الفن ..لغة التعبير عن الذات ..مادة التربية الفنية لا تلقى الاهتمام الكافي من الأهل والطلاب

يخطئ من يظن أن هدف الفن مجرد الزينة والتجميل فهو ذو رسالة أسمى من ذلك وأرفع و له دور إيجابي في الكشف عن النفس الإنسانية وسبر أغوارها البعيدة والنفاذ إلى أسرارها الدفينة, إنه تعميق الشعور بالحياة والتفطن إلى ماهو خفي من العواطف والمشاعر ,ولاشك أن الفن يزيد الإنسان معرفة بنفسه وإدراكاً للحياة من حوله ..

فمادة التربية الفنية تعتبر من المواد المهمة في حياة الطالب فهي في الإطار العام لا تقل أهمية عن المواد الأخرى كونها تعمل على بناء شخصية الطالب محور العملية التعليمية, ويسهم تدريس الفن في تحسين السلوك وتنمية قدرة الطالب على تحسس مكامن الجمال سواء في محيطه الصغير أم في كينونة مجتمعه, فالهدف الأساسي من التربية الفنية التي تشمل العديد من الأنشطة المدرسية المهمة إكساب الطلاب المعرفة مثل «الرسم والأشغال اليدوية والتصميم», وتطوير روح الابتكار والخيال والملاحظة ,لذلك يجب الاهتمام بهذه المادة لأهميتها في تنشئة جيل يستطيع التعايش مع البيئة التي يعيش فيها, ويعي من خلالها قدراته الإبداعية ,وأن هناك مجالات عديدة لا يتم تعليمها أو إدراكها إلا عن طريق تعلم الفن, لهذا يجب إعطاء الفرص للطلاب لاكتشاف البيئة من حولهم والتفاعل معها ومع الأقران, فهي تعمل على تنمية الإلهام والابتكار والعمليات العقلية عندهم, وتتميز هذه الطرق بالتعلم عن طريق اكتشاف القدرات الذاتية ,علما أن التربية الفنية الحديثة تتجه إلى الاهتمام بالبناء المعرفي والوجداني والاجتماعي والمهاري للطلاب, تبعاً لقدرات كلٍ منهم مع تقديم حلول لمشكلاتهم الحياتية الفنية والعملية التي تواكبها الاتجاهات الجديدة عبر تحديث طرق التدريس وأساليب التعلم والوسائل والوسائط التعليمية والأدوات والأنشطة, فالتربية الفنية لا تقل أهمية عن غيرها من المواد الدراسية, فترتبط ارتباطا عضويا مع العمليات العلمية في تصميم وإعداد وتقديم العمليات الإنتاجية والإبداعية التي تنسجم مع أهداف التربية والتعليم ..

أداة للتواصل
وحول واقع مادة التربية الفنية التقت / العروبة /مع الموجه الاختصاصي لمادة التربية الفنية التشكيلية في مديرية تربية حمص آمر محمد سليم المبارك وتحدث قائلا : تعتبر مادة التربية الفنية من المواد ذات الأهمية البالغة لما لها من أدوار عديدة لا سبيل لحصرها ونذكر منها تحسن مستوى الذائقة الفنية لدى الطالب حتى يصبح قادرا على التمييز بين الجميل والأجمل من بين كل ما تقع عليه عيناه, وهي من جهة أخرى تحسن مستوى مهارة الطالب في التعبير عن أي شكل يجول في خاطره ليجسده لوحة أو عملا فنيا أو مخططا, فالتربية الفنية أداة للتواصل قبل كل شيء إضافة إلى أنها تؤدي لتفريغ الشحنات السلبية وتعديل المزاج العام للطفل, والكشف عن مشكلات داخلية قد يعاني منها التلميذ ..

