تلوث الهواء و الأضرار الناجمة عنه … أمراض جديدة و خسائر اقتصادية هائلة

بمناسبة اليوم العالمي للبيئة أقامت مديرية البيئة بحمص مجموعة من النشاطات البيئية للتذكير بأهمية البيئة والسعي للحد من الملوثات بمختلف أنواعها وفي مقدمتها تلوث الهواء ، وبهذه المناسبة التقت العروبة الدكتور احمد المحمود الأستاذ بكلية الهندسة الكيميائية والبترولية بجامعة البعث للحديث حول تلوث الهواء وأضراره ، وقد بدأ حديثه قائلا :

يمكن أن يعرف تلوث الهواء ببساطة على أنه وجود مواد معينة في الهواء بتراكيز عالية ، وتبقى فترة كافية لتسبب تأثيرات غير مرغوبة . بعض المواد يمكن أن تكون غازية وبعضها في الحالة السائلة وبعضها الآخر صلبة ، ومع هذا فإن بعض المواد تعتبر ملوثات خطيرة بسبب معدلات الانبعاث العالية جداً أو التأثيرات الضارة وغير المرغوبة ، ويمكن أن تبقى هذه المواد في المكان من بضعة ساعات إلى عدة أيام أو أسابيع ، والبقاء الطويل لمدة أشهر أو سنوات له أثاره السلبية على النطاق العالمي .

سرطان الرئة و الهواء الملوث
و أضاف الدكتور المحمود: تظهر دراسات الصحة العامة أنه على مدى طويل من الزمن يكون مستوى صحة الناس القاطنين والعاملين في مناطق مزدحمة بالصناعات أقل منها بالنسبة للقاطنين في المناطق الريفية ، حيث يكون الهواء أقل تلوثاً ، وهناك دلائل علمية كثيرة لعلاقة مميزة بين الهواء الملوث عموماً والمعدلات العالية لأمراض الجهاز التنفسي ومن ضمنها سرطان الرئة . إن السيطرة على تلوث الغلاف الجوي وضبط نوعية الهواء هي مسألة على غاية من الأهمية في مجالات هندسة الصحة العامة إضافة إلى الهندسة المدنية وهندسة حماية البيئة .
وحتى منتصف القرن العشرين لم تبذل المساعي المستمرة لحماية نوعية الهواء ، فقد بدأت الجهود المفيدة للسيطرة على تلوث الهواء في تلك الفترة بدرجة كبيرة كنتيجة لحوادث تلوث الهواء المهلكة.
ويصعب على خبراء الصحة العامة أن يربطوا بين ملوثات معينة للهواء وبين مرض معين بشكل أكيد ، ولكن يمكن التوصل إلى بعض الاستنتاجات العامة من المعطيات المتاحة وبخاصة المعطيات التي لم يتم الحصول عليها أثناء حالات تلوث الهواء
وهناك دلائل كثيرة تربط بين سرطان الرئة وتلوث الهواء على الرغم من أن العلاقة الفعلية بين المسبب والتأثير ما تزال غير معروفة . ومن بعض الحقائق التي تعزز الربط أن وفيات مرضى سرطان الرئة أكثر تكراراً في المناطق المدنية مقارنة مع المناطق الريفية . ومولدات السرطان توجد عادة في هواء المدن الملوث ، ومولدات السرطان سببت السرطان لدى الحيوانات المدروسة على النطاق المخبري .
تدخل ملوثات الهواء إلى الجسم بواسطة جهاز التنفس عن طريق الأنف فالحنجرة والقصبة الهوائية إلى الشعبتين ومن ثم خلايا الرئتين . ويحدث انتقال الغاز في جيوب خلوية صغيرة ، حيث يمكن أن تنتقل الملوثات بعد ذلك إلى الدم . والرئتان هما الهدف الرئيس لتلوث الهواء ، ويمكن أن تتضررا بملوثات الهواء الغازية والجسيمات .

