يتعرض الطلاب في المدارس لبعض الصعوبات والتحديات والمشكلات الاجتماعية والنفسية التي تنعكس على سلوكياتهم وأفكارهم واتجاهاتهم, وتُمثل المدرسة بيئة مهمة في التنشئة الاجتماعية، فالطلاب يتأثرون ببيئة المدرسة بما تتضمنه من زملاء ومدرسين ومناهج صفية وغير صفية ربما أكثر من تأثرهم بالمحيط الأسري, ويتعاظم دور المدرسة في التنشئة الاجتماعية التي لم تعد مقصورة على الأسرة فقط خاصة مع تزايد التحديات والصعوبات التي تواجه الشباب في الوقت الحاضر، وبينما كانت المشكلات في السابق محدودة قد لا تتعدى المشاجرة بين الطلاب على أمور عادية وبسيطة وحتى سوء الفهم بين الطلاب ومدرسيهم ,لكن المشكلات في الوقت الحاضر تعددت.وتنوعت أسبابها ,خاصة في الظروف الاستثنائية (الحرب) التي نعيشها في بلدنا وانعكاسها النفسي والمعنوي على الكبار والصغار , فماذا عن دور المرشد الاجتماعي وكيفية تواصله مع الطالب لمساعدته على تجاوز الصعوبات والمشاكل التي تعترضه ….
صانعة للعملية التربوية
تحدثت نيفين رمضان “علم اجتماع” عن المشاكل الطلابية قائلة : هناك تفاقم في المشكلات السلوكية والاجتماعية حتى وصلت إلى العنف بين الطلاب في المدارس بل اتجه العنف إلى المدرسين حتى وصل إلى إيذائهم ، واستجدت مشكلات ومظاهر انحرافية لم نكن نعرفها من قبل ليس فقط بين الطلاب لكن حتى بين الطالبات, حيث اتجه بعض الطلاب إلى العنف, وأصبح بعض الشباب يحمل أفكاراً وتوجهات منحرفة.
كما تأثرت مكانة المدرس وهذا سيء في المجتمع، حيث ينعكس ذلك على ضياع هيبة الوالدين وهيبة أي مؤسسة في المجتمع, وأضافت بأنه يجب أن يكون للمدارس دور كبير في التنشئة الاجتماعية وفي مواجهة المشكلات الاجتماعية والنفسية التي تواجه الناشئة، لأنّه من المؤسف أن يُنظر إلى المدرسة على أنّها مؤسسة تعليمية فقط وليس كمؤسسة للتنشئة الاجتماعية، حيث تُركز المدارس، بوجه عام، على الجانب التعليمي وتغفل الجانب الاجتماعي الذي لا يقل أهمية عن الجانب الأول خاصة في هذا الوقت الذي يواجه فيه الطلاب والطالبات تحديات وصعوبات عديدة, فالمدارس هي صانعة للعملية التربوية بمفهومها الشامل التي من المفترض أن تقوم على عدة محاور أساسية تتضمن: الطالب، المدرس، والمنهاج الدراسي بشقيه الصفي واللاصفي، والأدوات والوسائل التعليمية، والبيئة المدرسية، والتنشئة الاجتماعية. وتتصف هذه المحاور بالترابط بينها ، أي الخلل في أحدها يؤثر على العملية التعليمية والعملية التربوية برمتها.
تخصص علمي ومهني
وتشير رمضان إلى أن التقنية الحديثة أسهمت في مساعدة الطلاب والطالبات في عملية التحصيل الدراسي والعلمي واكتساب المعلومات والحصول عليها بيسر خارج نطاق المدرسة مما يزيد من أهمية دور المدرسة في التنشئة الاجتماعية، لذا فهناك حاجة للنظر في البرامج والمناهج التعليمية بما يكفل تخريج شباب وفتيات ليسوا متسلحين بالعلم فقط بل متشربين للقيم الاجتماعية السليمة ومتمسكين بالانتماء الوطني ومتحملين للمسؤولية الاجتماعية، فالغاية من التربية والتعليم ليس تخريج فرداً متعلماً فقط ولكن أيضاً فرداً صالحاً, ومن الوسائل المهمة في تحقيق ذلك الاهتمام بالتنشئة الاجتماعية في العملية التربوية الذي سيكون له انعكاس إيجابي على تحصيل الطلاب والطالبات الدراسي وتفوقهم العلمي, « وبرأيها» يبرز دور تخصص الخدمة الاجتماعية في مواجهة المشكلات الاجتماعية والنفسية التي يواجهها الطلاب والطالبات، فالخدمة الاجتماعية تخصص علمي ومهني وبحكم فلسفتها وركائزها وأسلوبها فهي المهنة الأنسب للتعامل مع القضايا الاجتماعية وفي علاج المشكلات الاجتماعية التي يعاني منها الطلاب والطالبات في مختلف مراحلهم الدراسية، ولأهمية دور الخدمة الاجتماعية نجد في الدول الغربية أنه يُشترط في كل مدرسة وجود اختصاصيين اجتماعيين متخصصين في الخدمة الاجتماعية .