التكلفة المرتفعة
وأضاف : من الملفت التطور الذي يطرأ على تدريس هذه المادة , وقد اتبع مدرسو هذه المادة العديد من الدورات التي تزيد من مهارات التدريس لديهم وتعريفهم على أفضل الطرق المتبعة عالميا من أجل زيادة مهارة الطالب في التعبير الفني والخط واللون والخامات, ليجسدها لوحة تعبر عنه وعن مجتمعه .. وتعاني المادة من بعض الصعوبات تتعلق في التكلفة المرتفعة للأدوات والمواد من ألوان وخامات مختلفة لا يستطيع الطالب بشكل عام تأمينها, ومن جهة أخرى لا تستطيع المدرسة تأمين هذه المواد باعتبارها غير ملحوظة في مخصصات التعاون والنشاط التي تتقاضاها المدرسة عن كل طالب, لذا نطالب دائما بتخصيص جزء من هذه المبالغ لتوفير بعض المستلزمات الأساسية لمساعدة الطالب والمدرس في تنفيذ المادة كما يجب, علما أن إدارات المدارس بشكل عام تتعاون مع مدرسي المادة وأشير هنا لضرورة تخصيص غرفة / مرسم / لمادة التربية الفنية شأنها بذلك شأن المخبر والمعلوماتية ,وذلك لأهمية تناول المواضيع الفنية ضمن حيز مخصص يحتوي على معرض دائم يحفز مخيلة الطالب على الإبداع بشكل مستمر لتحسين مستوى أداء التلاميذ بشكل عام ..

مشاغل فنية
وتابع حديثه قائلا: من الأهمية بمكان الإشارة إلى أن المشاغل الفنية التي تعطى بها عادة مادة التربية الفنية موجودة في بعض المدارس فقط ( كونها لا تزال مادة تجريبية) ولها دور بالغ الأهمية في تنمية المهارات والمواهب لما تقدمه للطالب من مجالات فنية عديدة يخوض غمارها بمتسع من الوقت والفراغ المكاني والعدة والخامات والأدوات المتنوعة, وباختصاصات عدة يلامس بها الواقع الحياتي المعاش إلا أن هذه المواد تكون صعبة المنال أحيانا , ونتمنى توفرها كي يتسنى للطالب الاستفادة من المادة بكل تفرعاتها كونها تلامس مواد دراسية عدة (علوم طبيعية وفيزياء ورياضيات وزراعة ..و..و.. ) لما لها من تأثير بالغ على شخصية الطالب واهتماماته .. نأمل تعميم هذه التجربة على جميع مدارسنا ليطلع كل الطلاب على هذه المجالات الهامة.

الفن والتربية مترابطان
الفنان التشكيلي سليمان أحمد قال : إن التربية الفنّية جزءٌ من حقل التربية العامة ولها دورها في التربية الحديثة, فهي جزءٌ من كل يسعى لتكامل نمو الطالب نموا طبيعيا يتفق وقدراته العقلية، الجسدية والاجتماعية, وهي المنطلق الذي يطلّ منه على عالمه الذاتي وطاقاته المبدعة بحرّية وطمأنينة, وهي تهدف إلى إعداد أفراد يمارسون عملية الإبداع بحرّية وعفوية في طفولتهم ما يسمح لهم بمتابعتها في ما بعد. والغاية من ذلك أن يعبرّوا عن شخصيتهم بانفعالاتها وعقدها واحتياجاتها، وأن يحقّقوا الانسجام الداخلي والتوازن في علاقتهم مع الآخرين، وأن ينموا طاقاتهم الذاتية.. لذلك فإن التربية الفنّية تتيح للتلاميذ فرصة التعبير عن أنفسهم بالممارسة العملية، مما يخلق فيهم حب العمل الفنّي واليدوي، وبذلك يكتسبون مهارات فنّية يستطيعون من خلالها تحسّس الجمال في مختلف صوره وألوانه وأشكاله، والتعبير عنه بمختلف الوسائل، والاتجاه إلى الاعتماد على النفس والجرأة والاستقلال والتفكير الفعّال… وكانت التربية الفنيّة فيما مضى تعتمد على جعل التلميذ يقوم بعمليات نقل بعض الرسومات وتقليدها, أما اليوم فقد أصبحت تعتمد على التعبير الحرّ الموجّه الذي يكشف عن مكنونات الذات وما يخالجها وما يرافقها من مهارات إبداعية ، فهي بذلك تعتمد على الطرائق التربوية الحديثة المبنيّة على المنهجيّة العلميّة والبحث والتحقّق والتدقيق والاكتشاف والاختبار.. إن الفن والتربية مترابطان، كلاهما يهتم بالإنسان وما يخالجه، ويعملان على تهذيب النفس وصقل الروح مع أنّ أهدافهما ليست متطابقة تمامًا.

