الشباب مرحلة عمرية هامة وهم طاقة كامنة يجب استثمارها بالشكل الأمثل بما يخدم المجتمع في جميع المجالات , ولكن هذه الطاقة لا تتواجد عند جميع الشباب وبنفس الدرجة , بل هناك من يحب الاعتماد على غيره في انجاز أعماله , حتى الخاصة منها .. وهنا تلعب التنشئة الأسرية دورا هاما في إظهار طاقات الشباب أو مساعدتهم على الاتكالية على الآخرين وتنشأ الاتكالية لدى الشباب منذ الصغر، كنزعة داخلية تجعلهم يعتمدون على الآخرين في إنجاز مهامهم، ويتهربون من مسؤولياتهم وواجباتهم، وكثيراً ما يرى الشخص الاتكالي نفسه مظلوماً، وأنه يتحمل أكثر من طاقته، فغالباً ما يكون أنانيا وعصبيا وكثير الشكوى, فمن المسؤول عن إيجاد هذه الصفة لدى الأبناء؟، وهل يعرف هؤلاء الشباب مسؤولياتهم وواجباتهم تجاه مجتمعهم حتى لا نسميهم بالاتكالية؟، وما هي الظروف التي جعلتهم هكذا ؟ وهل لقلة الفرص الوظيفية وكثرة متطلبات الحياة دور في ذلك؟… حاولنا في مادتنا لهذا الأسبوع الإجابة على ذلك .
قتل روح المبادرة
شذا المحمد “تربية وعلم نفس” قالت : المقصود بالإتكالية عند الشباب، أن يعتمد الشاب وبشكل مستمر على غيرهم في توفير احتياجاته، أو حل مشاكله، أو يبحث بمن يقوم عن ما هو مطلوب منه، فلا يتحمل مسؤولية تذكر، ما يقتل روح المبادرة لديه، ويجعله غير منتج، ويعيش في أجواء الخمول والكسل والتبلد، بحيث يصل لمرحلة الشلل في التفكير أو رفضه القيام بأي مبادرة عملية.
وأضافت : إن أهم أعراض الظاهرة، هي:الكسل والخمول واللامبالاة، التهرب من المسؤولية، عدم المشاركة في المناسبات العائلية والاجتماعية العامة، الأنانية ، والإلحاح على الأهل في زيادة المصروف وشراء المزيد من الملابس، وطلب المساعدة المستمرة من الوالدين في إنجاز أمورهم الخاصة من تجهيز الطعام أو غسيل الملابس، أو ترتيب غرفته الخاصة..
عدم وجود القدوة
وترى : أن المشكلة هي أن هذه التصرفات تصدر ممن هم في كامل قوتهم العقلية والجسدية وهم الشباب، التي تعد أفضل مرحلة يستطيع الفرد فيها أن ينتج ويبدع وفي أقل وقت مقارنة بغيره من الكبار أو الصغار، وما يؤسف له أن بعض شبابنا يطلب تلك الخدمات ممن هم حوله من باب التعاون والخدمة وتسهيل الأمور،
وأضافت : إن أهم أسباب الاتكالية التربية التي تقوم على الدلال والحماية الزائدة، والتنشئة الاجتماعية، ، وعدم وجود القدوة التي يتمثلها، ما يجعله أسيراً إلى عالم الخيال ، كذلك غياب التأهيل التربوي للوالدين.
