البحث العلمي .. قيمة علمية مضافة ونتاج فكري وحضاري يساهم في تقدم الدول وتطورها

يهدف البحث العلمي إلى حل المشكلات التي تطرأ خلال عملية التنمية في المجتمع ،ويعد اللبنة الأساسية لتقدم الدول وارتقائها حضارياً ،فهو حاجة ملحة لرفع جودة مخرجات التعليم العالي وربطها بسوق العمل ،حيث تتطلع الجامعات إلى الريادة في هذا المجال الذي يكتسب أهمية إضافية في سورية ،نظراً لدوره الهام في تذليل الصعوبات التي طرأت خلال سنوات الحرب ،وذلك من خلال عملية التنمية وإعادة الاعمار .
ضرورة حتمية
يؤكد الدكتور وليد صهيون مدير مركز الضمان والجودة في جامعة البعث :أن البحث العلمي ضرورة حتمية لحل مشاكل هذا العالم وبخاصة الاقتصادية والاجتماعية ولمواكبة التغيرات العالمية وتوفير التواصل مع العالم ،والحفاظ على الكرامة الوطنية وتقليل الاعتماد بكثافة على الغير ،حيث يساهم بالنسبة لنا في تعزيز الإحساس أننا لسنا دون غيرنا في القدرة على الإبداع والابتكار ،والمشاركة في حل المشاكل التي تواجه العالم ،وتبين الإحصائيات التي تنشر في العالم المتقدم أن قسماً لا يستهان به من الانجازات العلمية والتقنية يقوم بها العلماء العرب ،ومنهم السوريون ،وهذا يعني أن الطاقات الفردية لدى العرب ليست أضعف مما هي عند أقرانهم في العالم المتقدم ،لكن البيئة العلمية هناك ،تختلف مما هي عليه عندنا ،ونحن قادرون على انجاز بحوث في مجالات الحياة كافة إذا ما توفرت بيئة البحث ومتطلباته ، ويتابع الدكتور وليد :لابد من إجراء البحوث لحل المشاكل التي تظهر في مجالات العلوم كافة ولابتكار أساليب جديدة فيها ولتوفير أجوبة لتساؤلات ترد في بعض فروع العلم ،فعلى سبيل المثال لابد من البحوث إذا أردنا تطوير عملية إنتاجية في مصنع من المصانع ،أو لمعالجة مرض يسيء إلى صحة الإنسان ،أو يصيب نوعاً من المزروعات ويهدد إنتاجها .إن البحث العلمي لم يكن على الغالب هدفاً بحد ذاته ولا ترفاً بحثياً وإنما كان عملاً يتجه إلى حل مشاكل واقعية معينة ،ولدت هنا وهناك ،أو يتجه إلى تطوير آلية عمل ،وصولاً إلى آلية جديدة تختصر الجهد والمال وتعطي منتجاً جديداً أو شكلاً جديداً للمنتج .وإذا ما ظهرت بحوث دون أن يكون لها تطبيق عملي فوري ،فإنها تجد في كثير من الأحيان طريقها إلى التطبيق بعد مدة من الزمن .
لقد كانت ولادة البحث العلمي في سورية بعد الاستقلال عن الاستعمار قسرية وقيصرية في أحسن الأحوال فهو عند جمهور المتعلمين ضرورة ،لأنه يمثل إحدى سمات العالم المتقدم ،وقد نشأ وخاصة التطبيقي منه في بلدنا مبعثراً لا تجمعه رابطة ،ولا يساهم بشكل واضح في خدمة المجتمع ،ولا يدفع النمو الاقتصادي ولا يقدم حلاً لمشكلات صناعية أو زراعية أو تنموية ،وكثيراً ما كان أقرب إلى التجميع منه إلى الإبداع ،وهذا ما أدى إلى اخفاق في تعزيز إحساسنا بقدراتنا الذاتية ، مما أدى إلى توجه مديري المؤسسات وأصحاب المصانع إلى طلب الخبرة الأجنبية إذا ما برزت عندهم مشكلة ،بدلاً من طلب الخبرة المحلية.
ويضيف مدير المركز بأنه سابقاً ونتيجة لعدم اقتناع أصحاب القرار بالجدوى الاقتصادية للبحث العلمي ،بخلوا في تمويله ،بل فاتهم أن يدركوا أن البحث العلمي ليس نبتة صيفية تعطي ثمارها بعد شهر أو شهرين وإنما هو من نوع تلك الأشجار المثمرة التي تزرعها اليوم ثم تتعهدها بالرعاية والعناية لتعطي ثمارها بعد حين ، فاتهم أن يدركوا أن البحث العلمي هو نوع من الاستثمار الذي يدوم طويلاً ، ولقد أدركت القيادة في سورية منذ عهد القائد المؤسس حافظ الأسد أهمية العلم والبحث العلمي ، وأننا إذا أردنا أن نكون فاعلين في مسيرة البشرية ، علينا أن ندرك أن العلم لم يعد وسيلة لمعرفة العالم فقط كما كان في الماضي ، بل أضحى وسيلة لتغيير العالم وضرورة لمواجهة التحديات العالمية ، واستشراف المستقبل ، حيث تم إطلاق تأطير تطوير البحث العلمي من خلال مؤتمر وطني كبير لتطوير الدراسات العليا والبحث العلمي عام 1990 برعاية القائد المؤسس حافظ الأسد .