أمراض جديدة
و تحدث عن الأضرار الاقتصادية الناجمة عن التلوث فقال :
إن الضرر الاقتصادي الناجم عن تلوث البيئة كبير جداً ، ونتيجة لتأثير بعض الملوثات المنبعثة إلى البيئة تظهر لدى الناس أمراض جديدة ، وتتفاقم الأمراض السابقة مثل الأمراض الوراثية وأمراض التسمم والحساسية وأمراض جهاز التنفس وأمراض الغدد . وإن التأثيرات الضارة بالإنسان لا تنشأ فقط عن طرح المواد الكيميائية ، فهناك عدد من المؤثرات الفيزيائية وبخاصة الصوتية منها ( الضجيج ) .
ونظرا للتلوث الفظيع الذي حل بالمحيط الحيوي فقد اتخذت في كثير من الدول إجراءات لتحديد صرف المواد الضارة من المنشآت الصناعية ، إذ تم تحديد التراكيز القصوى المسموح بها للملوثات ، وأعدت المعايير الخاصة لكل نوع من الأنشطة ، واعتمدت المواصفات القياسية لكثير من المواد والمنتجات ، وظهرت التشريعات والقوانين البيئية لتغطي شتى المجالات .

مصادر تلوث الهواء
أشار إلى أن المصادر الرئيسة لتلوث الهواء تتضمن حرق الوقود لتوليد الطاقة وعمليات صناعية كثيرة ووسائل النقل ، ويجب على قطاع الصناعات الخاصة تطبيق تكنولوجيا مناسبة للسيطرة على تلوث الهواء في المعدات المستقلة لتلبي المواصفات القياسية . ومن الواضح أن حجم المواصلات في المنطقة سوف يتزايد، وهذا سوف يؤدي إلى زيادة انبعاثات دخان عوادم السيارات والمركبات الأخرى ، ولكن التوضع الملائم للطرق ونمط حركة السير يمكن أن يقلل من معدل التوقف والانطلاق وبذلك ينخفض حجم تلوث الهواء في المجتمع المفترض .

ملوثـات الهـواء القياسـية
الملوثات الخمسة الأولية القياسية تتضمن غازات SO2 , CO , NO2 و المعلقات الصلبة أو السائلة وجسيمات الرصاص . وباستثناء الرصاص تنبعث الملوثات الأولية في البلدان الصناعية بمعدلات عالية جداً عادة تقدر بملايين الأطنان سنوياً ، والأوزون (O3 ) هو الملوث القياسي الثانوي المشمول في معايير جودة الهواء المحيط ، وعلى الرغم من أن الأوزون ملوث ضار عند سطح الأرض ، فإنه في الستراتوسفير يساعد على احتجاز الأشعة فوق البنفسجية الضارة .
والجسيمات هي أجزاء صغيرة جداً من مواد صلبة أو قطرات من سائل معلقة في الهواء . و باستثناء الرصاص, يمكن تصنيف الجسيمات على أساس الحجم والمصدر وليس على أساس التركيب الكيميائي .
و مع أن الجسيمات المستقلة صغيرة جداً ، فإن الكتلة الإجمالية للجسيمات المنبعثة إلى الهواء الجوي كبيرة جداً. وتأتي انبعاثات الجسيمات من عمليات تداول المواد أو عمليات الاحتراق أو تفاعلات تحول الغازات في الغلاف الجوي . والمصادر الرئيسة تتضمن العمليات الصناعية ومحطات الطاقة التي تعمل على الفحم أو النفط وأنظمة التدفئة السكنية ومركبات الطرق العامة . والجسيمات ذات القطر الأقل من 1µm تميل للبقاء معلقة في الهواء الجوي بصورة دائمة , في حين إن تلك الأكبر من 1µm تميل للترسب بتأثير وزنها . وتصنف الجسيمات عموماً بالاسم وفقاً لحجمها وشكلها (صلبة أو سائلة ) .

ملـوثات الهـواء الخطيـرة
و عن ملوثات الهواء الخطيرة قال : ملوثات الهواء المرتبطة بمصادر خاصة معينة التي تهدد مباشر صحة الإنسان تدعى سموم الهواء أو ملوثات الهواء الخطيرة ، ويكون خطرها أعظم ما يمكن على الناس القاطنين في مناطق مدنية صناعية وشديدة التلوث . إن ملوثات الهواء الخطرة تزيد من حدوث السرطان والتأثيرات العكسية الأخرى في الصحة ، وتسبب ضرراً واسع الانتشار في البيئة . وإن نسبة كبيرة من المواد السامة الموجودة في مياه البحيرات تأتي من الهواء وليس من المياه السطحية الجارية (مثل الزئبق في البحيرات العظمى) . وفي حين تكون انبعاثات الملوثات القياسية بمعظمها ثابتة ومتدرجة فهناك احتمال لتحرر ملوثات الهواء الخطيرة بشكل مفاجئ وغالباً تشكل حوادث مأساوية . وإحدى أكثر هذه الحوادث سوءاً تلك التي حدثت عام 1984 في معمل للمبيدات الحشرية في بوبال في الهند ، حيث تسبب تسرب ميتيل إيزوسيانات السام إلى الهواء بقتل حوالي 3000 شخص وتضرر مئات الآلاف الآخرين.

