يوماً بعيد يوم يتأكد للقاصي والداني الأهمية القصوى للحفاظ على وحدة وكيان الأسرة ,ونظرة عابرة ستكشف أن جميع أطراف النزاعات الأسرية المدمرة خاسرون بداية من الزوج الذي سيهجر البيت الذي ألفه والزوجة التي سكن إليها ، ربما إلى هاوية تعصف بشخصيته أو ندم يمزق داخله.
أما الزوجة المنفصلة فخسارتها دائماً فادحة، فنظرة المجتمع الشرقي – خصوصاً – للمرأة المطلقة تتسم بالوجوم وطرح آلاف التفسيرات السليمة حيناً والخاطئة مئات الأحيان ، فيكتب عليها أن تقضي باقي عمرها حبيسة الشائعات ، وعلى أحسن الظن ستفوز بزوج أرمل يعيل أبناء غالباً ما يكونوا أحوج إلى دار حضانة منها إلى زوجة أب مكروهة بالفطرة والغريزة، أو مطلق عابث يبحث عن معذبة جديدة.
بينما الأطفال هم الضحايا الضائعون في حوادث إنهيار العلاقات الزوجية الذين يترنحون بين زوج أم قاس لا يعترف بطفولة أو حتى حقوق إنسانية لغير أبنائه فكل الرعاية والانفاق تذهب على كأس من فضة لهم في حين يكيل جميع صنوف الحرمان والخشونة لأبناء الزوجة .
والأمر لا يختلف كثيراً بالنسبة لزوجة الأب التي تتفنن في تشويه براءتهم ، والدليل على ذلك دراسة منشورة مؤخراً، وتعرض حقائق وإحصائيات عن التغيرات الاجتماعية وأثرها على الأسر العربية، حيث يظهر أن حالات إيذاء الأطفال ناتجة عن سوء معاملة الأم و الأب المنفصلين، حيث تأتي في المرتبة الأولى من وسائل إيذاء الأطفال ثم التحرش الجنسي ثم الإهمال.
لماذا تغيرت ملامح الأسرة وإرادتها القوية في المحافظة على كيانها وعلى نظام القرابة كضابط اجتماعي لاستمراريتها؟
وإذا كنا سنتحدث عن الأسرة فمن الضروري أن نتحدث عن مؤسسيها الزوج والزوجة وكيف تحولت في المجتمع بعض البيوت إلى منازل آيلة للسقوط.. تحت سقفها أفراد لا تجمعهم العاطفة أو الود إنما مصلحة البقاء في وضع اجتماعي مقبول لدى المجتمع في جو من العزلة والانفصال الروحي.
سليمان خريج تربية قال: إن التفكك الأسري وعدم الترابط ينعكسان بشكل سلبي على الأطفال في الأسرة وتساهم هذه الحالة في بناء مجتمع مفكك نظراً لمعاناة أطفاله وقد أجرى باحثون دراسات ميدانية عديدة شملت أسراً تضم أطفالاً لتقييم مدى تأثير تصرف الوالدين وعلاقاتهم الأسرية على نمو الطفل، حيث وجد الباحثون أن ضغوط العمل والمشكلات الأسرية وما ينجم عنها من أزمات نفسية للأطفال، يمكن أن تعرقل وسائل التواصل النفسي بين الأبوين وأطفالهم .وهؤلاء أطفال ينشؤون في هذا المناخ، ينطوون في سلوكهم على انحراف كامن حين يجد الفرصة سانحة في أي زمان أو مكان يعبر عن نفسه ويصبح سلوكاً ممارساً ملموساً في تصرفات حياتية.
فاتن محمد – مرشدة نفسية في إحدى الثانويات قالت : الترابط الأسري له أثره الواضح في تكوين شخصية الشباب والأبناء بشكل عام ولكن سن الشباب قد يتيح للشاب التعبير عن رأيه بجرأة أكبر ، ولذلك نجد أن نسبة 50% منهم غير راضية عن وضع الأسرة وخاصة الأسر التي يسودها شجار بشكل دائم بين الأب والأم وهنا تبرز المشكلة الأكبر حيث لا يهتم بهم أحد في المنزل، ويكبر حجم المأساة ولا تقف عند ذلك الحد بل تظهر بعض المخاطر والتي هي نتيجة متوقعة لانهيار العلاقات الزوجية من بينها : خروج جيل يؤثر سلباً على المجتمع لفقدان الرعاية منه،ووجود أفراد متشردين في المجتمع.
