لم تعد الزراعة العضوية حكراً على الدول الأوروبية و بعض الدول النامية فقط إذ أن هذه التجربة انتقلت إلى سورية لتشكل نقلة نوعية في تاريخ الزراعة المحلية, و حلول سورية في المركز الخامس عربياً في الزراعة العضوية دفع وزارة الزراعة و الإصلاح الزراعي إلى التأكيد على أهمية الجهد الجماعي و العمل المشترك بين كافة الوزارات و الجمعيات الأهلية العامة و الخاصة لوضع شعار (صنع في سورية) على كافة المنتجات الزراعية العضوية المحلية, ناهيك عن الأرباح المحققة والتي تزيد عن 60% مقارنة بالزراعة التقليدية نتيجة ارتفاع أسعار الأسمدة و المبيدات الكيميائية وهو الأمر الذي كان السبب وراء ارتفاع الطلب العالمي على المنتجات العضوية على الرغم من ارتفاع أسعارها مقارنة بالمنتج التقليدي..
والزراعة العضوية عبارة عن نظام إدارة إنتاجي بيئي يشجع و يزيد من التنوع الحيوي و دورة الكائنات الحية و النشاط الميكروبي في التربة و يبنى على أساس استخدام الحد الأدنى من المدخلات الزراعية من خارج المزرعة وإتباع إجراءات زراعية تحافظ و تشجع على التناسق البيئي ..
و في هذا السياق توضح المهندسة الزراعية ريم مخلوف أن الزراعة العضوية نظام متكامل للإنتاج يشمل كافة العمليات الزراعية بدءاً من تجهيز التربة و انتهاءً بجني المحصول ذي الجودة العالية , وهي نظام زراعة مستدام يتماشى مع التوازن البيئي الطبيعي و يحافظ على الصحة العامة للكائنات الحية …
وأضافت خلوف أنها فلسفة زراعية و نظام إدارة مزرعية و هي ليست كما يتبادر إلى الذهن لدى الكثيرين بأنها عودة إلى نمط الزراعة القديمة أو البعلية , فالزراعة العضوية تستخدم أحدث النظريات الزراعية و الأساليب العلمية التي تكفل المحافظة على البيئة بمعناها الشامل ..
الميزات البيئية
تقول خلوف إن الدول النامية تتميز بميزات بيئية تجعلها قادرة للوفاء بمتطلبات الأسواق العالمية من الأغذية العضوية نظراً لبعض الأسباب منها عدم توفر البيئة المناخية التي تمكن من زراعة منتجات دون غيرها بشكل أفضل مما لدى الدول الصناعية ذات الجو البارد ,كما يمكن تحويل أنظمة الزراعة التقليدية الحالية بسهولة إلى أنظمة الزراعة العضوية مما يسهل من التحول و يقلل من التكاليف المصاحبة مقارنة بما لدى الدول الصناعية من أنظمة إنتاج زراعي مكثف , بالإضافة إلى توفر اليد العاملة بشكل أفضل ما يشجع على دعم الزراعة العضوية التي تحتاج إلى العمالة الزراعية ..
ومن أجل تصدير المحاصيل العضوية إلى الأسواق الخارجية بينت خلوف أن وضع خطة و قوانين واضحة من شأنه أن يسهل عمليات التبادل التجاري خاصة و أن الزراعة العضوية تتطلب مستوى عالياً من الفنيين لمراقبة و مسايرة المزروعات لتجنب الإصابات بالآفات و الأمراض و الحفاظ على الإنتاج على أحسن حال بعد الحصاد وبشكل خاص الخضراوات و الثمار التي تستهلك طازجة.
تطور الزراعة العضوية
يوضح الدكتور سهيل إسماعيل تطور قطاع الزراعة العضوية على الصعيد المحلي بدأ من عام 2000 مع اهتمام وزارة الزراعة به عندما أعدت دراسة حول الزراعة العضوية بالتعاون مع منظمة الأغذية و الزراعة , كما تم تنفيذ مشروع التنمية المؤسساتية للزراعة العضوية في سورية عام 2006 إضافة إلى صدور المرسوم التشريعي رقم 12 لعام 2012 الذي نظم الإنتاج العضوي و حماية التنوع في سورية و أعطى الإطار القانوني لتسهيل العمل و ضبطه في كل الجهات المتعاملة بها و تلاه في العام ذاته صدور التعليمات التنفيذية و إحداث مديرية الإنتاج العضوي في الوزارة و التي تعد المسؤول عن هذا القطاع بالتعاون مع كافة الجهات الحكومية و الخاصة للوصول إلى منظومة عمل متكاملة تتيح الوصول إلى المنتج العضوي السوري , و يضيف إسماعيل أن وزارة الزراعة تعمل على هذا القطاع بشكل عملي و مدروس ..
تحديات الزراعة العضوية
و عن تحديات الزراعة العضوية يوضح إسماعيل أن هناك جملة من التحديات التي تواجه هذا القطاع أبرزها عدم توفر الإمكانيات المعرفية و الخبرة الكافية و غياب مستلزمات الإنتاج العضوي و ارتفاع تكاليف الترخيص و عدم توفر الجهة المانحة لشهادة الزراعة العضوية ,وعدم توفر أسلوب دعم المنتجات إضافة إلى صعوبة تسويقها والمنافسة القوية بالمقارنة مع المنتج التقليدي و انخفاض مستوى الدخل المحلي …
و أضاف إسماعيل: مما تقدم نلحظ سعي الحكومة السورية لتطوير الزراعة العضوية من خلال المرسوم رقم 12 لعام 2012 الخاص بالإنتاج العضوي و قيامها بالعديد من التجارب في هذا المجال و لكن يبقى المزارع هو الأساس في تعميم هذا النوع من الزراعات لذلك لابد من التوجه لنشر الوعي البيئي حول أهمية هذا النوع من الزراعة و تقوية القدرات و الخبرات الوطنية في هذا المجال و ضرورة تقديم الدعم اللازم لإطلاق هذا المشروع الحيوي و استمراريته..
أخيراً
قد تبدو الزراعة العضوية اليوم مكلفة اقتصادياً إلا أن الأمر الأكيد أنها و بخلاف الزراعة التقليدية لم تنل نصيبها من الدراسات و الأبحاث التي تتناسب مع أهميتها الغذائية و الصحية و البيئية لتساعد في تطويرها و انتشارها بين المزارعين و تساهم في تسويق منتجاتها لدى المستهلكين , لذلك يجب إعادة النظر في الطرق الزراعية المتبعة لدى الكثير من المزارعين الذين يتكبدون مبالغ طائلة سنوياً لتسميد الأرض و مكافحة الآفات و الحشائش متبعين طريقة غير مقننة في سبيل زيادة كميات الإنتاج وهو أمر يؤدي مع تقدم الزمن إلى استنزاف خيرات الأرض و انتشار الآفات و الحشائش بأعداد قد تصعب معها المكافحة ,علاوة على ما يسببه الاستخدام غير المرشد للمواد الكيميائية بأنواعها المختلفة من أضرار مباشرة و غير مباشرة على البيئة بصفة عامة و على كل من الإنسان و الغذاء و التربة و مصادر المياه بصفة خاصة ..
علي عباس
المزيد...