برنامج مسممات الهواء
و أشار الدكتور المحمود إلى أنه تم وضع برنامج لمسممات الهواء و معايير الملوثات السامة بقوله:
تضمن برنامج مسممات الهواء الذي تأسس بموجب تعديلات قانون الهواء النظيف لعام 1990 حوافز قوية للابتكار ومنع التلوث في الصناعة ، حيث تم إعداد قائمة مكونة من 189 ملوثاً للهواء و برنامج زمني من عشر سنوات لإعداد المعايير لكل المصادر الرئيسة لملوثات الهواء الخطيرة . والمصدر الرئيس هو ذلك الذي يطرح أكثر من 10 طن سنوياً من أي ملوث هواء خطير بصورة منفردة ، أو أكثر من 25 طن سنوياً من ملوثات الهواء الخطيرة بصورة مشتركة . ويطلب من الصناعة أن تعتمد أفضل طرق السيطرة المنجزة لتلبي المعايير الجديدة ، وتم إعداد معايير مسبقاً لستة ملوثات سامة للهواء هي : الأزبستوس والبنزين والبيريليوم والزئبق وفينيل كلوريد والنوى المشعة ( ملوثات الهواء الإشعاعية ) ، ويتم حالياً إعداد المستويات العظمى للزرنيخ وكثير غيره . الأزبستوس الذي يمكن أن يصبح محمولاً بالهواء خلال تدمير وتجديد المباني القديمة التي تحوي الأزبستوس المقاوم للنيران يمكن أن يسبب أمراضاً متنوعة للرئتين ومن ضمنها السرطان . فالبنزين وهو من المواد المسرطنة ينبعث إلى الهواء بصورة رئيسة من المركبات العاملة على الغازولين ، ويأتي البيريليوم من سبك المعادن ومصانع السيراميك والأفران وغيرها من المصادر، والزئبق المعدني الموجود في الفحم بكميات ضئيلة يتحرر إلى الهواء عند حرق الفحم في محطات توليد الطاقة ، وكذلك يمكن أن يتحرر من خلال حرق النفايات ومن عمليات التعرية الجوية للدهانات ذات أساس اللاتكس التي تحوي الزئبق لمنع التعفن الفطري ، ومن المعروف أن الزئبق يسبب أضراراً للدماغ والكلية . وينبعث فينيل كلوريد من عمليات تصنيع البلاستيك المتنوعة

