تمثل زيارة وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني إلى بيروت على رأس وفد رفيع المستوى محطة بالغة الأهمية في مسيرة العلاقات بين البلدين الجارين.
فهذه الزيارة، التي هي الأولى من نوعها منذ خمسة عشر عاماً، و الأولى بعد التحرير، تأتي في ظل ظروف إقليمية وداخلية متغيرة، حاملةً معها إمكانية فتح صفحة جديدة تقوم على مبادئ السيادة والاحترام المتبادل.
حرص الجانب السوري على أن يكون تمثيله في أعلى المستويات، حيث ضم الوفد وزير العدل ورئيس أجهزة الاستخبارات وعدداً من كبار المسؤولين، مما يشير إلى النية لمناقشة مجموعة واسعة من الملفات الشائكة التي تنتظر الحل، وقد كان في استقبالهم مسؤولون لبنانيون في خطوة تؤكد الأهمية التي يوليها الجانب اللبناني لهذه الزيارة أيضاً.
من بين الملفات العالقة التي من المتوقع أن تحتل صدارة المباحثات هو ملف المعتقلين السوريين في السجون اللبنانية، حيث يطالب الجانب السوري بالإفراج عن آلاف السوريين الذين ما زالوا محتجزين، وفي المقابل، يولي الجانب اللبناني أهمية لملف المفقودين اللبنانيين في سوريا، وهو ملف إنساني حساس تنتظر عائلات كثيرة حله.
كما يبرز ملف اللاجئين السوريين في لبنان كأحد القضايا الملحة، حيث تبحث الأطراف عن صيغ مناسبة لمعالجة أوضاعهم، في ظل التحديات الإنسانية والاقتصادية التي يواجهها البلدان، ومن المرجح أن تتركز النقاشات حول سبل تحقيق عودة آمنة وكريمة، مع مراعاة الظروف المعقدة على الأرض.
ولا يمكن إغفال ملف ترسيم الحدود بين البلدين، الذي طالما شكل مصدراً للخلافات، حيث تسعى الأطراف إلى وضع ترتيبات جديدة تضمن الأمن والاستقرار على جانبي الحدود. كما أن قضية استعادة الأصول السورية المهرّبة ستكون حاضرة في أجندة النقاش، في ظل الأزمات الاقتصادية التي يعاني منها البلدان.
إن هذه الزيارة تمثل فرصة ثمينة للبلدين لمعالجة إرث الماضي الثقيل، وبناء جسور الثقة المفقودة، ورغم أن الطريق أمام حل هذه الملفات قد يكون طويلاً وشائكاً، إلا أن الجلوس إلى طاولة الحوار يبقى الخطوة الأولى والأساسية نحو أي تقدم محتمل.
الجميع يترقب باهتمام ما ستسفر عنه هذه المباحثات، التي قد تشكل منعطفاً حاسماً في علاقات البلدين ومستقبل شعبيها.
عموما تمثل هذه الزيارة خطوة جديدة على طريق النجاحات التي تحققها الدبلوماسية السورية، و ما تحققه من إنجازات باتت واضحة المعالم، تعيد لسوريا دورها و مكانتها الطبيعية على المستوى الإقليمي و العالمي.