الدروس الخصوصية ..وباء اجتماعي يرهق كاهل أهالي الطلاب ماديا ومعنويا… أسعار خيالية… والضوابط الأخلاقية غائبة .. صعوبة المناهج والانقطاع المبكر ساهم بتفاقمها… الساعة الخصوصية المكثفة قبل الامتحان تتراوح مابين 20 إلى 30 ألف ليرة

أصبحت الدروس الخصوصية ظاهرة وأزمة حقيقية يعيشها أهالي الطلاب في كل عام وخصوصاً مع اقتراب امتحانات نهاية العام الدراسي حيث تبدأ أسعار ساعات الدرس الخصوصي وكأنها تدخل في سباق بورصة بشكل يزيد من معاناة الغالبية العظمى من الأسر ..ووقوعهم بين نارين… نار إحساسهم بالواجب تجاه أبنائهم (عدم تقصير ) ونار أسعار الدروس التي باتت تحرم الكثيرين من لقمة عيشهم كي يدفعوا لأبنائهم ثمن تلك الدروس , خاصة وأنها أصبحت واقعاً مفروضا في ظل إحساس الأهل بأن تلك الدروس تساعد أبناءهم على استيعاب ما فاتهم خلال العام الدراسي ..مما يضطرهم إلى تحمل الأعباء المادية الكبيرة التي تفوق قدرتهم في سبيل تحصيل أبنائهم درجات عالية ..فهل أصبحت هذه الظاهرة أمرا لا مفر منه   يستعصي  إيجاد الحلول له؟ وماذا عن دور المدرسة والأهل والطالب في المحصلة في التخفيف من أعبائها ؟..

تقول هديل والدة أحد الطلاب : ندرك أن الدروس الخصوصية باتت مرهقة لجميع الأهالي ولكنني أفكر للمستقبل القريب فبدل أن اضطر لاحقا  لدفع رسوم الجامعة الخاصة أو التعليم الموازي والذي يكلف أضعاف ما ندفعه حالياً اختصر على نفسي عناء التفكير بالفرع الجامعي الذي يناسب الدرجات التي ستحصلها ابنتي والرسوم المرتفعة التي تدفع للتعليم الجامعي  الخاص .

عواطف قالت :لدي ولدان في الشهادة الثانوية ،تكلفت عليهما منذ صيف العام الماضي (دورات )وأثناء المدرسة (متابعة منهاج ) وحالياً دروس خصوصية قبل الامتحان ما يعادل (3)ملايين ليرة تقريباً وحالياً الدروس المكثفة ما قبل الامتحان -هي الكارثة- فقد وصل سعر الجلسة الواحدة إلى ما يقارب 25 ألف (حسب المادة) فمادة الرياضيات تختلف عن العلوم والفيزياء والكيمياء  وأشارت أن الدروس الخصوصية أصبحت رابحة للمدرسين خلال فترة زمنية قصيرة ، وبرأيها أن من أهم أسباب انتشار هذه الظاهرة هو عدم قيام المدرسين بواجبهم التعليمي تجاه الطلاب في المدرسة ، فأغلبهم يترك الأبحاث الهامة للدروس الخصوصية ( على حد قول الطلاب ) إضافة إلى ترويج  فكرة عدم القدرة على إنهاء المنهاج الصعب خلال المدرسة مما يؤثر على الطالب المتوسط  وحتى المتفوق ويضطر لأخذ ساعات مكثفة مما يزيد من الأعباء المترتبة على الأهل مادياً ومعنويا كونهم يلجؤون إلى الاستدانة لدفع ثمن الجلسات أملا في حصول أبنائهم على درجات عالية تؤهلهم لدخول الفرع الجامعي الذي يرغبون به .

أبو عصام ينوه إلى فكرة اختلاف أسعار الدروس ما بين  مدرس وآخر والسبب برأيه يعود إلى سنوات الخبرة الطويلة لدى المدرس وقدرته على توقع الأسئلة و معرفة الثغرات التي على الطالب تلافيها للحصول على الدرجات الكاملة  وخاصة لطلاب الشهادتين.