وانتشار السرقة والاحتيال والنصب، وتفشي الجريمة والرذيلة، وعدم تماسك المجتمع في الملمات، والأهم عدم الشعور بالمسؤولية.
يوسف موظف وزوجته طبيبة قال: إن التغيرات العالمية أحدثت تغيراً في المجتمع بتحديث قيمه وظهر التنافس بين أفراده عامة وبين الأزواج بشكل خاص حيث يأخذ التنافس أشكالاً ظاهرة واضحة أو غامضة غير مباشرة، وذلك وفقاً لشخصية الزوجين وظروفهما.
وفي العلاقة الزوجية التقليدية حيث يعمل الرجل خارج المنزل وتعمل المرأة داخله يأخذ التنافس والصراع أشكالاً تختلف عنها في العلاقات الزوجية الحديثة حيث يعمل الطرفان خارج المنزل.
ومن أمثلة التنافس في العلاقات التقليدية الخلاف حول الطبخ والطعام وجودته وإتقانه..أما في حال عمل الزوجة خارج المنزل فيكون التنافس على أشده وكل منهما يريد أن يثبت أنه الأفضل ويقدم أكثر للمنزل وفي كلا الحالتين ينعكس الأمر بسلبياته على الأبناء .
أمينة ربة منزل قالت : مشكلاتنا العائلية أسبابها موجودة في كل البيوت وذلك نتيجة احتكاك الأفراد وتعاملهم مع بعضهم وهي غالباً تكسر حدة الملل والروتين وتنشط العلاقات الإنسانية إذا ما تعاملنا معها بإيجابية ولذلك نرى أن هناك بيوتا تصرخ وأخرى باردة وصامتة وهذا يعود لأسباب المشاكل العائلية فكل يراها من وجهة نظره فالرجل قد يتهم الزوجة بعدم تقديرها لأعباء زوجها وواجباته الاجتماعية “طبيعة عمله”.أو لأوضاعه المالية.أو إهمالها لشؤون الأسرة.
أما المرأة فقد تعتبر تدخل الزوج في الشؤون المنزلية أكثر مما ينبغي هو انتقاص لمهامها ، أو بقاء الزوج فترة طويلة خارج المنزل.أو.. وكل هذا في ناحية ونظرته الدونية لها في ناحية أخرى.
أسباب ..وأسباب
فأين الحل ؟
كثيرة هي الأسباب التي تولد الخلافات الزوجية كتحكيم العاطفة أو المصلحة المادية عند اختيار الزوج أو الزوجة، سوء فهم كل من الزوجين لطباع الآخر، الاختلاف المستمر في الآراء ووجهات النظر، المشكلات العاطفية، تباين أسلوب كل منهما في تربية الأبناء، المسائل المادية، كذب أحدهما على الآخر، تدخل أهل الزوج أو الزوجة في كل صغيرة وكبيرة تتعلق بالأسرة، العناد، الغيرة الشديدة، الأنانية، فارق العمر، انعدام الحوار، الرغبة في إنجاب الكثير من الأبناء، عدم تحمل المسؤولية، عدم فهم كل طرف لشخصية الآخر، إفشاء أسرار البيت، إنفاق المال في غير محله، العمل المرهق خارج المنزل، التسلط، الخيانة.
هذه الأسباب وغيرها هي مربط الفرس حين يعيها الزوجان ولكن السؤال :من الذي يمكن أن يتدخل لتوعية قطبي الأسرة بالمشاكل والحلول؟ والأهم هي التوعية حول خطورة هذه المشاكل على الأبناء “ الحلقة الأضعف “ التي إن لم نحسن صناعتها فإنها لن تستطيع أن تحقق ترابط السلسلة الاجتماعية ، وتصبح حلقات مغيبة أو مهشمة وليس فقط لا دور لها وإنما تشكل خطراً على المجتمع .
ومع ذلك ومع كل هذا الخطر نرى أن مشاكل الأسرة تتفاقم وقد تبدلت نوعية القضايا التي تطرح في المحاكم وكذلك كيفية صدور الأحكام لقد تغيرت مفاهيم الناس نحو صياغة العلاقات الإنسانية .
وعند سؤال أي قاض اليوم فإنه سيتحدث بما يسمعه ويراه كل يوم من مشاكل بين الزوجين كان بالإمكان أن تمر بقنوات أخرى لحلها قبل الوصول إلى القضاء ووقوف الزوجين أمام المحكمة..
المزيد...