تحديات المرحلة تواجه الإرشاد الاجتماعي
من الغريب أنه في الوقت الذي تزداد فيه الحاجة إلى مهنة الخدمة الاجتماعية نتيجة للتحديات والمشكلات الاجتماعية والانحرافات السلوكية والفكرية التي تواجه الطلاب والطالبات، إلا أن هناك تجاهلاً للدور المهم الذي تضطلع به مهنة الخدمة الاجتماعية في المدارس، حتى أن وظيفة المرشد الاجتماعي الموجودة في السابق حولت إلى وظيفة مرشد طلابي وأصبح يعين في وظيفة الإرشاد الطلابي من شتى التخصصات، بل إن بعض التخصصات بعيدة كل البعد عن الجانب الاجتماعي، وربما يُعين في وظيفة الإرشاد الطلابي أفراد تنقصهم ليس فقط التخصصية ولكن أيضاً الكفاءة والرغبة في العمل الاجتماعي، مما أفقد المدرسة دورها الريادي في التنشئة الاجتماعية ومواجهة مشكلات الناشئة, وهناك من المرشدين الطلابيين من لا يملك مهارة التواصل الاجتماعي مع الطلاب ومن لا يستطيع بناء علاقة مهنية معهم للدخول إلى عالمهم والبعض قد يستخدم أساليب غير تربوية في علاج مشكلاتهم.
الثقة المتبادلة
وأشارت المرشدة الاجتماعية إلى أن مهنة الخدمة الاجتماعية وأساليبها تعتمد على بناء علاقة مهنية ركيزتها الثقة المتبادلة بين المرشد النفسي و الاجتماعي وبين الطالب يشعر من خلالها الطالب بالارتياح لكشف ما يعتريه من مشكلات أو تساؤلات أو قضايا ليتسنى للمرشد الاجتماعي تقديم أفضل الحلول والإجابات ولعلاج المشكلات التي يواجهها الطالب, لذا فالمدرس الناجح في عمله لن يكون ناجحاً في الإرشاد الاجتماعي والطلابي، كما أنّ المرشد الاجتماعي الناجح لن يكون مدرساً ناجحاً.
إنّ افتقاد دور المرشد الاجتماعي والمرشدة الاجتماعية في المدارس يؤدي إلى نتائج سلبية على الاتجاهات والسلوك وعلى التحصيل الدراسي، وإلى سعي الطلاب والطالبات للبحث عن حلول لمشكلاتهم والإجابة عن تساؤلاتهم من خلال أفراد أو مجموعات أو قنوات قد لا تكون سليمة وقد يكون لديها أفكار أو توجهات منحرفة.
الكفاءة ضرورية
وختمت حديثها قائلة : إن مقياس تطور الدول يعرف بمستوى التعليم فيها، وأي مشروع لتطوير التعليم لا بد أن يتبنى الجانب الشمولي للعلمية التربوية بحيث يكون محور التنشئة الاجتماعية مرتكزا أساسيا فيه، وهناك حاجة لإعادة بناء وصياغة الإرشاد الطلابي في المدارس وتطويره ليكون سنداً للعملية التعليمية والتنشئة الاجتماعية السليمة للطلاب والطالبات، لذا فإن تحوير الإرشاد الطلابي في المدارس إلى مكاتب للخدمة الاجتماعية وإسناد العمل فيها إلى مرشدين اجتماعيين ومرشدات اجتماعيات ذوات كفاءة أصبح أمراً ملحاً في وقتنا الحاضر فالغاية من التربية والتعليم ليس تخريج فرد متعلم فقط ولكن أيضاً فرد صالح.
بقي أن نقول
رغم تفاؤل الكثير من المرشدين النفسيين بتحسن أوضاعهم، ونظرة المجتمع إلى دورهم, إلا أن عوائق كثيرة تلقي بظلالها على عملهم، وتعيق تقدمهم في ممارسته, وتسرد إحدى المرشدات، تعمل في مدرسة من مدارس المدينة ، قائمة عوائق تواجهها في عملها، على رأسها معضلة الوقت الأكثر إعاقة في العمل, إذ إن المرشد مسؤول عن أكثر من (500) طالب، وهذا لا يتيح لها الإطلاع على معاناة كل طالب بشكل دقيق، كما يمنعها من متابعتها، ويضعف من مقدرتها على بناء الثقة التي هي أساس التعامل بين الطالب والمرشد، لأن الأمر ببساطة يقتصر في مثل هذه الحالات على عرض المشكلة، من قبل الطالب على المرشد، أو إذا صحّ التعبير «فشة خلق»، لا تحقق للطالب ما يتمناه من المرشد، إضافةً إلى مشكلة الطاقم الإداري الذي ينظر إلى دور المرشد على أنه منافس خطر، جاء ينتزع منه امتيازاته، ولعل أكثر المشكلات إعاقة قرار وزارة التربية (منذ عدة سنوات) الذي يقضي بأن المرشد يجب أن يراقب أثناء الامتحانات, فكيف للمرشد العمل طوال العام من أجل بناء الثقة مع الطلاب ليأتي خلال ساعة أو ساعتين، ويهدم كل ما بناه بممارسته دور المراقب على الطلاب!.