الناقد الأدبي راتب سليم إدريس: الشعر الحقيقيّ أيا كان نوعه يفرض ذاته… الافتقار إلى مخزون علوم اللغة العربية أدى إلى ضحالة المنَتج
يفضل الشعر الذي يضيف المعنى على المعنى… مهندس مدني ، يحمل إجازة في اللغة العربية إنه الأديب و الناقد راتب سليم إدريس الذي التقيناه وأجرينا معه الحوار التالي…
بداية يقول: لدي خمس مجموعات شعرية ورواية واحدة تمت الموافقة عليها جميعا من اتحاد الكتاب العرب ولم أنشر أيا منها حتى اللحظة….
أكد أنه يهتمّ بالنقد وخاصة نقد الشعر .. من هنا كان السؤال عن كيفية تقييم الشعر اليوم فتحدث قائلا : من خلال متابعتي على الصعيد المحلي وما أتصفحه على شبكة الانترنت أرى أن الشعر يحضر بكثرة في الساحة الأدبية .. ربما لسهولة تسويقه واستسهال ركوب موجته .. لكن يحضر الكثير من اللاشعر بين قليلِهِ الحقيقي.
وحول وصول الشعر إلى مستوى الطموحات قال : لنتّفق أولا على مصطلح مستوى الطموح فحين يترك الشعر أثراً أو علامةً فارقةً يرتقي إلى مستوى الطموح إنما القليل منه يحقق هذا والكثير يمرّ عابراً كما لم يكن .. لكن هل يتحمّل الشعر وحده المسؤولية؟ بالتأكيد لا إذ أنّ حال التلقّي لم ترقَ إلى مستوى الشعر الثريّ فالشعر ليس المناخ المنتظَر عند الأغلبية.
وسألناه ما الفرق بين شعر اليوم والأمس فأجاب : كثيراً ما يكتَبُ شعر اليوم بزمن الأمس وهذا مِن أخطر أسباب كساد الشعر .. وحتى شعر اليوم الذي يدّعي المعاصرة كثيراً ما يفتقر إلى الأصالة التي تميّزه كنوع من الأدب الحقيقيّ (دون القصد أن يكون نسخة عن التراث ) وإذا ما تحدثنا عن الشعر الحقيقي اليوم ومقارنته عمّا سبقه فقد تجاوز الرتابة والنمطية والعبء الجاثم على القصيدة …
وسؤالنا الآخر عن الشاعر المفضّل لدى الناقد ادريس ولمن يقرأ فقال: أقرأ الشعر عموماً و أخص بالذكر الشعراء الذين كان لهم بصمة واضحة عبر التاريخ مِن طرفة بن العبد إلى أبي تمام إلى المتنبي .. الخ… ناهيك عن الذين أزاحوا القصيدة العربية عن بنيتها وتعبيرها مِن السيّاب إلى دنقل إلى درويش .. و أدونيس شعراً ونقداً.. وتربطني علاقة صداقة وأتواصل مع العديد من الأدباء مثل الناقد أحمد علي هلال .. و الأديبة أميمة إبراهيم التي قامت بالتخفيف عن كاهل قصيدة النثر .. والشعراء محمود نقشو ..حسن بعيتي.. أيمن معروف.. محمد علي خضور..أسد خضر..أحمد الحمد(الذين أضافوا معنى على المعنى) .. وغيرهم ممّن لا يتّسع المجال لذكرهم…
وعن الأمسيات الشعرية التي تقام حاليا والتي تستضيف شعراء ليسوا على سوية واحدة قال : نعم .. هذه واحدة من السلبيات مع كثرة الايجابيات ما يتسبّب مِن إرباكٍ للمعافى حين دمجه مع المريض .. أما عن تفاوت المستويات فهذا طبيعيّ لكنّ المشكلة بافتقار البعض إلى عتبة الأدب الدنيا .. فكيف يَقبَلُ القائمون على تلك الأمسيات باستقبال من لا يمتلك ناصية اللغة و أساسيات الشعر على الأقل .. كيف يمكن أن يلقى ذلك الشعر أمام مهتمّين ومعنيّين ربما أتوا مسافرين لمسافات طويلة وتكبدوا مشقّة الطريق ليصابوا بالخيبة والخذلان ولِيعودوا بخفَيّ حنين خاصة إذا كان إلقاء الشاعر رديئا فإن ذلك يصيب المتلقي بالملل…
وحول نوع الشعر الذي يفضّله, عموديّ أم تفعيلة أو باللغة المحكية؟ قال : الشعر الحقيقيّ أيا كان نوعه يفرض ذاته .. يأسرك .. يصدمك .. يغيّرك .. بالتالي لا يتوقف التفضيل على قالبه عموديّاً كان أم تفعيلة أم نثراً أم محكيّاً… وعن الشعر المحكيّ فأخطر ما يُفهَمُ عنه هو أن يُحتسَبَ مرتبةً بدائيةً تاليةً للكلام العفويّ .. إذ مع أنه محلّيّ لكنّ جيّدَه لن يتحقّق إلّا عبر موهبةٍ عميقةٍ وتجربةٍ إبداعيةٍ وحياتيّة.. وكثيراً ما يَطُلُّ ببيئةٍ ما مضيفاً لوناً آخر إلى عالَم الجمال.
وعن أهم الموضوعات التي تلفت ذائقتَه النقديّة قال: ما يلفتني أن يمتلك الأدب رسالةً ويرتقي إلى الأجدر و الأرقى .. و أن لا يُعدَمَ مِن تصوير أثرٍ أو حياةٍ أو فلسفةٍ أو علمٍ و ألا يركن خلفيةَ مشهدٍ على آن تتصدّرَهُ الشعريّةُ شغفاً ودهشةً .. وعليه فلا طعم لِوَرَمِ الخيال الذي يُجهِزُ على كثيرٍ من القصائد .. حتّى الصوفية فلا يثمِرُ بجانبٍ كبيرٍ منها..
كلمة أخيرة …
إنّ الافتقار إلى مخزون علوم اللغة العربية .. كأدواتٍ .. أدى إلى ضحالة المنَتج فاقتصرت القصيدة الموسيقيّة على أساليب محدّدة مكرّرة وبدت قصيدة النثر التي بمعظمها انفصلت عن موروثها الشعري كما لو أنها ترجمةٌ عرجاءُ عن لغة أخرى .. وحتى الشعر مرفوداً بهذا المخزون لا يكفي إذ لابدّ من إطلالة زمان ومكان القصيدة بين ظهرانيها.
حاورته:عفاف حلاس