فقدان المعيل وتفكك الأسر والتسرب المدرسي يساهم بازدياد التسول…  الشؤون الاجتماعية :معالجة 120 حالة تسول العام الماضي..  ابتكار أساليب متنوعة لكسب المال وبطرق غير قانونية أحيانا… استغلال الأطفال من قبل ضعاف النفوس لتشغيلهم بالتسول…

تحاول بهيجة وهي سيدة أربعينية ووالدة لثلاثة أطفال أن تخفي وجهها حتى لا يعرفها أحد  وهي تجلس على باب الكراج الجنوبي في حمص  تستعطف الناس وإلى جانبها تُجلس طفلها على الأرض تغطي قدميه بغطاء لايحمي من برد الشتاء القارس… بينما ابنتيها يتابعن المارة بعبارات الاستعطاف..

تقول الأم  : لولا الظروف المعيشية القاسية وفقدان زوجي  لن أفكر في طلب حاجتي  من الآخرين.. لا يمكنني رؤية أطفالي يموتون جوعاً، لقد حاولت مرارا أن أجد عملا مناسبا دون جدوى خاصة وأنني لا أستطيع ترك أولادي عند أحد فلم أجد سوى هذه الطريقة لنعيش.. .

لم تكن ظاهرة التسول بعيدة عن بلدنا  منذ سنوات.. وقد اتفقت جميع شرائح  المجتمع على أنها ظاهرة خطرة  لا يمكن التخلص منها بشكل تام وبوقت قصير ، إلا أن المتسولين مؤخرا  أصبحوا  يظهرون بأشكال مختلفة ومتنوعة  للحصول على أكبر قدر من المال، كأن يوهموا الآخرين بوجود مرض يحتاج إلى تكاليف علاجية كبيرة أو يتصنعون القيام بعمل  (بيع المحارم- العلكة.. وغيرها) لتبرير تسولهم ، وأصبحت أحياء المدينة  وبالقرب من إشارات المرور لا تخلو من المتسولين يومياً منهم الأطفال والنساء وحتى كبار السن أيضاً  ورغم ذلك لا يمكن أن نغفل عن وجود حالات حقيقية تحتاج المساعدة..

“العروبة ” تجولت في بعض أحياء المدينة والتقت بعض المواطنين للحديث عن هذه الظاهرة والنماذج التي يرونها من المتسولين وسألناهم عن رأيهم بازدياد هذه الظاهرة وتأثيرها على المجتمع…

تقول إحدى السيدات : استغرب كثيرا عندما  يستوقفني شاب  في مقتبل العمر  أو رجل يستطيع العمل ويطلب مني المساعدة وإعطائه مالا بعد أن يسمعني حججا وادعاءات واهية لتبرير تسوله منها  إصابته بمرض يمنعه من العمل  وغير ذلك من العبارات  التي باتت مألوفة  ، أو قد يطلب تزويده بأجرة الباص لأنه من إحدى القرى البعيدة ولم يعد يملك مالا للعودة إلى قريته… وأضافت :بتنا نسمع قصصا كثيرة عن أساليب يتبعها المتسولون  للحصول على المال وبأي شكل كان  ، و برأيها أن على الجهات المعنية تكثيف جهودها بالتعاون مع المجتمع المحلي للحد من هذه الظاهرة  والتوعية  بمخاطر التسول على الفرد والمجتمع بأكمله…

مصطفى (صاحب بقالية) يقول : كثيرا ما أرى العديد من الأطفال وكبار السن المحتاجين والذين يترددون إلى المحل.. أساعدهم  حسب استطاعتي.. أتعاطف معهم وأقدر ظروفهم السيئة.. منهم من يطلب ثمن خبز لأولاده أو علبة دواء لأمه علما أنني على يقين أنهم مجموعة تعرف بعضها فمجرد أن يعرفوا أن أحدا ما قدم مساعدة يتوافد الجميع لطلبها منه لاحقا.

تقول أم تميم أنها صادفت في طريقها امرأة طاعنة في السن تبيع أنواع بسيطة من علب المناديل الورقية والبسكويت – العلكة فمنحتها مبلغا من المال لكنها  رفضت ورجتها أن تشتري منها.. فهي ليست متسولة وإنما الظروف الصعبة والحرب التي خسرت فيها زوجها  أجبرتها على الوقوف وبيع هذه المواد لتؤمن  مصروف عائلتها فهي المعيل الوحيد لها… وبينت أنها حاولت التواصل مع إحدى الجمعيات الخيرية لكن دون جدوى…

تسول الكتروني

المرشدة الاجتماعية نيفين المحمد قالت :من أهم أسباب انتشار ظاهرة التسول هو تفكك بعض الأسر و ارتفاع نسبة الطلاق، إضافة للتسرب المدرسي الذي ساهم أيضا في استغلال الأطفال من قبل ضعاف النفوس لتشغيلهم بالتسول، أو بأعمال أخرى  مثل بيع المحارم أو مسح السيارات عند  إشارات المرور في الشوارع الرئيسة,   وأضافت :هناك شكل جديد للتسول انتشر مؤخرا على وسائل التواصل الاجتماعي وهو مايسمى (التسول الإلكتروني)  حيث يقوم البعض بنشر حادثة معينة على أنها  قصته، ويطلب المساعدة في المجموعات الخاصة بحجة مرض أو إجراء عملية صعبة ومكلفة ماديا.. أو واقع معيشي صعب عند  العائلات التي لا معيل لها بغية الحصول على مساعدة مالية منوهة أنه  بالتأكيد هناك عائلات بحاجة لمساعدة وهنا يجب  إعلام الجمعيات الخيرية بتلك الحالات للتواصل معهم وتقديم المساعدة لضمان الحد من ظاهرة التسول…

تداعيات سلبية

ياسر جروان  مدير مكتب مكافحة التسول والتشرد في مديرية الشؤون الاجتماعية   أشار أن ظاهرة التسول  تتعلق بأسباب متعددة منها الفقر  والمشكلات العائلية (الطلاق و المرض و  العجز  الإعاقة أحيانا) , و لهذه الظاهرة تداعيات سلبية تتجلى بالإساءة إلى الناس وإزعاج المارة وتعطي صورة غير حضارية  عن المجتمع .

وعن الإجراءات المتخذة للحد منها قال : يلاحق  مكتب التسول المتسولين وتسليمهم إلى الجهات المختصة بعد تنظيم الضبوط بحقهم وتقديمهم للقضاء بالتعاون  مع أقسام الشرطة بالمحافظة, مشيرا أن عدد حالات التسول للعام الماضي بلغت  120 حالة وعن الحلول للحد من انتشار هذه الظاهرة  أكد على ضرورة  تعاون المجتمع مع  الجهات المختصة بالإضافة إلى رصد الشرطة للمتسولين   وتعاون  المواطنين وقيامهم بالاتصال مع الجهات المختصة لمعرفة أوضاع أي متسول وأينما وجد… .مبينا أن هناك عقوبات   تتضمن الحبس والغرامات المالية بحق كل من اتضح مخالفته للقانون…

أخيرا

التسول ظاهرة غير حضارية، وتعطي انطباعاً سيئاً  لا يليق بأي مجتمع  هذا عدا عن  تداعياته وآثاره  السلبية التي تنذر بعواقب وخيمة نتيجة لقيام بعض المتسولين بارتكاب أفعال لاتحمد عقباها  تحت غطاء التسول لذلك لابد من الحد من هذه الظاهرة  والقضاء عليها  …

بشرى عنقة-  هيا العلي

المزيد...
آخر الأخبار