا ً وسيارة خدمة وتم التوجه إلى حلب حيث تم دمج عناصر المنظومتين للإسراع بتنفيذ الحركة باتجاه الأبنية المنهارة وتنفيذ أوامر الإخلاء وبعض المهمات الاسعافية حيث كانت سيارات الإسعاف تقوم بعمليات الإسعاف والإخلاء دون استراحة لتعود إلى مكان المبنى المنهار بانتظار العمل التالي منوها ً أنه وعند حدوث الزلزال الثاني وهو أقل شدة بعد ساعات قليلة والذي تسبب بانهيار أبنية جديدة أُعيدت دورة العمل لعناصر المنظومة مرة أخرى لكن بطريقة أكثر خبرة ودقة .
الجدير ذكره أننا كنا أول حملة مؤازرة وصلت إلى حلب وهناك بقيت الكوادر الطبية في المشفى للمساعدة في العمليات الجراحية … والعيادتان المتنقلتان توجهتا إلى عدة أماكن بشكل متتالٍ لتقديم الدعم الطبي الأولي خارج المشفى مع الدعم النفسي للمصابين غير الحرجين وللسكان المتضررين .
وبيّن أن كل العمل تم بجو من التعاون والشعور المطلق بالمسؤولية حتى بطريقة التعامل مع انفعالات الناس الحادة التي استلزمت أحيانا ً ضبط النفس والتحلي بالهدوء مع ابتسامة الألم .
وأكد أن عمل منظومة الإسعاف السريع هو جزء من الخدمات التي يقدمها القطاع الصحي ، ونحن نقوم بتقديم حالات إسعاف لإصابات بالأسلحة و رضوض وسقوط وحوادث سير وحروق وقلبية وعصبية ونقل جرحى الجيش العربي السوري والوفيات ورغم الصعوبات التي تعيق عملنا والمتمثلة بنقص عدد السائقين والطلب المتزايد للحالات الاسعافية نسعى لتقديم خدماتنا على أكمل وجه .
منوهاً أن عدد السيارات العاملة حالياً 17 من أصل 55 سيارة وأغلبها قديمة والمنظومة بحاجة ماسة لرفدها بسيارات جديدة تلبي الحاجة الفعلية ، علما ً أن المواطن يستطيع طلب الرقم 110 عند الضرورة ، إضافة إلى وجود نقاط تابعة للمنظومة في الريف (شين- تلكلخ- القصير- حسياء- طريق الشام – تدمر- الفرقلس- صدد ، وفي المدينة لدينا نقطة في مشفى الباسل بحي الزهراء وهي تغطي الأحياء المجاورة وسيارة في حي كرم اللوز إضافة إلى نقطة (مقر المنظومة ).
علماً أنه يتم حاليا ً تجهيز مستودع ضمن مقر المنظومة يحتوي على المستلزمات الضرورية من ( أدوية – حرامات- فرشات وغيرها ) للاستفادة منها عند الحاجة . كما تمت زيارة مركز الإيواء (محمود عثمان ) وفحص المتضررين ونقل المحتاج منهم إلى المشفى لمتابعة العلاج .
وختم بالقول : حجم الكارثة كبير والواقع الحالي يحتاج تضافر الجهود من كافة الجهات المعنية ونحن في منظومة الإسعاف السريع سنبقى على أهبة الاستعداد عند الحاجة رغم الإمكانيات المحدودة قياسا للعمل الكبير الذي نقوم به ..
بشرى عنقة