قصة ..الحياة ذات وجهين…

ربما بتأثير العزلة التي فرضتها الحياة الجديدة عليها  والتي باتت تشعرها بالملل بعد أن تزوج أبناؤها حدثتني إذ جمعتني بها الصدفة في مكان عام بدأت الحديث معي أولا عن حالة الطقس والمشتريات وتعب الحياة حديث معتاد للبدء بالفضفضة … فقالت:رغم مرور السنين ، مازلت أشعر بأن العمر توقف بي في مرحلة الشباب ونسيت  في كثير من الأحيان أو أحاول أن أتناسى أنني كبرت وربما هرمت ووصلت إلى نهاية العمر،لكني مازلت أشعر بالشباب ربما هي  روحي  المرحة  المتعلقة بالحياة تبقى شابة ولكن في لحظة ما تنهار تلك الصورة المرحة،  فقد راحت تتذكر  الماضي البعيد …رائحة الماضي الذي ينفذ من خلال خضرة الحياة تنفذ منها رائحة الياسمين التي لا يشمها إلا المتحابون، تحدثت عن ذكرياتها  الجامعية  ،والحب الذي كان يجمعها بزميل لها يدرس الطب أحبته بملء جوارحها فبنت مستقبلها من خلال عينيه الجميلتين وشعره المصفف، ثم بعد ذلك راحت تترقب بُعده من خلال غربة طاغية أجبرته من أجل الاختصاص في بلد أوروبي… لم تعد تلتقيه إلا من خلال صوت حزين لينقطع رويدا رويدا ليتابع حياته هناك  ويتزوج من أجنبية بعد قصة حب جارفة  أسدلت على علاقتهما الحجاب.

ابتعدت أكثر نتيجة زواجها بشاب من بيئة قيل لها أنها تناسبها أكثر لكن دوام الحال من المحال، إذ توفي زوجها بعد إنجابها ثلاثة أولاد ربتهم بدموع عينيها، لكنها صبرت وحاولت أن تتسلح بالتفاؤل، كلما رأت أولادها يكبرون حولها ورغم كل شيء حاولت أن تأخذ من الحياة  زبدتها قبل أن يرحل العمر،إذ  لابد أن تؤمن  إذا خسرت يوما سعيدا لا تستطيع أن تلتقط يوما آخر  بمثل حلاوته .

و بعد أن داهمها  قصر النظر توجهت إلى طبيب عيون, وهناك  كانت المفاجأة.. فأطلقت تنهيدة واسعة … يا الله… إنه  خطيبها السابق لكنه عاد بشكل آخر, صورة رجل مترهل أعياه الكبر وامتلأ رأسه شيبا، عندها عجبت من نفسها أهذا هو فتى أحلامها، أهذا من كانت ستربط مصيرها بمصيره، لكن الحقيقة الجارحة لابد أن تأتي ولكن هذه المرة كانت أقوى مما تحتمل, فعندما ذكرت له معرفتها به خلال الدراسة الجامعية ليصعقها رده: وفي أي سنة  كنت أستاذتي في الجامعة ؟… ورغم الألم الذي سببه لها إلا أنها مازالت تشعر بشباب روحها المتجدد بالتفاؤل، شعور من يرى نفسه وصل إلى عتي العمر ولم يرهقه المرض فالصحة الثروة الوحيدة التي احتفظت بها إلى يومها هذا… وآمنت أن الحياة رحلة قصيرة تستحق أن تعاش.

عفاف حلاس