وبرأيه أن أهالي الطلاب يلجؤون إلى الدروس الخصوصية نتيجة لصعوبة المناهج وعدم  اهتمام  المدرسين بإنهاء المنهاج وغياب الضمير المهني في بعض المدارس وبالتالي لجوء الطالب للدروس الخصوصية سواء بالمعاهد أو لأخذ ساعات مكثفة قبل الامتحان عند نفس مدرس المادة في المدرسة.. وتساءل كيف يستطيع  هذا المدرس إيصال المعلومات إلى طلابه أثناء الدروس الخصوصية ولا يستطيع ذلك في المدرسة ؟

أبو تيسير والد لأربع طلاب منهم في المرحلة الابتدائية ومنهم في الثانوية يقول : لم تعد الدروس الخصوصية متوقفة على طلاب الشهادات بل أصبحت موضة لطلاب المرحلة الابتدائية أيضاً ، وحجة الكثيرين من الآباء هي عدم وجود الوقت الكافي لتدريس أبنائهم  والانشغال  بتأمين متطلبات الحياة إضافة إلى تغير المناهج وخاصة لمواد  ” انكليزي أو فرنسي” فلم يعد بمقدورهم  ” علميا” تدريس أبنائهم ..

وتشاطره الرأي لبنى وتحدثت عن تجربتها مع ابنها الذي تحسن مستواه الدراسي بعد قيام مدرس خصوصي  بمتابعته في المنزل ” علما أنه في الصف “الرابع الابتدائي ” كونها غير قادرة على تدريسه لضعف خبرتها  و انشغالاتها الكثيرة و أكدت على دور المدرسة باعتبارها  الأساس في تنشئة التلاميذ  و أن يقتصر دور المدرس الخصوصي في المرحلة الابتدائية على تقوية نقاط الضعف عند التلميذ وبينت أنه بالمقابل هناك إرهاق مادي كبير يقع على عاتق الأسرة نتيجة ارتفاع أسعار تلك الدروس وأن دخل الموظف لا يتناسب مع الظروف المعيشية الصعبة  وقد كلفتها  الدروس الخصوصية و المتابعة لولدها أكثر عن 200 ألف ليرة بالسنة و هو في المرحلة الابتدائية.

أوضح مدير مدرسة إعدادية أن الاعتماد على الدروس الخصوصية له سلبياته الكثيرة منها فقدان الثقة بين المدرس و الطالب رغم أنها من أهم الخطوات لنجاحه حيث تشكل الثقة أهم عامل من عوامل تفاعل الطالب مع المدرس و بالتالي تفوقه لكن المشكلة أن أغلب الطلاب لم تعد تتابع المدرس أثناء شرحه للدروس في المدرسة لقناعتهم أن باستطاعة المدرس الخصوصي تلافي النقص و تعويض الطالب ما فاته من خلال إعادة شرح المعلومات بطريقة مبسطة وواضحة .

واعتبر أن الدروس الخصوصية وباء اجتماعي يجب التخلص منه بطريقة جدية من خلال تعزيز المدارس بكوادر تعليمية خبيرة و تأمين احتياجات المعلم المادية حتى لا تكون الحجة لديهم صعوبة الواقع المعيشي و أن يكون هناك تواصل مستمر بين أهالي الطلاب  والمدرسة لمعرفة نقاط ضعف أبنائهم حتى يتم تلافيها بالشكل الصحيح.

المرشدة النفسية نوار الحسن قالت : من أهم الأسباب التي تدفع الأهالي لاتخاذ قرار إعطاء أبنائهم دروساً خصوصية “في المرحلة الابتدائية ” هو وجود صعوبة في التعلم ” خلل في الكتابة أو عدم القدرة على إجراء العمليات الحسابية ” , مما يستوجب وجود مدرس خصوصي لمتابعة ما فات التلميذ في المدرسة و قد يكون ضعف الطالب في مادة معينة أيضا سببا بالاستعانة بمدرس خصوصي ” صعوبات فهم كاللغة الأجنبية ..

