استبدال العملة الحالية بعملة جديدة بحاجة لأرضية اقتصادية.. د.الجاسم: من المهم دراسة الآثار السلبية المتوقعة قبل الاستبدال
الكثير من الإشاعات والأحاديث والمنشورات التي تمر بنا يومياً عبر صفحات التواصل الاجتماعي أو حتى في الأحاديث اليومية عن معنى حذف الصفرين من العملة وهل ستفقد الأوراق النقدية التي بحوزة أي من المواطنين قيمتها وهل سيؤثر هذا الإجراء على الأسعار في الأسواق وغيرها من الهواجس التي أجابنا عليها الاقتصادي المتخصص الدكتور محمد خالد الجاسم والذي قال: في الاقتصاد النقدي، تُعرف عملية حذف الأصفار، أو إعادة تسمية العملة بأنها عملية تغيير القيمة الاسمية للأوراق النقدية والعملات المعدنية المتداولة, وقد يحدث ذلك لأن التضخم صغّر قيمة وحدة العملة لدرجة أن الفئات الكبيرة فقط من العملة هي المتداولة في مثل هذه الحالات، قد يتغير اسم العملة أو قد يُستخدم الاسم الأصلي مع صفة مؤقتة مثل “جديد”.
لتسهيل التعامل
بحسب الجاسم ربما تجرى إعادة تسمية العملة لأسباب أخرى، مثل التحول إلى عملة جديدة كاليورو أو أثناء التحويل إلى النظام العشري أي أن العملة تُقسم إلى وحدات أصغر منها على أساس الرقم 10 ويسهل هذا النظام التعامل مع الحواسيب في مجال برامج المحاسبة والصرافات الآلية.
وأضاف: تعد عملية الإصلاح الاقتصادي ضرورة حتمية بعد أكثر من خمسين سنة من التدهور الهيكلي للاقتصاد السوري عموماً، والذي أثر بشكل مباشر في قيمة الليرة السورية، والتي أصبحت قيمتها اليوم 23.9 % تقريباً بالمقارنة مع عام 2010 .
إجراء فني لأهداف وغايات
وأضاف الجاسم: أعتقد أن هذا التحليل المبسط لتغيّر قيمة الليرة السورية يعدّ مهماً جداً لفهم ظاهرة التضخم في تلك الفترة من جانب، ومن جانب آخر لتوضيح أنه توجد إمكانية لدراسة حذف صفرين من العملة السورية بتأن، والنظر في احتمال أو فرص لاتخاذ قرار حذف أصفار وإصدار عملة وطنية جديدة بنفس الاسم أو إطلاق عملة جديدة تماماً باسم آخر.
إن حذف أصفار من العملة السورية هو إجراء فني للحكومة والمصرف المركزي لإطلاق عملة جديدة ذات قيمة أعلى بنفس الاسم أو باسم جديد لأغراض اقتصادية واجتماعية وسياسية, وتهدف الحكومة من حذف صفرين وإصدار فئات جديدة إلى تحقيق أهداف معينة مثل الحد من التضخم وزيادة الثقة بالليرة السورية، وتبسيط المعاملات المالية واستعادة الثقة بها، وتسهيل فهم المستثمرين العرب والأجانب للنظام النقدي والمحلي وسهولة التعامل معه، بالإضافة إلى تسهيل عملية التسجيل المحاسبي والدراسات النقدية والمالية .
دعم مرهون بموافقة صندوق النقد الدولي
وتحدث الجاسم لمراسلة العروبة: إن قرار تغيير قيمة الوحدة النقدية هو قرار يتعلق بسيادة الدولة وسلطتها في وضع السياسات الاقتصادية والاجتماعية المناسبة، إلا أن حضور صندوق النقد الدولي في هذه العملية قد يكون واقعاً لا مفر منه وبخاصة نحن في حاجة ماسة لإطلاق عملية إعادة إعمار واسعة في مشروعات لا تدر دخلاً للبلد مثل مشروعات البنية التحتية، والتي بدونها لن نستقبل الاستثمارات الاقتصادية المربحة,لافتا أنه
قد تحصل سوريا على دعم مالي وفني، وتمويل عاجل في الأوقات الحرجة، ودعم الاحتياطي النقدي من صندوق النقد الدولي، إلا أن الحصول على هذه الفوائد يتطلب تلبية شروط صندوق النقد الدولي ، والتي قد تصل إلى حد التدخل في سياسات الدولة الداخلية مثل تطبيق سياسات اجتماعية قاسية مثل خفض الدعم ورفع الأسعار وفرض سياسات مالية وسياسات التوظيف والتشغيل.
الاستبدال يتأثر سلباً بعوامل عدة
أوضح الجاسم أن استبدال العملة (حذف الأصفار) يتأثر سلباً بعدد من العوامل مثل: عدم معالجة الأسباب الحقيقية للتضخم، انتشار فوضى الأسواق من جهة التسعير ورداءة السلع، وتحول التجار لبيع منتجات أجنبية رديئة منافسة للمنتجات المحلية، وعدم وجود قانون لضبط عمليات التسعير وهذا يتطلب من المنتجين والمستوردين تزويد الجهات المتخصصة بالسعر المحتمل وتكاليفه الفعلية.