عدم وجود منهاج محدد
وتحدثت إحدى مدرسات التربية الفنية عن معاناتهم قائلة : أهم مشكلة في تدريس التربية الفنية هي قلة اهتمام الطلاب بها إذ لا يعيروها كل اهتمامهم ,وذلك لغياب درجات التقدير فيها واقتصارها على الرسوب أو النجاح خلال الصفوف الانتقالية بالإضافة إلى الاعتقاد الشائع بين الأهالي بانعدام أهميتها الأكاديمية وتقديم العديد من المعلمين علامات النجاح للطالب دون إتباع المعايير اللازمة وعدم اهتمامهم بالمادة وتحصيل الطلاب للعلامات, إضافة لانعدام وجود منهاج محدد لمادة التربية الفنية يلبي تطلعات المجتمع في مسيرة التنمية ..فالتربية الفنية من المواد التي يمكن لكل معلم فيها أن يتبع الطريقة التي تتلاءم مع بيئة المدرسة وإمكانياتها وقدرات واتجاهات الطلاب على أن تتوافق هذه الطريقة مع أهداف وغايات مادة التربية الفنية ولحل هذه المشكلة تسعى وزارة التربية إلى تحديث مناهج هذه المادة ..

لصالح مادة علمية
وأضافت : كما أن تقدير البعض من المدرسين لمادة التربية الفنية غير كاف إذ يقومون أحيانا بطلب إلغاء حصة التربية الفنية واستبدالها بإحدى المواد العلمية أو تنفيذ إحدى الوسائل العلمية اللازمة للمادة التي يدرسونها، وينتج عن هذا التفكير الخاطئ تعميق فكرة انعدام أهمية مادة التربية الفنية .
ومن المهم الإشارة إلى عدم التزام الطلاب بإحضار مستلزمات التربية الفنية فأغلبهم لا يهتم بمادة التربية الفنية أو نتائجها المستقبلية, مشيرة إلى أن مرحلة المراهقة أكثر المراحل التي يحتاج فيها الشباب إلى دعم مواهبهم لتنمية إبداعاتهم, ولكن لا نجد اهتمامات كافية في المدارس والجامعات، لافتة إلى أن هناك الكثير من المواهب بحاجة إلى الرعاية , واقترحت إقامة مسابقات بين المدارس لدعم مواهب الطلاب واهتمام المؤسسات بتقديم الورش الفنية وعقد شراكة بين المؤسسات التعليمية والجامعة لتحفيز الجميع لتقديم أفضل طاقاته ومواهبه .
روح الابتكار والخيال
المواطن خالد وسنود قال: عندي ثلاثة أطفال أكبرهم صف خامس ومع علمي المسبق بأهمية مادة التربية الفنية ,ولكني أشاطر المجتمع بنظرته لهذه المادة وللأسَف الكثير يعتقد أن التربية الفنيّة هي من الأنشطة غير المهمة ومضيعة للوقت مع أن لها أهمية كبيرة في حياة الطالب ,ولكن هذه المادة لا تستثمر بالشكل الصحيح لإفادته ,وهذا الاعتقاد أدى إلى إهمال الطالب والأهل لمادة الرسم بسبب التعامل بسلبية حتى مع مدرسي مادة الفنون عموما مع أن الاستثناء موجود في مجتمعنا بدليل المواهب الشابة التي تظهر بعض إبداعاتها في المعارض التي تقيمها الجهات المعنية بالنشاط الثقافي والتربوي .
وأضاف : التربية الفنية لها أهمية خاصة للطالب فهي تغَرس وبشكل غير مباشر روح الابتكار والخيال ,وإذا أراد شخص أن يكون طفلَه ذكيا وسريع البديهة عليه أن يعلّمه الخيال وفَنّ الرسم والتخطيط والنحت وغيره منَ الفنون, لكن اهتمام الأهل حاليا ينصب بدخول أبنائهم الكليات الجامعية وخاصة التي تحقق لهم الاستقلال المادي.
