تعتبر ظاهرة العنف الأسري من أخطر المشكلات التي تواجه الأسر والمتمثلة في هجرة الأبناء لمنازلهم هرباً من عنف الأبوين وتجنباً لصدامات مستمرة دون النظر إلى الوجهة التي يقصدونها والمصير الذي ينتظرهم ويرجع ذلك لأسباب عديدة :
إن العنف سلوك مكتسب للفرد خلال أطوار التنشئة الاجتماعية وله أشكال كثيرة منها العنف اللفظي والجسدي والنفسي فالضغط النفسي والإحباط المتولد من طبيعة الحياة العصرية واليومية تعد من المنابع الأولية والأساسية لمشكلة العنف الأسري وله دوافع عديدة منها: ذاتية واقتصادية كالفقر والحاجة إلى تأمين متطلبات الحياة وفرص العمل . واجتماعية تعود إلى العادات السائدة في المجتمع كمبدأ الرجولة والرجل المتسلط ،لذلك فالهوة أصبحت كبيرة بين جيلين ليسا ببعيدين “جيل الآباء والأبناء” والتطور السريع للمجتمعات ولوسائل الإعلام والاتصالات ساهم في تفاقم المشكلة وزيادة هذه الهوة حيث تشكلت مفاهيم وأفكار تختلف شيئاً ما عن مفاهيم الآباء.
أحد الأبناء -23عاماً – قال: غادرت منزل أسرتي وعمري 15عاماً وآثار الضرب من والدي ظاهرة على جسدي ..لم أترك مجالاً إلا وعملت فيه لتأمين متطلبات الحياة ، افترشت الحدائق والأرصفة وقادني الفقر إلى عدد من الشبان جمعنا الفقر فامتهنا السرقة والسطو حتى وقعنا بيد العدالة وكان السجن نهايتنا الحتمية ولكنه يبقى أهون عليّ من ظلم الوالد والآن أعمل في أحد المعامل الخاصة .
إحدى الفتيات -25عاماً- قالت: أيام السعادة مع أسرتي معدودة ولغة الحوار معدومة في منزلنا فوالدي وأخي الكبير يوجهان الكلام السيئ عدا عن الضرب أمام الجيران والضيوف والأصدقاء دونما ذنب أقترفه ولم يعد بمقدوري الصبر فغادرت المنزل غير مبالية بصعوبة الحياة .
وفتاة أخرى -21عاماً- قالت : إن أي تصرف يصدر عن والدي ووالدتي أتقبله برحابة صدر، وهما بالنسبة لي خط أحمر لا أسمح لنفسي بتجاوزه أو أزعجهما قدر المستطاع لأنهما يتصرفان وفق مفهومهما وأنا أتصرف حسب مفهومي دون أن أصطدم معهما .
أحد الآباء -لديه أربعة أبناء- قال: أردت أن أربي أولادي على صعوبة الحياة وقسوتها ولكن وسيلتي كانت لإيصال فكرتي إليهم الضرب والكلام السيئ وهذه الطريقة لم يتحملها ولدي الأكبر فنفذ صبره مما دفعه لمغادرة المنزل.
ولعلاج هذه الظاهرة -كما أوضح أحد المرشدين الاجتماعيين- : يجب معالجة الأسباب التي تؤدي إلى استعمال العنف قبل وقوعه، أي الابتعاد عن كل ما يثير العنف بين الأب وبقية أفراد الأسرة أو بين الأخوة والاهتمام بالواعظ الأخلاقي في الأسرة .. والأهم من ذلك إتباع أسلوب الحوار بين أفراد الأسرة والابتعاد عن فكرة الضرب والسلطة الصارمة بالإضافة إلى تغليب سياسة المحبة بين أفراد الأسرة ومراعاة العدل وعدم التمييز بينهم .
أخيراً لابد من القول : إن كان الأبناء يرون أنفسهم أكثر تقدماً وتطوراً فعلى عاتقهم يقع التفاهم والتزام الاحترام المفروض عليهم للوالدين فالمحبة والتقدير هما ركن الأسرة المتماسكة ، والأهم من ذلك لغة الحوار المتبادلة بين أفراد الأسرة والوالدين .
المزيد...