دراسة واجبة قبل الاستبدال
إن استبدال العملة له آثار سلبية على معالجة السجلات المحاسبية للشركات، وكذلك التكاليف التقنية مثل تحديث النظم الحاسوبية والمصرفية، وظهور مشكلات في أسعار الصرف، بالإضافة إلى المشكلات التي تواجه المواطنين في عملية استبدال العملة القديمة بالعملة الجديدة وبحسب الجاسم لابد من التنويه أن عملية استبدال العملة (حذف أصفار) قد لا توقف التضخم، لأن التضخم يتعلق بشدة بعوامل أخرى مثل قلة العرض من السلع وبخاصة الاستهلاكية الضرورية ومنها المنتجات الزراعية بعد عام من الجفاف، وبالمقارنة مع تجارب الدول الأخرى مثل تركيا والأرجنتين والبرازيل، أعتقد أن سوريا لم تصل إلى نقطة حتمية حذف الأصفار، لذلك من المهم دراسة الآثار السلبية المتوقعة لهذه العملية قبل اتخاذ قرار الاستبدال، ومنها: هجرة رؤوس الأموال وتوقف المصانع، وزيادة البطالة، ويزيد الاستثمار في قطاعات غير منتجة مثل العقارات وشراء الذهب أو العملات الأجنبية مثل الدولار واليورو، تحويل المستثمرين الأجانب لأرباحهم للخارج، البطالة وغيرها، والتي قد تؤدي إلى الدخول في حلقة مفرغة,لهذا لا بد من إجراء إصلاحات اقتصادية شاملة قبل عملية حذف الأصفار
إصلاحات اقتصادية يجب أن تتم
وأكد الجاسم انه من الضروري القيام بإصلاحات اقتصادية مثلاً على صعيد الإصلاحات ذات البعد الاستراتيجي، نذكر إصلاح السياسات النقدية مثل: رفع أسعار الفائدة، زيادة الودائع في المصارف التجارية، زيادة نسبة ودائع المصارف التجارية في المصرف المركزي، العمل على ضبط سعر الصرف، وإصلاح النظام المصرفي، ويجب إجراء إصلاحات في السياسات المالية مثل ضبط الإنفاق الحكومي، الاهتمام بجباية الضرائب ومنع التهرب الضريبي، تطوير السواق المالية.
من جانب آخر يجب العمل على ضبط تام للأسواق بقوانين تضبط عمليات تبادل السلع وبخاصة مكافحة الاحتكار، وضبط الأسعار بشدة وصرامة من خلال قانون يفرض تحديد السعر من مصدر السلعة إذا كانت إنتاجاً محلياً، ومن السلطات التي تراقب وتشرف على عمليات الاستيراد. ودعم الصناعات المحلية من خلال منح تسهيلات ائتمانية للقطاعات الإنتاجية الصناعية والزراعية، لدعم الاستقرار الاقتصادي، ورفع الكفاءة والجودة وتشجيع التصدير وضبط الاستيراد (ولا أقصد هنا منع أو تقييد)، ولكن أقصد أن أي سلعة أجنبية تدخل سورية يجب أن تمر حصراً عبر المنافذ الحدودية الرسمية وتحصيل الرسوم القانونية على دخول السلع الأجنبية.
تحسين بيئة الأعمال
لذلك يمكن القول أن عملية استبدال العملة بحذف صفرين تحتاج إلى تحسين بيئة الأعمال وفق سياسات اقتصادية واضحة وهادفة، وتبسيط إجراءات منح التراخيص وتأسيس الشركات، ودعم المشروعات الصغيرة وبخاصة في مجال إنتاج السلع، وتخفيض البيروقراطية والروتين الإداري لجذب الاستثمارات العربية والأجنبية. ومن المهم تحسين كفاءة مؤسسات الخدمات الحكومية وإعادة هيكلة شاملة لهذه المؤسسات وتوفير الكوادر الإدارية المؤهلة.
دور إيجابي للإصلاح
أعتقد أن إجراء إصلاحات في القطاع المالي والمصرفي، وتطوير القطاع الصناعي، وضمان وجود تبادل تجاري متوازن، وتدفق رؤوس أموال للاستثمار، وإيداعات نقدية بالدولار أو اليورو للسوريين المغتربين في المصرف المركزي خلال طرح العملة الجديدة قد يلعب دوراً إيجابياً في نجاح عملية الاستبدال.
أخيراً
ختم الجاسم أنه يجب أخذ الحذر من أفراد أو شركات وهمية يمتلكون كميات كبيرة من الليرة السورية الحالية داخل أراضي سوريا أو خارجها من مصادر غير مشروعة، ربما يكون التثبت من مصادر الأموال، ومكان الإقامة يعد هاماً، عدم استبدال أموال لشركات الحوالات المالية إلا بمقدار حجم الأموال المتداولة بوثائق حقيقية، وكذلك شركات الصرافة إلا بشروط يحددها المصرف المركزي وبالنسبة لشركات القطاع الخاص في الواقع عملية استبدال العملة يجب أن ترتكز على بيانات محاسبية دقيقة وحقيقية، إن سؤال من أين لك هذا؟ اعتقد أنه مهم جداً وبخاصة في محاولة للكشف عن الأموال المنهوبة والمسروقة من أملاك الأفراد والدولة، إن لم تعد للدولة على الأقل لا يستفيد منها الفاسد.
العروبة – هنادي سلامة
