ديوان “مرايا الليل ” .. مفردات دافئة وتناغم في تدفق الصور

 

من الأسطر الأولى لديوان(مرايا الليل) نتلمس وجع الشاعر الباحث الدكتور حسان أحمد قمحية في أسلوبه الشعري  ونشعر بنبض وجدانه بلغة صافية نقية ، فالليل رفيقاً له في مناجاته الفكرية رغم عتمته وظلامه الدامس مما يدعونا للوقوف أمام مشهدية درامية ، الأبطال فيها الشاعر المتألم ، والليل الصديق والتراب الوفي والأشجارالشامخة .

اعتمد قمحية الليل  كرفيق له في فك أسر خياله برفقة نجومه وقمره ليستدعي الماضي الآسر ونغيب معه في عمق المفردات التي عانقت جمالية المعنى:

سألت الليل يسكنه الحضور      ويطوي نجمه قمر منير

تعال فإنك الأنس المرَجى         وشيءٌ من سكونك لي كثير

تجاوز الشاعر قوالب الجمود في قصائده ووظف عناصر الطبيعة في حمل العبء الفكري حيث المفردات الدافئة والتناغم في تدفق الصور ورشاقتها .

يتذوق القارىء الكرم والذكاء في طرح الفكرة ،وخاصة أن شاعرنا يعيش خارج الوطن وهو في حالة شوق دائم له ، فأشجار الخريف كانت رفيقته في المناجاة وقد بدت صبية جميلة تتمايل مع أوراقها الصفراء في دلال معانقةً أشعة القمر المتناثرة في فضاء الليل :

أي حسنٍ يمتطي هامَ الشجر     وجمال في دلالات الصور

صُفرة غطت دروباَ وثرى   وانبرت تثقل رغبات النظر

يشكل الحنين والشوق لأرض الوطن جزءاً واسعاً من ديوان (مرايا الليل)  ولم يغب عن الشاعر في أماكن عديدة ،ليسترسل في وصف وحدته وغربة نفسه ، وهي تلملم ذكريات الفؤاد المنفطر ومسيرة عمر تحفل بالعمل والجهد المعجون بالآهات والقلق .

ولايغيب عن ذاكرتنا  أن الدكتور حسان قمحية قام بجمع قصائد شعرية لشعراء مغتربين سوريين ، لينجز مجموعة من الدواوين الرائعة زينت مكتباتنا و لاتقل أهمية عن أي ديوان شعري موجود في الساحة الأدبية والثقافية وأهم هذه الدواوين:، ديوان الشاعر حسني غراب ، و بترو طرابلسي ، وسلوى سلامة طلاس، كاتي صدفة زريق ، صبري أندريا وبدري فركوح وغيرهم.

كما تناول قمحية في مؤلف واحد أهم أعلام الأدب المهجري في الأمريكيتين ، بالإضافة إلى صدور مجموعات شعرية له غير ديوان (مرايا الليل) منها (أبلغ من الصمت ، جرعة حزن، وعاد القمر) .

يتضح لنا من خلال هذا العمل  كمية الوفاء والحب للوطن ، والغيرية على أبناء البلد والحفاظ ما أمكن على ما نثروه من شعر في بلاد الغربة .

في قصيدة (وطني ) استفاد الشاعر من  تعميق أبعاد الصورة لتحمل مجموعة من الدلالات التي تشير إلى عشقه للوطن وشوقه إلى رؤيته فالمنام لايحلو له إن لم يكن الوطن فيه ، كما أن ربط مفردات القصيدة  مثل (منامي ، حلمي ، سهادي ، الآلام، النضال) خلقت جزئيات ينتمي أغلب مفرداتها إلى الحقل الدلالي التي تشير إلى روض وعشق وهوى الثنايا لهذا الوطن:

ولي نفس مرابضها الثريا        وغاية دأبها خطف المعالي

تعِفُ عن الكثير بذلّ سؤل      وتلتمس القليل مع الجـلال

لم يغب عن شاعرنا أن الوطن نزف مع أبنائه الدماء والألم ، فأشبعت الترابا لتزهر الرياض فيما بعد بفضل حب الوطن وتكاتف الأبناء  فـ (بحر الدماء) و(نشيد الشوق ) و(ويح التراب ) قصائد وطنية تجلى فيها الابداع الذي يخرق المألوف لأن الشاعر استطاع في كثير من المواضع الشعرية أن يقارب في صورته ماهو متباعد ويجمع مابين المعنوي والمادي.

ولفلسطين الحبيبة  التي تنزف حتى اللحظة حيز في هذا الديوان حيث اصطفاها بقصيدة تجردت فيها الحروف من الفرح ولكنها اعتمرت الأمل والتصميم على النصر يقول في قصيدة (عائد) والتي يقول فيها :

طلع الصباح فأين وجه ضياكِ           ياقبــلة العبــّاد والنســّاك

أأسيرة ؟ ياويح نفسي والنوى           إن غاب عن مرأى العيون سناك

يدغدغ الحب والوجد قلب الشاعر من دون أن يستطيع لجمه فالحب لاعنوان له ولاحدود ، يدخل قلوبنا من دون استئذان ولانستطيع في أحوال كثيرة أن نخفيه وهذا ماعبر عنه شاعرنا في قصيدة (بغير حدود) :

أحبك …لكن بغير حدود         خيالي عميق تعدى القيود

أحبك فوق سراب المدى         وفوق السديم وضيق الجمود

أخيرا

إن ديوان (مرايا الليل ) ، بمواضيعه المتنوعة مابين غزلي ووجداني ووطني ، تميزت نصوصه الشعرية بالمفردات الجزلة القوية  .  .

عبير منون

 

المزيد...
آخر الأخبار