وأما عن سلبيات واقع البحث العلمي يقول : لقد كان أحد الدوافع الرئيسة لتقديم البحوث لدى معظم أعضاء هيئة التدريس لدينا حتى وقت قريب هو الترفع الأكاديمي ، وأدى ذلك إلى ظهور الكثير من الغش في البحوث والترجمات المشوهة ، وإضافات متواضعة ومشاكل هامشية ، وانتحال لبحوث ظهرت في دوريات قديمة بلغات مختلفة كل ذلك دعا بعضهم إلى القول أنه لا توجد بحوث في سورية والوطن العربي ، وقد يكون في هذا مبالغة كبيرة ، ولكنني أميل إلى الاعتقاد أن البحوث العلمية الجيدة على الأغلب لا تمثل إضافة إلى حضارتنا ، ولا تحمل هويتنا ، إنما هي إضافة إلى الرصيد التراثي الحضاري الغربي ، تماماً كما كان في الماضي حال رجال الفكر والعلم والأدب جاؤوا من اصقاع الأرض انضووا تحت لواء حضارتنا ، جاؤوا إلى بغداد ودمشق وقرطبة ، تعلموا وبحثوا ، وكانت لهم إضافات علمية غنية ، لم تكن تنسب إلا إلى حضارتنا العربية . ومن سلبيات واقعنا البحثي ، أنه ما زالت أكثر بحوثنا فردية ، ولم يكن البحث خاضعاً لاستراتيجية واضحة المعالم وبنية الأهداف ولم تكن متفاعلة مع حاجات المجتمع ، بالإضافة إلى قصور التمويل عن الإستجابة لضرورات البحث العلمي ، بل لضرورات التعليم الفاعل ، ونتيجة لقناعة القيادة السورية بأهمية البحث العلمي ودوره في تطوير المجتمع وبناء قدراته ، تم إحداث الهيئة العليا للبحث العلمي بالمرسوم التشريعي رقم ( 68 ) لعام 2005 بهدف رسم السياسة الوطنية الشاملة للبحث العلمي والتطوير التقاني واستراتيجياته بما يلبي متطلبات التنمية الاقتصادية والاجتماعية المستدامة والتنسيق بين الهيئات العلمية البحثية تنسيقاً كاملاً ، ودعمها لتحقيق أغراضها على جميع الصعد وهي هيئة علمية عامة ذات طابع إداري تتمتع بشخصية اعتبارية والاستقلال المالي والإداري وتتبع لوزارة التعليم العالي
المقياس العصري
أما الدكتور رياض حميد والحائز على أطروحة الدكتوراه منذ وقت قريب في الرياضيات يقول : البحث العلمي هو المقياس العصري الحديث لتطور المجتمعات والبلدان وهو أداة لحركة تطور المجتمع اجتماعياً وعلمياً وأكاديمياً ونفسياً ومن كل الجوانب الأخرى ، وله فوائد وحسنات وإيجابيات تنعكس على الباحث والمجتمع والمؤسسة البحثية مثل الجامعات ، وبالنسبة لفوائد البحث العلمي على الباحث فهي تزيد من ثقافته وفهمه للواقع حوله وتوسع من مداركه حول موضوع البحث وتجعله فاعلاً في مجتمعه ومؤثراً فيه ، فكم من أبحاث غيرت المجتمعات و سياساتها ، وقد يكون له فوائد مادية أيضاً ، فالكثير من الباحثين تبنتهم شركات ومؤسسات إنتاجية وتبنت أبحاثهم وأصبحوا من الأثرياء ، بالإضافة إلى الفوائد النفسية والاجتماعية على الباحث الناجح لما تعطيه من ثقة كبيرة بالنفس ومنزلة اجتماعية بين الناس ، أما عن فوائد البحث العلمي للمجتمع ، فهو يسهم في تطور المجتمع وتقدمه ، بحيث يكون تقدمه مدروساً وممنهجاً ، وليس عشوائياً أو بدائياً .