و تابعت : هذا لا ينفي أن تعود الطالب على تلك الدروس له سلبياته أيضا وأهمها تعوده على الاتكالية إضافة إلى التكاليف المرتفعة التي يدفعها الأهل..

الإشراف على عمل المدارس باستمرار

أكدت الدكتورة دارين محمد رئيسة دائرة المناهج في مديرية تربية حمص أن الحد من هذه الظاهرة مسؤولية الجميع ( مدرسة – كادر تدريسي – الأهل ) ، وبينت أنه يتم باستمرار الإشراف على عمل المدارس من خلال الاجتماع مع المدراء والتركيز على ضرورة إنهاء المنهاج للطلاب حتى لا يضطر للاستعانة بالمدرس الخصوصي وبالتالي دفع مبالغ مالية كثيرة تشكل عبئاً إضافياً على الأهل  .

وأضافت : إن ما يعانيه القطاع التعليمي في هذه المرحلة هو نتيجة تراكم سنوات (منذ بداية الحرب) التي استهدفت المدارس والتعليم إضافة إلى مرحلة انتشار كوفيد 19 والذي تسبب في أول انقطاع مبكر للطلاب حتى اضطر الأهالي لتعويض الفاقد لأبنائهم بالدروس الخصوصية .

وأكدت أنه ومن خلال دائرة المناهج يتم توعية الطلاب إلى خطورة هذه الظاهرة التي تفقد الطالب مهارة الاعتماد على الذات مشيرة إلى السعي المستمر لتطوير المناهج التربوية بشكل أصبح فيه المتعلم محوراً للعملية التعليمية ومشاركاً فاعلاً يحلل ويستنتج ويطبق المعارف والمهارات بشكل أفضل.

وأضافت : نعمل على تدريب المعلمين والمدرسين على مجموعة محاور حول آلية استخدام الوسائل التعليمية وطرق إيصال المعلومات مع تدريب الموجهين الاختصاصيين على متابعة المدرسين لإيصال المناهج بطرق مبسطة سهلة الفهم على الطلاب .

وأشارت أن هناك مشروعاً تتم دراسته سيعود بالفائدة على المدارس سيعلن عنه قريباً يساهم في الحد من الدروس الخصوصية ويدر عائدات على المدارس بشكل أفضل سيتم الإعلان عنه قريباً بالتعاون مع مديرية التربية .

وأضافت : نسعى أثناء عملنا على ضبط المدارس من خلال توجيه العقوبات للمدارس المخالفة ومؤخراً قمنا بفرض امتحانات شفهية لطلاب المراحل الانتقالية للحد من ظاهرة الانقطاع المبكر للطلاب ، ووجهنا إنذارات للمدارس التي لم تتقيد بإجراء تلك الامتحانات .

ونوهت المحمد إلى أن المناهج الحالية تعتمد على الاستنتاج وبعيدة عن الأسئلة المقالية التي تحتاج لشرح طويل ومن المفروض أن  يكون  فيها التفاعل بين الطالب والمعلم واضحاً مما يساهم في التعلم الذاتي لدى الطالب .

وأشارت أن هناك جولات مكثفة من الضابطة العدلية في مديرية التربية على المعاهد الخاصة التي تقوم بتشجيع تسرب الطلاب من المدارس صباحاً وسيتم اتخاذ الإجراءات القانونية بحق المخالفين .

وختمت: نسعى بكل جهدنا تغيير الواقع التعليمي نحو الأفضل من خلال الكثير من الإجراءات التي نتمنى أن تلقى الصدى الجيد خلال الفترة القادمة ..

بشرى عنقة

 

المزيد...
آخر الأخبار