قد يختلف معنا الكثيرون حول عنوان موضوعنا ولكننا نعتقد بعد نظرة متفحصة لواقعنا الحالي -المعاش والمحسوس- سنجد أنه العنوان الأقرب إلى الحقيقة ، فمن يتابع بعض المشاهد اليومية التي نراها أو نعيشها سيكتشف أن الأمر يحتاج إلى أكثر من الغضب…
صور يومية
تملكه غضب شديد ووصلت الدماء إلى رأسه – كما يقال – لقد مضى وقت طويل وهو ينتظر الحافلة التي ستقله إلى بلدته مع العديد من جيرانه وأصدقائه وركاب الخط ولكن هيهات أن تأتي الحافلة والأعداد في تزايد مستمر هناك الموظفون الذين أنهوا دوامهم وهناك الطلبة الذين أنهوا امتحاناتهم وهناك من قصد المدينة لحاجة ضرورية جداً لأنه في هذه الأيام لا يقصدون المدينة إلا للضرورة …المهم أن الجميع يريد الحافلة ، والحافلة على الطريق ، والطريق بعيد والغضب تملك في النفوس . نعم إنه الغضب الذي ما إن يسيطر على الإنسان حتى يحوله إلى شخص آخر .والمشكلة أن صاحب الحافلة عندما وصل كان أكثر غضباً فقد هجم عليه المنتظرون …وربما لهذا غضب فقد أراد تطبيق المثل: (إتغدى بهم قبل أن يتعشوا بك ) المهم كانت الخسائر محدودة ولم تتعد بعض الكلمات النابية ودفشة مجهولة الهوية …
من منا لم يعرف الغضب ؟ باعتقادي لا أحد وخاصة في هذه المرحلة التي نعيشها اليوم لأن ضعاف النفوس ومن لف لفهم لم يتركوا لأولاد الحلال شيئاً سوى الغضب .
حيلة من لا حيلة له
السيدة هادية قالت :يختلف الناس في غضبهم فالبعض كان يغضب لأتفه الأسباب والبعض الآخر كان يغضب لأمور ذات أهمية وذلك كله يعود للتنشئة الاجتماعية والأسرة التي تربى فيها ولكن اليوم يبدو أن الجميع خرج عن طوره فكل ما حولنا يدعو إلى الغضب : غلاء الأسعار الفاحش ، المواصلات ، الازدحام ، ولكن أنا ما يزيد من غضبي هو متابعة نشرة الأخبار في القنوات « المغرضة» لقد أصبت بأوجاع الرأس والمعدة والأسنان ، وفي النهاية قررت حذفها .
السيد مازن يقول : أتمنى من كل قلبي أن أعود إلى سابق عهدي ، لقد كنت من أهدأ الناس كما يصفني أصدقائي ومعارفي ولكني أصبحت اليوم قلقاً ، متوتراً ، أثور من أي موقف يزعجني ، لا أتحمل ملامة لا صديق ولا عدو ، وهناك الكثيرون مثلي ممن لم يتحملوا الأوضاع التي تمر بالبلاد فكل يوم نصحو على خبر جديد أو مأساة أو انفجار ورغم أن الكثيرين أيضاً تأقلموا مع الوضع إلا أنه لابد من الاعتراف أن هناك شيئاً كبيراً تغير فينا فكيف الحال لمن فقد عزيزاً ، أو منزلاً جهد نصف عمره لبنائه ،أو ، أو ..؟
السيدة نجوى قالت :«ما يزيد عن حده يقلب إلى ضده » فنحن من كثرة الغضب أصبحنا نضحك مع غصة فيها الكثير من المرارة ، وما الذي لا يغضب ؟ لاشيء لقد أصبحنا نرد على أولادنا بغضب ونسألهم بغضب والأمر ليس بأفضل حال مع زملاء العمل ولا ننسى الجيران والبقال الذي ينال القسط الأكبر من غضبنا «بتجي براسو» ، وبغض النظر إن كنا على حق أم لا ولكن أعتقد أننا لن نتخلص من هذه العادة – المتطورة – لا قريباً ولا بعد زمن .
السيد ماجد قال : الغضب كان صفتي المميزة ولكن بالحق، أما اليوم فقد بات علي التحكم بغضبي لأني لا أدري ردة فعل الشخص المقابل لأن الغضب أصبح صفة الغالبية العظمى من الناس وقد يكون غضبهم أشد وأقوى من غضبي وبالتالي أقع فيما لا يحمد عقباه وأقول لنفسي : قضيت عمري وأنا غاضب أما آن لي أن أستريح ؟؟
إن ضبط النفس والإرادة الواعية عند الغضب دليل قدرة محمودة وتماسك كريم ، وأما سرعة الغضب فهي عنوان ضعف الإنسان حتى ولو ملك السواعد القوية والجسم الصحيح وذلك أن الشخص الغضوب كثيراً ما يذهب به غضبه مذاهب حمقاء .
آثار لا يمكن تجاهلها
آثار الغضب عديدة فهي على مستوى الفرد تعمل على تحريض الغدة النخامية على إفراز هرمونها المحرض لإفراز الأدرينالين من قبل الغدة النخامية وكذلك اتساع ضربات القلب وحدوث ارتفاع مقابل للضغط مما يسبب نزفاً دماغياً صاعقاً إذا كانت جرعة الغضب كبيرة وتكون نتيجة ذلك إما الإصابة بالجلطة القلبية ، الموت المفاجئ أو الإصابة بالعمى المفاجئ .وقد يسبب الغضب ارتفاع شحوم الدم مما يؤهب لحدوث تصلب شراييني ثم الجلطة القلبية أو الدماغية .أيضاً يثبط حركة الأمعاء فتسبب مرض السرطان فالانفعالات النفسية تولد اضطراباً هرمونياً خطيراً في الغدد يؤدي إلى تأرجح في التوازن الهرموني بصورة دائمة مما يساعد على ظهور البؤرة السرطانية في أحد أجهزة البدن .كما أنه يفقد الإنسان قدرته على التعقل والحكمة ويصيبه بالحقد ويفسد أخلاقه .
أما على صعيد المجتمع فالغضب يولد الحقد والبغضاء بين الأفراد ويقطع الصلة بين الأقارب ويسبب تفشي الجرائم في المجتمعات ويهدم الأسر ويشرد الأطفال .
لكل داء ..
أركان المجتمع المقامة على الفضيلة لن تتحقق إلا إذا هيمن العقل الراشد على غريزة الغضب .
أيضاً لا ننسى اللجوء إلى التمارين الرياضية بغية إخماد ثورة الغضب ، ويقول المثل الشعبي : إذا كان الكلام من فضة فالسكوت من ذهب وقد يكون السكوت وقت الغضب – تحديداً – من لؤلؤ .
منار الناعمة
المزيد...