دليل جودة الهواء
و أضاف أنه تم إعداد دليل جديد لتبيان نوعية الهواء و جودته بقوله:
أعد دليل جودة الهواء في كثير من الدول للمساعدة على تقديم معلومات دقيقة محدثة حول نوعية الهواء من أجل تقييم التوجهات الوطنية لنوعية الهواء. كذلك يعمل الدليل كوسيلة تقدم لعامة الشعب المعلومات حول المستويات اليومية لنوعية الهواء من دون الإعلان بالضبط عن التراكيز الصحيحة لكل ملوث معين على حدة . وهذا يساعد على حماية الصحة العامة وبخاصة بالنسبة للمسنين والناس الآخرين الذين عليهم أن يعدلوا نشاطاتهم (على سبيل المثال البقاء في الداخل) ، ويذكر الدليل رقماً منفرداً بين 0 و 500 , وهو يحسب بطريقة مخصصة للتراكيز المحيطة والتأثيرات الصحية الممكنة لخمسة من معايير التلوث : SO2, NO2, CO,O3, PM10. وفي الواقع فإن الدليل يحول معطيات التركيز المحيطة إلى قيمة واحدة تقدم معلومات تتعلق بنوعية هواء المدن عبر البلاد على أساس متجانس موحد.
وتعتبر القيم الأعلى من 300 دليلاً على نوعية الهواء الخطيرة ، ومن المحتمل أن ترتفع معدلات الهواء المتعلقة بالمرض والشيخوخة في تلك الفترة, وينصح بالحد من الأنشطة الفيزيائية والخارجية إلى الحدود الدنيا . وتعتبر القيم بين 200 و 300 سيئة ، وتلك التي بين 100 و 200 غير صحية ، أما تلك التي بين 50 و 100 فتعد مقبولة , وعندما تكون القيمة أقل من 50 يعد الهواء جيداً . وإضافة إلى الدليل تم وضع معايير تسلسل حدوث ثلاثة مستويات مختلفة لتلوث الهواء. وهذه المراحل هي : حالة التيقظ ، حالة الإنذار ، حالة الطوارئ . وهذه الحالات تشير إلى الحاجة إلى تدابير سيطرة معينة ، تنفذها الجهات المعنية لحماية الناس . وتتضمن مثل هذه التدابير تخفيض الأنشطة الصناعية وحركة السير وحرق النفايات الصلبة . وعلى الرغم من عدم وجود علاقة محددة بين المستويات الثلاثة لتلوث الهواء و قيم الدليل فإن حالة التيقظ عموماً تقابل قيم الدليل الأعلى من 200 ، وحالة الإنذار تقابل القيم الأعلى من 300 ، وحالة الطوارئ تقابل القيم الأعلى من 400 .

أهمية المراقبة و تحديد الأهداف
و اختتم حديثه بضرورة المراقبة الجيدة و تحديد الأهداف مسبقا إذ تعد المراقبة أداة قوية لتحديد مسائل جودة الهواء ومعالجتها ، وتزداد فائدة المراقبة عندما تستخدم بالاشتراك مع نمذجة التنبؤ وتقدير الانبعاثات كجزء من مسعى متكامل لإدارة جودة الهواء .
ومهما كانت أسباب المراقبة ، سواء لتلبية الاحتياجات المحلية أو الوطنية ، لتقدير تأثيرات حركة المرور أو الصناعة فيما يخص التخطيط أو التطوير أو إعطاء المعلومات للجماهير ، فإن القياسات يجب أن تكون دقيقة وموثوقة حتى يمكن الإفادة منها ، ولهذا السبب فإن برنامج ضمان الجودة ومراقبة الجودة مكون أساسي في أي برنامج للمراقبة ، ومن دون هذا فلن يكون للمعلومات أي صدى لاتخاذ القرار أو إدارة جودة الهواء ، وبالنتيجة فإن أي توظيف للمال والجهد ومساعي المراقبة سوف تكون بلا جدوى .
يجب أن يغطي برنامج ضمان الجودة وضبط الجودة كل مجالات تشغيل شبكة المراقبة ، بدءاً من تصميم النظام وانتهاء باختيار الموقع مروراً بانتقاء المعدات وتشغيلها ومعايرتها وصيانتها وإدارة البيانات ومصداقيتها .
ويجب تأكيد أهمية تحديد الأهداف بوضوح كخطوة أولى في تصميم أو تنفيذ أي نظام مراقبة للهواء ، وإن عدد المواقع وأماكنها واستراتيجية أخذ العينات يجب أن تحدد من خلال الأهداف الإجمالية للمراقبة وتوفر الموارد، وإن تأسيس الإدارة وأنظمة التدريب يعتبر أيضاً مكوناً له أهميته في طور تصميم الشبكة .
إن اختيار منهج المراقبة الملائم والفعال اقتصادياً هو أمر جوهري ، ويجب اختبار التوفيق بين كلفة المعدات والتعقيد والوثوقية والأداء ، وعلى ذلك ينصح باستخدام تكنولوجيا بسيطة حيث يكون ذلك ممكناً ، ويجب الأخذ بعين الاعتبار أعمال تشغيل النظام والمعايرة والصيانة ، وإن مراجعة الموقع بصورة فعالة مسبقاً وتأسيس سلسلة معايرات مباشرة مع معايير غاز المقارنة ( الغاز الشاهد ) هي أيضاً من المستلزمات الهامة لتشغيل الشبكة .

اجرت اللقاء: جنينه الحسن

المزيد...
آخر الأخبار