في ظل تحولات إقليمية ودولية متسارعة، تشهد الدبلوماسية السورية حراكاً جديداً يهدف إلى إخراج البلاد من سياسة المحاور والتبعية، ويسعى لبناء علاقات متوازنة مع مختلف دول العالم.
هذا التوجه الجديد يأتي في إطار رؤية إستراتيجية تضع مصلحة سوريا وسيادتها الوطنية في المقام الأول.
كان ذلك واضحا على لسان وزير الخارجية و المغتربين أسعد الشيباني خلال المقابلة التي أجراها مع الإخبارية السورية، حيث أوضح خلالها معالم هذا التحول الدبلوماسي.
الشيباني أكد إن سوريا لن تكون بعد اليوم ساحة لصراع المحاور، ولا أداة في يد أي قوة، مشدداً على السعي لبناء علاقات متوازنة مع كل دول العالم، خاصة الدول الكبرى.
وتطرق الوزير إلى العلاقة مع روسيا، مشيراً إلى أن الاتفاقيات التي أبرمها النظام السابق ما زالت “قيد التقييم”، وأكد أن التعامل مع الملف الروسي يسير “بعقلانية ورويّة”، انطلاقاً من مبدأ الحفاظ على السيادة الوطنية وعدم السماح بعودة أي شكل من أشكال التبعية، كما أشار إلى أن المشاورات الجارية بشأن الوجود العسكري الروسي تهدف إلى “إعادة تحديد طبيعة هذا الوجود ودوره في المرحلة القادمة”.
لم يقتصر الحراك الدبلوماسي على العلاقة مع روسيا فقط، بل امتد ليشمل نشاطاً على عدة جبهات، فكشف الوزير عن إعادة تصحيح العلاقة مع الصين، معلناً أن زيارة رسمية إلى بكين ستجري في بداية الشهر القادم، كما تحدث عن عودة سوريا إلى عدد من المنظمات العربية والدولية، مؤكداً أن مشاركة سوريا في اجتماعات الأمم المتحدة مثلت “بصمة تاريخية” نقلت للعالم رؤية سوريا الجديدة.
تقف خلف هذا التوجه رؤية القيادة السورية الجديدة بقيادة الرئيس أحمد الشرع، التي تسعى إلى تحويل التحديات إلى فرص عبر تبني سياسة خارجية متوازنة، سياسة ترفض أي شكل من أشكال التقسيم أو الفيدرالية، وتؤكد على وجود فرصة تاريخية لإنهاء الملفات العالقة في شمال وشرق سوريا عبر الحوار.
لكن الطريق نحو تحقيق هذه الرؤية ليس سهلاً، فسوريا تواجه تحديات جمة في رحلتها نحو استعادة سيادتها الكاملة، أبرزها التنافس الدولي المتعدد على أراضيها، فإلى جانب الوجود الروسي، هناك وجود أميركي في الشمال الشرقي بدعم من قوات سوريا الديمقراطية، مما يجعل من تحقيق التوازن في العلاقات الدولية مهمة معقدة.
في مواجهة هذه التحديات، تعمل الدبلوماسية السورية على تحويل هذا التنافس إلى فرصة إستراتيجية، عبر تحقيق توازن بين القوى الكبرى دون الانحياز، وجعل القرار السياسي والاقتصادي نابعاً من الداخل السوري، كما تسعى إلى تعزيز العلاقات مع الدول الداعمة لمرحلة إعادة الإعمار، وتحسين العلاقات مع الدول الأوروبية عبر ملفات اللاجئين والإعمار.
تمثل هذه الجهود مجتمعة نقلة كبيرة في السياسة الخارجية السورية، من سياسة المحاور والتبعية إلى شبكة علاقات دولية متوازنة.
ولا بد أن نجاح هذه الإستراتيجية سيعتمد على قدرة الدبلوماسية السورية على الموازنة بحكمة بين القوى الدولية المتنافسة، وما تم إنجازه خلال الفترة القصيرة الماضية خطوات ضرورية لتمهيد الطريق لمرحلة إعادة الإعمار والتنمية، لتكون سوريا شريكاً فاعلاً في المجتمع الدولي، لا تابعاً ولا أداة في يد أحد.