رسالة غامضة.. قصص الهمّ الاجتماعي والوطني
حسناً فعل القاص العربي الفلسطيني علي الخليلي ، المقيم في مخيم العائدين بحمص ، عندما تريث كثيراً في إصدار مجموعته القصصية الأولى /رسالة غامضة / التي تضم اثنتي عشرة قصة ، تتفاوت في حجمها ، فبعضها قصير وبعضها يندرج تحت مسمّى /القصة القصيرة الطويلة / التي تكاد أن تكون فصلاً في رواية مثل قصص / رسالة غامضة ،حيرة رشا ،وحوار عصري جداً/
ولعل الإنصاف يقتضي أن نذكر أنّ تقديم الدكتور محمد عبد الرحيم الحسن ، أستاذ النقد العربي الحديث في جامعة البعث ، يحرّض على قراءة قصص المجموعة ،كما أنّ رؤية الدكتور عصام الكوسى عن قصص المجموعة التي أشار إليها في إحدى الندوات ،يحفّز أيضاً على قراءتها والتفكير فيها .
والقاص علي الخليلي اعتاد أن يلقي قصصه منذ سنوات في الأماسي الأدبية في حمص .
يمكننا أن نصنّف قصص هذه المجموعة في ثلاث مجموعات :
القصص التي تتحدث عن حال الناس بسبب الحرب الكونية الإرهابية على سورية حيث قدِمت العصابات الإرهابية المسلحة من أكثر من ثمانين بلداً في العالم وهذه المجموعة تضم ثلاث قصص هي “لقاء عاثر” و “حوار عصري جداً”و هناك ” أم هنا”.
والمجوعة الثانية هي القصص التي تطرح موضوع الفقر والهجرة والأمور الاجتماعية وانهيار القيم والأخلاق مثل قصص /طريق قصير – حيرة رشا – نصيحة بائع فول –فن الفتنة – مريم /
أما المجموعة الثالثة ففيها قصتان من قصص الخيال العلمي هما /حدث لاحقاً /و /أقدار/
و تبقى قصة واحدة تتحدث عن فلسطين ،من خلال الحديث عن / برتقال يافاوي /.
ففي “لقاء عاثر” يسأل نزار صديقته”وفاء” بعد فراق لعدة عقود عما جرى لها بعدما فشلا في الارتباط فتجيب إنها كانت تتمنى لو تنجب اثني عشر ولداً ست بنات وستة صبيان لكنها أنجبت أربعة صبيان وابنتين أحد أبنائها استشهد على يد الإرهابيين والثلاثة الباقون هاجروا وابنتها تزوجت وهاجرت مع زوجها وهي تقيم مع ابنتها الأخرى وزوجها الذي لم يحتمل فأصيب بجلطة جعلته مشلولا طريح الفراش!!
إن ضحايا الحروب ليسوا فقط من ماتوا وإنما هناك أشباه أحياء ، وكل ما جرى في هذا السياق يندرج تحت عنوان المؤامرة الكونية على سورية لأنها تتمسك بقضية تحرير فلسطين وعاصمتها القدس.
أما قصته ” حوار عصري جداً” فهي عن قصة حب متعثر بسبب ظروف المعيشة القاسية التي نتجت عن الحرب الكونية الإرهابية على سورية .
يحب حسام فتاة جميلة اسمها رهف ويريد أن يهاجر علّه يجمع بعض المال للزواج هي تعارض الفكرة …و تأتيها رسالة عبر هاتفها المحمول ” أنا أبحر في القارب إلى المهجر” .
وبعد دقائق قليلة تبث الفضائيات صوراً لقارب غرق في البحر ويجري انتشال الجثث وتظهر إحدى الصور جثة حسام فتبدأ رهف البكاء وبعد دقائق تسمع دقات على الباب تفتحه لتراه أمامها هو وأهله ، وقد جاء خاطباً راغباً ..!! هل كانت تحلم أم تتوهم .. الجثة لم تكن له ..!! و على سبيل الدعابة أرسل لها رسالة بعدها انقطع يومين ظنت أنه قد هاجر !!
تنجح ” رهف” في أن تكون جزءاً من الوطن الذي لا غنى لحسام عنه فيبقى في بلده ويعمل بها .
وحجتها قوية فلو هاجر كل الناس فلمن نترك الوطن ؟! الوطن الذي قدمنا من أجله آلاف الشهداء والمفقودين في حربنا ضد الإرهاب !!
وقصة ” هناك أم هنا” تطرح موضوع الهجرة أو البقاء في الوطن يأتي المغترب أسامة لقضاء إجازته في ربوع الوطن بعد غياب عشر سنوات في السويد يذهب ليسلم على أبي صالح العجوز جاره فيخبره العجوز أن ابنه صالح قد مات وأن ولديه الآخرين هاجرا وأنه يعيش مع زوجة ابنه صالح وابنتها شذا التي تقدم الشاي يعجب بها أسامة لكن أبا صالح يخير أسامة بين البقاء في الوطن وتلبية رغبته بالزواج من شذا أو يسافر لوحده لأن شذا لن تترك جدها وأمها وبلدها ويقرر أسامة أن يختار ” هنا” بدلاً من “هناك”
وفي قصة ” طريق قصير” يشجب القاص على لسان بطل القصة أولئك الذي نسوا المعلم ودوره التربوي والأخلاقي الهام فتراجع المستوى التعليمي وانهارت الأخلاق..
وفي ” حيرة رشا” تكتشف رشا أن إياد يحبها لكنها تخشى أن يكون هدفه التسلية مثل بعض الذين ادعوا أنهن يحبونها فاكتشفت ألاعيبهم وصدتهم لكن إياد يحبها بالفعل وبعدما رفضته لأنها تشك في كلامه فوجئت به يزورها مع أهله فتحققت أمنيتها لأن قلبها دق لهذا الشاب !!.
وفي قصة برتقال يافاوي يحلم شاب أن يزور يافا ويلتقي أحد أجداده الذين تشبثوا بأرضهم يزور البيارات ويتعرف على أنواع البرتقال اليافاوي العديدة فكل العالم يعرف برتقال يافا.
لكن الشاب يشعر بالحزن عندما يستيقظ …فكان حلماً لا أكثر لكنه حلم سيبقى ذكرى جميلة .
ثمة ملاحظات لابد منها وهي أن القاص علي الخليلي يكثر أحياناً من الجمل التقريرية في بعض قصصه وهذا يثقل السرد ويضعف جماليته كما أن التفاصيل الصغيرة لا ضرورة لها لأنها تشكل عبئاً على السرد وتشتت تركيز القارئ -الذي يفترض أنه ذكي والذكي من الإشارة يفهم-.
قاص جديد هو علي الخليلي ينضم إلى قائمة القاصين جواز سفره لغة جميلة وأفكار جريئة ذكية .
عيسى إسماعيل