المرشدة النفسية يارا حمدان قالت : عندما نسمع طفلًا يقول: « أنا لا أستطيع الرسم» نكون واثقين أنّ هناك تدخّلًا ما في حياته أدّى إلى عدم ثقته بنفسه, فلجأ إلى سلوك انسحابي وغالبا ما يُنظر إلى رسم الطفل من الناحية الجماليّة من حيث الألوان والأشكال من دون الاهتمام بما يقصد الطفل من خلاله ,لكن النمو الفنّي عند الطفل لا يقاس من الناحية الجمالية فقط , إذ أنّ كل طفل يعبّر بطريقته الخاصة ويكون تعبيره انعكاسا لخبراته ونموّه الجسدي وتكوين شخصيته .. وتعتبر رسوماته تعبيرًا عن أفكاره ومشاعره واهتماماته وتفاعله مع بيئته, فإذا كان محبطا في مجالات الدراسة كالقراءة والحساب، يكون الفن بالنسبة إليه تنفيسًا عن هذه الإحباطات وفي أكثر الأحيان نجد الطفل الصامت المنسحب أكثر حاجة للتعبير فنيا من غيره ,إذ يعتبر الطفل الفن أحد مظاهر اللعب وهو يلجأ إليه كوسيلة طبيعية يمارسها في لعبه وتعكس نفسيّته ومظاهر طفولته وتسهم في توازنه النفسي.
ويستخدم علماء النفس والمعالجون النفسيون الفن كوسيلة لتشخيص حالة المريض ولعلاجه لأنّه يكشف عن خبايا النفس والصراعات التي يعانيها الإنسان.. ولكي تحقّق التربية الفنّية أهدافها لا بد من مراعاة مراحل نموّ الطفل وخصائصها وتأثيرها على تعبيره الفني ,من هنا لا تهتم التربية الفنّية بتعليم الفن وقواعده ومراعاة النسب والمقاييس إلا في مرحلة متقدّمة من النمو وحتى في هذه الحالة يظلّ التلميذ بحاجة إلى التعبير الحرّ فالفن لغة يحاول الإنسان من خلاله أن يعبّر عن ذاته وما يحيطه إذًا فهو نشاط يتجلّى في كيفيّة رؤية الأشياء وطريقة التعبير عنها بشكل مختلف أما هدف التربية فهو بناء الإنسان عن طريق الفن وتنمية هذا الفرد على مستويات شتّى ..من هنا تتضح أهمية المضمون النفسي لفنون الأطفال والبالغين حيث يمكن أن يكون الفن مدخلًا لتربية الطفل ونمو شخصيته وتكاملها وإكسابه التوازن النفسي عن طريق تحقيق ذاته وتفاعله مع البيئة تفاعلًا إيجابيًا. لذلك تبرز اليوم أهمية مادة التربية الفنية المعتمدة في المدارس فحصّة التربية الفنية لا تهدف إلى دفع الطالب إلى التعبير عن مشاكله وأحاسيسه بطريقة مباشرة فقط، ولا هي تجربة علمية أو نفسية، بل أنها تهدف إلى تحفيز الإبداع لديه لدفعه بطريقة غير مباشرة إلى التعبير عن اللاوعي بكل مكنوناته.

كلمة أخيرة
ومع ماسبق ذكره من فوائد إلا أنه وللأسف نجد التربية الفنية مازالت هي المقرر المظلوم بين المقررات الدراسية في مدارسنا وكذلك بين أفراد المجتمع ومازال وعي المجتمع أهمية المادة لا يذكر والذي لا يعرف عنها كما يسميها البعض إلا أنها «شخبطات» بالألوان لافائدة ترجى منها ولكن هناك عدة أهداف خفية في تدريس التربية الفنية والكثير لا يعلمها ولا ألوم أحيانا المجتمع لعدم إدراكه لهذه الأهداف فقد ساهم بعض معلمي المادة في هز صورة المادة بسبب عدم عمله على كيفية تحقيق أهداف التربية الفنية سواءً المعلنة أو الخفية التي تأتي ضمناً أو في ثنايا الدروس إما بسبب جهله بها أو بسبب تجاهلها قصداً .
بسام عمران – علي عباس

المزيد...
آخر الأخبار