في الحديث عن قرية مريمين في ريف حمص الغربي أشار”ابن القرية” الباحث في التاريخ محمود ديوب عن عدة وقائع هامة مرت بها هذه القرية حيث قال بداية معرفاً عن نشأتها :
عند انتصار الاسكندر المكدوني على(دارا) الفارسي في موقعة(إيسّوس)عام 333 ق.م أسرع (ستراتون) ابن ملك أرواد الفينيقية إلى تقديم فروض الولاء والطاعة إليه وكان ذلك بتقديم مفتاحَي (سيغون: قلعة صلاح الدين لاحقاً) وَ مريامي mariamme (مريمين الحالية
التي تتبع محافظة حمص) التي كانت آخر المدن والمناطق في مملكة أرواد شرقاً.
وتابع: إذا كانت سيغون sigon موقعاً حصيناً واستراتيجياً في شمال
تلك المملكة فإن (مريمين) كانت أهم مركز اقتصادي في المملكة،إذ كانت تتجمع فيها كافة أنواع الحبوب من السهل المشرفة عليه حتى نهر العاصي وما بين بحيرة قادش (قطينة)وحماة،ثم تُنقل هذه المحاصيل الزراعية إلى الساحل.
وبسبب ذلك ونظراً لموقعها العسكري ووفرة مياهها وجمال طبيعتها كانت تتواجد فيها حامية عسكرية منذ القِدم،وزادت هذه الحامية في العهود اليونانية والرومانية والبيزنطية،كما أنها كانت تقع على الطريق المؤدية من طرطوس(أنتي أرادوس) إلى وادي العاصي مقابل حمص والرستن.
مضيفاً: ولا ننسى أن مريمين عاصرت الفترة الذهبية في النصف الثاني من الألف الثانية قبل الميلاد لكلّ من(قَطْنا: المشرفة)
و (قادش:تل النبي مندو) كما أن القمم القليلة الارتفاع المحيطة بها كانت تُنتج أفخر أنواع العنب والتين والتي كانت تُجفّف ويتمّ بيعها …
وتابع: قال عنها عالم الآثار الفرنسي(رينيه دوسو) في كتابه(الطبوغرافيا التاريخية): مريمين هي مريامون القديمة التي يرجع عهدها إلى2000 سنة قبل الميلاد….وكانت على تخوم مملكة ارادوس(ارواد).
أما (عيسى أسعد) فقال عنها في كتابه(تاريخ حمص):يرجع تأسيسها إلى بداية الألف الثانية قبل الميلاد وتقع وسط غيضة نضرة تروض الناظر إلى جمال السهل الممتد إزاءها…
وتابع ديوب: يُعتقد أن العموريين الذين هاجروا إلى المنطقة حوالي عام2500 ق.م سكنوها ثم سكنها أبناء عمومتهم الآراميون الذين أتوا بعدهم بحوالي 1000عام… وعندما زحفت الجيوش المصرية إلى سورية ووصلت شمالاً حتى (طرابلس)حوالي أواسط الألف الثانية قبل الميلاد أعطوها اسمها القديم المعروف(مري آمون)ويُعني في اللغة المصرية القديمة(محبوب آمون) وكان يلقّب به معظم فراعنة مصر وشمال السودان … وتردد اسم قرية مريامون كثيرا في فترة حكم (تحوتمس الأول) وفي حوليّات تحوتمس الثالث أواسط الألف الثانية قبل الميلاد وفي أسفار المصريين الباحثة عن (قادش). .
مشيراً أنه أصبح اسمها في الألف الأولى قبل الميلاد(مَرِيمين) كما نلفظها في لهجتنا العامية،ومعناها في اللغة الآرامية: (المرتفِعون)… علماً أنه وُجِد فيها نصب حجري بازلتي بِارتفاع متر و نيّف نُقش عليه بأحرف يونانية اسم(نيكانور الأنطاكي) فقد يكون اسماً لأحد الجنود الحرس أو هو نفسه(نيكانور الأنطاكي) قائد جيوش سورية في فترة حكم (ديمتريوس الأول)…
كما تحدّث عن القرية الجغرافي بطليموس وحدد موقعها, وكذلك ياقوت الحموي في كتابه (معجم البلدان).
لافتاً أنه اكتُشفت فيها قساطل فخارية مزججة لنقل مياه الشرب من الينابيع إلى المنازل , وشوهدت شبكات طرق مرصوفة
بالحجارة باتجاه حمص وشمالا نحو آفاميا وغربا نحو الساحل وكانت سقوف المنازل كلها على شكل عقود مقببة.
ويؤكد الباحث أن أهم المكتشفات العائدة لهذه الفترة هو اللوحة الفسيفسائية التي استُخرجت من الحي الجنوبي للقرية في نهاية ستينات القرن الماضي وهي موجودة الآن في متحف حماة الوطني، وتبلغ أبعادها(٥،٣٧ م×٤،٢٥م) وتعود إلى القرن الثالث الميلادي(الفترة الرومانية) وتعتبر من أجمل لوحات الفسيفساء في العالم لِصغَر مكعباتها ومساحتها الكبيرة والدقة والمهارة في التصميم والتنفيذ وموضوعها الذي يمثل حفلة موسيقية تظهر فيها الراقصة وضابطة الإيقاع وعازفات على آلات موسيقية مختلفة من سائر أنحاء العالم القديم بما فيها الآلات الإغريقية والهندية ….ويظهر على يمين اللوحة أيضاً ملاكان على شكل طفلَين مجنحين، أما على أطرافها فتظهر مشاهد صيد وأساطير وصور آلهة متعددة….
ويختم: إن إقامة مثل هكذا حفلات موسيقية ومشاركة العنصر النسائي فيها بشكل فاعل ونوعية اللباس يدل على رقيّ اجتماعي ورخاء اقتصادي ومستوى ثقافي رفيع..
بشرى عنقة