يجتهد العاملون في المجال التلفزيوني والسينمائي لتقديم مشاهد تحاكي تطلعات مجتمعاتهم مع الإشارة إلى العثرات التي تعيق تطوره ونمائه وأحيانا يلجؤون إلى معطيات التاريخ ولكن يقدمونه عبر ما أصطلح عليه / فانتازيا / بهدف محاكاة الواقع الاجتماعي عبر نماذج متباينة تقدمها الدراما وجميعها يسلط الضوء على حراك المجتمعات العربية وكيفية تعاملاتها مع المستجدات الثقافية المستوحاة في أغلبها من الأعمال السينمائية الأوروبية والأمريكية التي تجسد العنف والبطل الخارق ..
إن ما نشاهده الآن يشكل خطرا على أولادنا فأكثر الأعمال تميل للعنف والغموض في الأحداث ولا تنزل بنا إلى أرض الواقع فقديما كانت الأعمال تشكل جزء من تربيتنا وثقافتنا بل ترسخ وتعمق قيم ومثل لا نحياها الآن بل نشعر بأن الدراما مشروع للكسب دون مراعاة للقيمة التي تقدم أما عندنا ولا سيما في سورية فيتم تقدم رؤى متعددة لبنى مجتمعية منها ما هو ملتصق بحياتنا ومنها ما هو مقتبس كما الاقتباس من حركة التاريخ التي قد تتماهى في بعض مشاهدها مع واقع الأمة العربية المعاش هذه الأيام.. وما تقدمه الفضائيات السورية من حوارات مع الفنانين / مخرجين وممثلين / ليس كافيا إذ يجب محاورة الكاتب الذي يشكل البناء الأساسي لأي عمل فني ولا سيما النص الممتلك لخصوصية ثقافية تعكس تطلعات المجتمع وتحاكي آماله المستقبلية فلم يعد الاقتصار على الأوجاع وتضخيم السلبيات المعاشة رؤى ذات جدوى في المعالجات الدرامية عبر منظور ثقافي نراه مبتورا بعض الشيء علما أن مجتمعاتنا العربية وخاصة السورية / في هذا الوقت بالذات / لتميزها بخصوصيتها الإنسانية وبأسطورة تضحياتها لتبقى القيم الإنسانية تردد ألحان تراتيلها مع تتالي الأيام انطلاقا من الرحم السوري .. ومن الملاحظ أن الأعمال الفنية المقدمة سواء كانت تلفزيونية أم سينمائية لم ترتق بعد إلى المستوى المطلوب .. وما يحدث الآن من تعمد بعض الفضائيات العربية تشويه صورة الإنسان هو عابر في الثقافة العربية كعبور سحابة صيف من فوق سمائنا لأن الحقيقة السورية من شريعة حمورابي وحتى زمننا الحالي مازالت تصدح بقيمها وأبجدية معرفتها .
إن قليل من المسلسلات الدرامية وفي بعض مشاهدها تجدد فينا دفئا خاصا نتلمسه ونحس به كومضة تحفزنا على مقارعة الظلم والمعتدين وخاصة عندما تترجم تلك المشاهد خلجات سكنت ذاكرتنا ولعل ذلك يعود لشغفنا المستمر بصفاء نرجوه في زحمة العوالم التي تعبث فينا تارة وتهز وجداننا تارة أخرى ..
المطلوب اليوم من الدراما السورية حصرا أن تجسد للمجتمع فضاءات مستقبلية تعانق حبات المطر وهي ترسم ألوان قوس قزح وفق رؤى الخصوصية الذاتية لهذا المجتمع لتشكل المرايا الحقيقية لبعض وجودنا المقاوم لزيف الأقنعة ولهدوء الجمل المترنحة والمستهترة بموروثنا الحضاري .
الثقافة حالة تراكمية من المعرفة لكنها بكل تأكيد لا تتحرك بمعزل عن سلوكيات الناس .. والملاحظ في بعض المسلسلات تعمد تضخيم ميزانيات الإنتاج الدرامي علما أن أبعاد الحوامل الاقتصادية لا تنتج بالضرورة عملا جيدا فالمشاهد لا يهتم كثيرا بضخامة صرفيات الإنتاج بقدر ما يهتم بمحاكة الحدث المقدم عبر فهم للبنية الفكرية المراد إيصاله للمتابع الذي بات من الواضح صعوبة إرضاءه لسبب بسيط يعود لتطور ذائقته الفنية ودخول الفضائيات الأخرى على الخط إضافة لتقنيات الشبكة العنكبوتية وهنا يجري المتلقي العربي مقارنة بين الأعمال الدرامية ويميل بالطبع إلى ما يعكس اهتماماته المتنوعة وخاصة مقارعة الظلم حتى لو كانت من إيحاءات مجاهيل الخيال المفترض .. لذا يجب أن يبقى البعد الثقافي المؤطر بالقيم الإنسانية الذي يمكن أن تقدمه الدراما عبر شموليتها ونظرة كتابها وتقديمها للمشاهد العربي بطرق فكرية وحسية انطلاقا من الحاضر بأفراحه وأتراحه والتجليات المأمولة للمستقبل وخاصة أن الدراما السورية تحمل مشروعا يمكن توصيفه بأنه ينفض غبار التشويه عن كاهل حضارة الأمة العربية .
الواقع يؤكد للجميع ودون استثناء أن الثقافة العربية مهددة بكل حواملها / المقروءة والمسموعة والفنية بجميع تفاصيلها – التشكيلية والتلفزيونية والموسيقية والسينمائية / لذا وجب على المثقفين العرب استنهاض الهمم لحمايتها وهذا يتطلب تعميق الانتماء لخصوصية العروبة التي تميزت هويتها الفكرية منذ قرون وحتى اليوم هذه الخصوصية كانت وستبقى على الدوام منارة نبض الحضارة العربية من خلال تفعيل دور مفكرين ومثقفين منتمين لهذه الخصوصية واحتضان الأجيال ورعايتها وتنشئتها في إطار تعميق الانتماء لثوابت خصوصية هوية الأمة كون الدراما العربية تجسد النبض الاجتماعي للعرب وتعكس تطلعاتهم وآمالهم في زحمة تباينات ومتناقضات ما تقدمه الدراما الغربية .. ومن ناقلة القول : الإشارة إلى إن الدراما تستطيع أن تبشر بالتغير الاجتماعي وتعمل على توجيه الأنظار إليه طبعا التغيير الإيجابي عبر الإعداد الجيد له من خلال الإفادة من الفنون الدرامية في تهيئة الأفراد للقيام بدورهم في إحداث التغير والنمو الثقافي فالفرد يعتمد في الواقع بالإضافة إلى تجاربه الشخصية وخبراته الفردية على وسائل الإعلام في التعرف على الواقع المحيط به.. ويمكن القول : إن ما يقرب من / 70/ بالمائة من المشاهد والصورة الذهنية التي تحتفظ بها الذاكرة وتخزنها يبنيها الإنسان / في المجتمع الحديث وفي ظل تيارات العولمة المتسرعة الخطى / مستمدة من وسائل الإعلام الجماهيري وعلى وجه الخصوص الأعمال التلفزيونية.
بسام عمران
المزيد...