من الصعب أن ننكر أهمية الفن والجمال وأثرهما في حياتنا فلو أردنا دراسة الحياة من جانبيها الفردي والاجتماعي ومن وجهيها المتمدن والبدائي الحديث منه والقديم لما استطعنا أن نتجاهل أي مظهر من مظهرها الجمالي فلو عدنا إلى أقدم العصور لوجدنا أن الإنسان القديم كان يرسم على جدان الكهوف وينحت الصخر ليعبر عما يجيش في نفسه من أحاسيس جمالية وما يحيط به من عوالم تصل إلى حد الحاجة أحيانا .. واستطاع هذا الإنسان أن يتغلب على قوى الطبيعة المحيطة به ويسخرها لخدمته فصنع أدواته من الأشجار والحجارة وتفنن في عملها ثم تطور استخداماتها فاستعمل المعادن في أدواته وأضاف إليها محسنات أعطتها الشكل الفني الجميل .. فالإنسان البدائي ترك لنا على جدران كهوفه رسوما وصورا مختلفة لحيوانات وعناصر حياتية أخرى شغلت جزءا كبيرا من اهتماماته ومما يميز هذه الرسوم أنها كانت في حالة الحركة .. أنه في فهمه الفطري استطاع أن يستخلص أهم عنصر من عناصر إغناء العمل الفني ومنحه الحيوية والتغيير القوي .. لقد التصق الفن بالحياة وساير تطوره تطور حياة الإنسان من الكهوف إلى العصر الحديث وأخذ دوره يزداد يوما بعد يوم حتى أنه أخذ يتغلغل في خصائص حياتنا اليومية كالملبس والسكن والأساس الفن فعند صناعتها يراعي التذوق الفني السليم .
إن حياة الإنسان أي إنسان مملة بغير الجمال والفن ففي مسيرته الطويلة كان يسير بشكل أو بآخر جنبا إلى جنب مع الجمال بصوره المتعددة ويعكسه في مدلولاته جمالية وأعمال فنية ما يزال بعضا منها يعيش في حياتنا لتعدد قراءاتها .
إن طبيعة الفن ليست قاصرة على العمل الفني في حد ذاته فحسب لكنها مرتبطة أيضا بشخصية الفنان المبدع والظروف التي يعيش بها .. أنها على اتصال وثيق بالمجتمع الذي من أجله قام الفنان بابتكار نتاجه الفني .
إن الأعمال الفنية التي يبدعها فنانو أي شعب من الشعوب ليست في الواقع إلا انعكاسا لحياة هذا الشعب ولآماله وتطلعانه .. فقد استطعنا دراسة تاريخ الشعوب وحياتهم من خلال ما وصل إلينا من أعمال فنية قام بإبداعها فنان تلك المرحلة من الزمن .. وهكذا نرى أن الفنان بشكل أو بآخر كان ملتزما .. وعلى الفن أن يكون ملتزما ولاسيما الفنان العربي عامة والسوري خاصة ليعكس من خلال أعماله نداءات رفيف الأماني وخفق الفؤاد مجسدا مرآة لتطلعات مجتمعه في النهوض وصد الحيف الذي لحق بكاهل الأمة جراء استهداف حضارتها وقيمها .. لذا على الفن المنتج في الوطن العربي أن يكون صادقا في تعبيره عما يجيش في نفوس أبناء الأمة وأن يكون ملتزما والتزام الفنان معناه معايشته الصادقة لأحداث مجتمعه ومعاناته الصحيحة لمشاكل أمته وقضيتها والتعبير عنها بكل وضوح وشقافية.. إن الفنان الملتزم هو الذي يستمد نسغ نتاجه الفني من الأصول العريقة والتقاليد الأصيلة لشعبه وأمته ويعبر عنها بوجه حضاري متميز فبالإضافة إلى أن للفن رسالة حضارية إلا أن رسالته التربوية لا تقل أهمية عنها وعند الحديث عن الفن نعني بذلك ليست الفنون المرئية والتشكيلية فقط أنما يدخل في نطاقها فنون الأدب والموسيقا وغيرها للخصائص المشتركة بين كل هذه الفنون ، فللفن رسالة تربوية والفنان الصادق هو الذي يغني هذا المفهوم بقيم ترتقي بالفن إلى تربية المجتمع والمشاركة الفعالة في البناء والتطور .. ولكي يأخذ الفن دوره لا بد من الانطلاق من شعبية الفن وهذا يعني أنه على الفنان أن يستلهم موضوعاته من حياة شعبه يتحسس مشاكلهم وتطلعاتهم ماضيهم وحاضرهم وأن يضعها بقالب فني وحضاري تجعل ما قام بإبداعه مفهوما ومقبولا لديهم .. بهذا يحقق الفن والفنان رسالته من هذه الوظائف التربوية والحضارية ويعبر عن المرحلة التي عاش بها أما إذا ترك الفن محررا من هذه الوظائف عندها يكون معرضا للتهجين والضياع وبعيدا عن مجتمعه وأمته ويفقد بذلك دوره التربوي والاجتماعي والحضاري
بسام عمران
المزيد...