حيث نرى أبحاثاً ودراسات مثلا على مرض معين تحد من انتشاره وتسهم بتوعية الناس عن مسبباته لتجنبها وتلافيها ونرى دراسات وأبحاثاً تسهم برفع سوية طلابنا ، وذلك بدراسة أسباب التراجع العلمي لهم ، وتجعلنا نتلافاها وبالتالي تقدم طلابنا ورفع مستواهم ، ونرى أبحاثاً صناعية أسهمت في رفع أرباحنا كثيراً ، كما يسهم البحث العلمي في وضع خطط واستراتيجيات لفائدة المجتمعات ورقيها وحضارتها ، بالإضافة إلى رسم سياسة واضحة للبلد والمجتمع في كل الميادين الاجتماعية والسياسية والصناعية والزراعية ، ورفع اسم المؤسسات البحثية مثل الجامعات والمراكز البحثية عالياً ، ورفع تصنيفها العالمي ، والذي هو أمر اهتمت به وزارة التعليم العالي وجامعاتها مؤخراً لرفع سوية البحث العلمي والباحثين ، وبالتالي رفع مستوى التعليم في الجامعات السورية فقد اتخذت وزارة التعليم خطوات لتشجيع البحث والباحثين ، منها مكافأتهم للمتميزين ، بالإضافة إلى حرصها على إيفاد المعيدين ( الخريجين الأوائل ) إيفاداً خارجياً ، ورفد البلد بالكفاءات العلمية والبحثية المتميزة فللبحث العلمي دور مهم في إعادة الإعمار وبأقل كلفة وأفضل طريقة وبالنسبة لأهمية البحث العلمي بالنسبة لطلابنا فهو يعزز المعرفة لديهم ، ويوضح الارتباك بالنسبة للحقائق والأرقام والفهم الصحيح للموضوع الذي يريد معرفته والتعرف على الأساليب والقضايا بالتفصيل وكيفية انشاء توازن بين العمل التعاوني والفردي .
استثمار للطاقات
خزامة الصالح مهندسة في كلية الزراعة وهي طالبة دكتوراه تقول : الدكتوراه بالنسبة لي درجة علمية راقية ولكنها ليست نهاية المشوار الأكاديمي البحثي.. فالطريق طويل و المجال متاح للجميع لتوظيف الإمكانيات و استثمار الطاقات في القيام بعمل بحثي له فائدة تطبيقية في المجتمع و عموماً العمل على أطروحة الدكتوراه و الكتابة فيها يعطي شعوراً بالانجاز و التحفيز على تحسين الإمكانيات و خاصة من خلال المشاركة في مؤتمرات علمية أو كتابة أوراق علمية بلغة أخرى غير اللغة الام وإضافة للتحضير على العمل و الإبداع و كطالبة في الدكتوراه طورت إمكانياتي و اكتسبت خبرة أكبر في الحياة من خلال تذليل عدة صعوبات مررت بها أثناء العمل في الماجستير أو لاً و ثم الدكتوراه و ربما مستمر مستقبلاً و لكن التعامل معها أصبح أسهل بحكم التجربة و القدرة على تقبل أصعب الأمور و المواقف مع العمل على مشروع بحثي مطلوب من الطالب أن يتبناه كما أن البحث العلمي له أهمية بالنسبة للفرد من خلال اكتساب الباحث معلومات جديدة وتنمية معارفه و مواكبه التطور العلمي و بالتالي تضييق الهوة العلمية بين البلدان إضافة إلى أن تعود الباحث على الصبر لتحقيق الهدف المنوط بالبحث أما أهميته بالنسبة للمجتمعات فهو طريقة منظمة و منهجية لدراسة ظاهرة معينة بأسلوب علمي يختلف باختلاف ظاهرة معينة بأسلوب علمي يختلف باختلاف الظاهرة المراد دراستها و حسب طبيعتها و حل مشكلة قد تكون اجتماعية اقتصادية بيئية فالبحث العلمي يساعد على تطوير المجتمع من خلال المشكلات الموجودة فيه و له دور بالارتقاء بالأمم و تطوير الأفراد أخلاقيا و علمياً و مواكبة التطورات في العالم و خلق قدرة الإبداع لدى الأفراد من خلال القدرة و التصميم على الانجاز للأهداف المطلوبة
إنشاء مراكز بحثية
و يرى الدكتور علاء ناصيف في كلية العلوم أنه في ضوء التطور التقني و التكنولوجي الهائل الذي نشهده في وقتنا الحالي على جميع الأصعدة و نظراً لتنافس الدول بعدد الأبحاث العلمية المنجزة و المنشورة و إننا نرى أن الركيزة الأساسية لمواكبة هذا التطور هو إنشاء مراكز بحثية في جامعاتنا و توفير كافة الإمكانيات المادية لها و ذلك بهدف تجميع جهود الباحثين الذين تزخر بهم جامعاتنا بدلاً من وضعها الحالي والتركيز على إنشاء فرق عمل علمية و العمل على إجراء البحوث التخصصية و السعي لنشر نتائج هذه الدراسات و الأبحاث في المجلات العالمية و بذلك نساهم في رفع مستوى تصنيف جامعاتنا ليكون لنا موطئ قدم في عالم اليوم
محط اهتمام
إن البحث العلمي الأكثر أهمية في حياة البشر و محط اهتمام معظم الدول التي تسعى لمزيد من التطور و التقدم فهو طريق المستقبل و إن أي تقدم منشود لن تكتب له البداية الصحيحة إلا بتطوير قاعدة قوية من البحوث العلمية الدقيقة و الشاملة لكل نواحي الحياة بالإضافة إلى توفير السبل و الإمكانات لتشجيع الباحثين و فتح الآفاق لهم لمساعدتهم على تقديم الأفضل و الأحدث دائماً في مجال علوم الحياة .
رهف قمشري

المزيد...
آخر الأخبار