القدرة على تقدير الذات
نيفين مصطفى “ارشاد نفسي “ قالت : تنتج الإتكالية عن انخفاض تقدير الذات لدى الفرد، ما يؤدي إلى انعدام المبادرة والاندفاعية، وذلك لعدم ثقته بنفسه، فالتربية في مجتمعنا تساهم بشكل كبير على خلق الاتكالية لدى الفرد منذ الصغر، فالدلال الزائد من الوالدين تجاه الإبن يمحو لديه الاستقلالية الذاتية شيئاً فشيئاً، ما يجعله غير قادر على تحديد المهام التي يجب أن يقوم بها مستقبلاً، فتنشأ لديه الاتكالية وعدم الاستقلالية في آرائه وقراراته، والوالدان هما المنطلق الأساسي لذلك، ومن ثم يأتي المجتمع إما أن يعزز هذه الصفة أو يكبحها، ويمكن القول: إن الغالبية من الشباب يتصف بالاتكالية، ولكن تختلف درجتها من فرد لآخر، وهنا تكمن أهمية المجتمع في مساعدة هؤلاء على التخلص من هذه الصفة , وكذلك توعية الوالدين بخطورة تلك الصفة على الشاب وكيفية اكتشافها ومعالجتها، و لابد من تحديد المسؤوليات في الأسرة، وأن لكل فرد مسؤوليات وأدوار يجب أن يقوم بها داخل الأسرة، فمن غير المعقول أن تنحصر المسؤوليات بالوالدين فقط، خاصة عندما يبلغ الابن مبلغ يعتمد عليه فيه.
دور الأسرة
وترى : أن العلاج يأتي من الأسرة في تدريب أولادهم على تحمل المسؤولية في كل مرحلة عمرية بما يناسبها، وغرس قيم وسلوكيات أداء الشاب احتياجاته بنفسه، وتنمية حس المسؤولية ضمن برامج تطوير المناهج من قبل وزارة التربية ، ولا نغفل المنابر الثقافية والإعلامية المختلفة، إلى جانب إطلاع شبابنا على مشروعات حضارية، ونماذج مشرفة في العمل والإبداع.
وأضافت تنمية حس المسؤولية الاجتماعية لدى الشباب كواحد من أهم الحلول للمشكلة، من خلال تحمل المسؤولية في منازلهم، وإنجاز أعمالهم بأنفسهم، والمشاركة الإيجابية داخل العائلة و ومساعدة الأهل، والمبادرة في تقديم الدعم لأفراد العائلة، إلى جانب عرض المساعدة على الأب والأم في إنجاز أعمالهم، والتفكير المستمر في الاعتماد على الذات، والبحث عن فرص لتحقيق دخل إضافي مشروع ، والمشاركة الفاعلة داخل الحي ، إضافة إلى القيام بالأعمال التطوعية، واستغلال الوقت في تقديم ممارسات إيجابية من رياضة وثقافة وتدريب وتعليم وكسب مهارات جديدة.
وأشارت إلى أنه يمكن تنمية حس المسؤولية لدى أولادنا من خلال بناء الشخصية القوية المسلحة بالآداب والثقافة والعلم ، وتشجيع الشاب على القيام بشؤون نفسه بذاته منذ نعومة أظفاره، وإعطائه بعض الأعمال بالتدريج، بالإضافة إلى المصروف الاعتيادي، وفي حال طلب الزيادة نعطيه بمقابل أعمال إضافية، وأن نطلب منه المشاركة في أعمال تساعده على بناء رؤية ورسالة خاصة به، وأهداف يسعى إلى تحقيقها، ونشجعه ونثني عليه، ونعزز السلوك الإيجابي لديه.
ختاما
صفة الاتكالية منشؤها الصغر، فالأبوان يتحملان الجزء الأول منها، والمدرسة الجزء الآخر، فمثلا الطفل عند نطقه أو عند تعلم الإشارة بإصبعه يتولاه الوالدان بتلبية كل ما تطلبه شفتاه، أو يؤشر عليه بإصبعه، من دون محاولة إدراكه أن يكون ذلك ممكنا أو لا، وما إن تتولاه المدرسة إلا وتكون النبع الذي يغذي هذه الصفة، وبدورها تأتي الطلبات تلو الطلبات لتجد الأسرة مستمرة في تلبية احتياج ابنها الطالب من دون المحاولة في وقف نمو الإتكالية لديه، وذلك بتعليمه وتبصيره, لإحداث نقطة الانطلاق على الاعتماد على ذاته، وما يملكه من مواهب تبعده عن اتكاليته لوالديه أو أسرته ولمحيطه .